جاء إعلان كوريا الشمالية عن «تجربة ناجحة» لتفجير قنبلة هيدروجينية بمثابة مفاجأة صادمة، أثارت موجة من الإدانة والاستنكار ليس من أعداء بيونج يانج فقط، بل ومن حلفائها القلائل وأبرزهم الصينوروسيا، حيث وصفتها موسكو بأنها «خطوة جديدة علي طريق تطوير أسلحة نووية وانتهاك فاضح للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن» كما حذرت من أن «خطر احتمال حصول مواجهة عسكرية وسياسية» أمر غير مستبعد في المنطقة، بينما حثت بكينكوريا الشمالية علي الامتناع عن أي تحرك من شأنه أن يؤدي إلي تدهور الوضع في شبه الجزيرة الكورية. ويبدو أن الصين فقدت السيطرة علي كوريا الشمالية، بعدما كان يُنظر إليها في الماضي باعتبارها الراعي الرسمي لنظام بيونج يانج، كما من الواضح أن بكين واقعة بين مطرقة تحمل السلوك المنفلت للنظام الشمالي ومطرقة التخلي عنه وتركه لمصيره، إذ إن إسقاط النظام الحاكم في الشطر الشمالي من شبه الجزيرة الكورية يعني أنها ستفقد ورقة ضغط علي خصومها الثلاثة: اليابان، والولاياتالمتحدةوكوريا الجنوبية، كما أن ذلك يعني أيضاً التوحد مع كوريا الجنوبية الموالية لواشنطن. ويشكل إعلان تفجير قنبلة هيدروجينية مصغرةH من قبل كوريا الشمالية، تقدماً مهماً في برنامجها النووي، علماً بأن التجربة أُجريت بأمر من الزعيم الشمالي كيم يونج أون، قبل يومين فقط من عيد ميلاده، وأوضحت بيونج يانج في بيان رسمي أنها (ستصرف كدولة نووية مسؤولة)، وتعهدت (بعدم استخدام أسلحتها النووية ما لم يحدث اعتداء علي سيادتها). وأوضح البيان أن القنبلة صغيرة الحجم، مشيداً بالنجاح الكامل لقنبلتنا الهيدروجينية التاريخية التي بفضلها ننضم إلي صفوف الدول النووية المتقدمة». ويُستخدم في تصنيع القنبلة الهيدروجينيةH ويطلق عليها البعض القنبلة النووية الحرارية، تقنية الانصهار النووي، وهي تسبب انفجاراً أقوي بمراحل متعددة من الانفجار الناجم عن الانشطار الذي يولده اليورانيوم والبلوتونيوم فقط، وكانت بيونج يانج أجرت ثلاث تجارب لقنابل نووية يُستخدم فيها الانشطار الذري في أعوام: 2006 و2009 و2013، وهو ما أدي إلي فرض عقوبات دولية عليها من قبل مجلس الأمن الدولي. وكان الزعيم الكوري كيم يونج أون قد ألمح خلال جولة تفقدية، يوم العاشر من ديسمبر الماضي، لأحد المواقع العسكرية، أن (بلاده صنعت قنبلة هيدروجينية)، إلا أن واشنطن شككت في صحة تصريحاته آنذاك. البداية وكانت كوريا الشمالية بدأت برنامجها النووي بمساعدة الاتحاد السوفيتي في الفترة من 1950 إلي 1960، ثم توقف التعاون بين الطرفين لخلافات فكرية، ولكن بيونج يونج أعادت العمل علي تطوير برنامجها النووي، لأغراض عسكرية، بشكل سري في مطلع الثمانينات، وتوصلت لكيفية استخلاص البلوتونيوم المادة الرئيسية في تصنيع الأسلحة النووية، وفي عام 2012 أعلنت بيونج يانج نفسها قوة نووية بشكل أحادي وأدرجته في ديباجة عقيدتها العسكرية، وهو ما رفضت الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤها، بل وحتي روسياوالصين، الاعتراف به. في عام 2010 زار وفد من خبراء الطاقة النووية الأمريكيين بيونج بيونج، والمفاعل النووي المركزي لكوريا الشمالية، واندهشوا من كم وجودة المعدات المتواجدة به وأكدوا أنه يعمل بالقوة الكاملة منذ عام 2009 علي الأقل، ومنذ ذلك الحين لم تتوقف بيونج يانج عن تكرار أنها تمتلك «أسلحة أكثر قوة وأكثر تطوراً». في عام 2010 أيضاً، أكدت صحيفة رودونج سينمان اليومية، الناطق الرسمي باسم حزب العمال الحاكم في كوريا الشمالية، أن البلاد أحرزت تقدماً كبيراً في عمليات صهر اليورانيوم (العمل الرئيسي الذي تقوم عليه تصنيع القنبلة الهيدروجينية H) وحينها أكد هوانج جانج يوب، السكرتير العام السابق للحزب الحاكم في الشطر الشمالي والذي فر معلناً اللجوء لكوريا الجنوبية عام 1997، أن بيونج يونج تسعي لتصنيع قنبلة هيدروجينية. ولكن لا يزال التشكيك مستمراً حتي الآن في صحة التجربة، حيث أكد بروس بينيت المحلل والخبير في الدفاع في مؤسسة راند كوربوريشن، أن «هذا السلاح كان علي الأرجح بحجم القنبلة الأمريكية التي فُجّرت في هيروشيما لكنها لم تكن قنبلة هيدروجينية، ما حدث هو انشطار»، مضيفاً أن (الانفجار الذي حصل كان يفترض أن يكون أقوي بعشر مرات). ولكن علي النقيض وفيما يُشبه الاتهام المبُطن للصين بأنها ضالعة بشكل أو بآخر مع كوريا الشمالية في الأمر، كان لي تشون كيون، الباحث بمعهد علوم التكنولوجيا النووية بكوريا الجنوبية، أكد في شهر مايو من العام الماضي أن الشطر الشمالي حصل من الصين علي معدات نووية تعمل بالليزر (يمكنها أن تعزز قدراتها في مجال تصنيع الأسلحة وإنتاج قنبلة هيدروجينية)، وذلك طبقاً لما أوردته وكالة الأنباء الجنوبية يونها)، وحينها أوضح الباحث «لا أعتقد أنهم يملكون القنبلة الهيدروجينية الآن ولكنهم في الطريق لفعل ذلك». الصين حاولت إبراء ذمتها من خلال تصريحات المتحدثة باسم الخارجية، هوا تشون ينج التي أوضحت أن بلادها «ستواصل المشاركة في مناقشات مجلس الأمن الدولي من أجل تعزيز منع الانتشار النووي في شبه الجزيرة الكورية وحماية الاستقرار في شمال شرق آسيا وأننا نعارض بحزم ما قامت به كوريا الشمالية». أما وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، فانتقد سياسة بكين تجاه كوريا الشمالية مطالبا إياها بمزيد من الضغط علي بيونج يانج بعد تجربتها النووية الجديدة. وقال كيري إن (الصين تبنت نهجاً خاصاً أرادت تطبيقه وقد وافقنا عليه)، وأضاف (خلال محادثاتي مع الوزير الصيني قلت بوضوح إن هذا النهج لم ينجح ولا يمكننا أن نتابع وكأن شيئاً لم يكن)، وأوضح أن «للصين نفوذاً لا يملكه أي طرف آخر». عودة التوتر تفجير القنبلة الهيدروجينية من جانب كوريا الشمالية كان سبباً في عودة التوتر مع جارتها الجنوبية وعاد شبح الحرب ليطل برأسه من جديد علي الإخوة الأعداء، حيث قامت حكومة كوريا الجنوبية باستئناف البث الدعائي عبر مكبرات الصوت الضخمة علي الحدود مع جارتها الشمالية التي ردت بالمثل إلا أن كوريا الجنوبية قامت بنشر صواريخ مضادة للدبابات ومدافع هاوتزر ذاتية الحركة من طراز «كا-9» في مواجهة نقاط استئناف البث التحريضي. وكان البث الدعائي الجنوبي في أغسطس الماضي قد تسبب في تصاعد النبرة العدائية بين البلدين، وتطور الأمر إلي قصف مدفعي، قبل أن يتوصلا إلي تسوية للوضع بعد مفاوضات استمرت يومين علي مستوي عالٍ. ومن جانبه قام الجيش الشمالي بتعزيز قدراته في مراقبة كوريا الجنوبية ورفع أعداد جنوده في بعض وحدات الجبهات الأمامية، وتزامن استئناف البث التحريضي من الجانب الجنوبي منتصف نهار الجمعة الماضي 8 يناير تزامناً مع عيد ميلاد الزعيم الكوري الشمالي كيم تشين إيل، وتستمر الدعاية عبر مكبرات الصوت ست ساعات في اليوم، ويبلغ صوتها عمق 10 كم نهارا و24 كم ليلا داخل الأراضي الشمالية.