تلاشت في سكرات العدم.. لفظت آخر أنفاسها علي مذبح الفكر النافق، المعتم، المصالح الشخصية قصيرة المدي، غياب الوطنية والانتماء النبيل.. هي النخبة المصرية المحتضرة بفعل الوعي المسلوب، خواء الروح وقبح الجشع ورهبة فعل الصواب. النخبة تلك النجمة المتلألئة التي تعلو بالأوطان، ترتقي صانعة أمجادها وتعني دوما الأفضل، بريقها مجدول بألق أنبغ من في كل المجالات، الإبداع، الإعلام، الصحافة، العلماء، رجال الاقتصاد والسياسة. الصفوة تتجسد في تلك العناصر المختارة التي تبث التنوير وترسخ القيم الشامخة والاختلاف الذي يحض علي الثراء، وتفعيل العقل والنأي عن أوبئة التلقين. أما اليوم في مصر نحن في زمن الهبوط من الأعلي إلي الأدني، وتربع الأدني علي قمة الهرم الورقي، الهش، العشوائي، فالكلمة للمديوكر، هؤلاء الذين يملأون الأمكنة (جعجعة)، الذين يزايدون، يركبون الموجة، ينتفعون، يرقصون علي السلالم ممسكين العصا من الوسط، مرتزقة. أين نحن الآن من مصر المرصعة بقامات السنهوري، النقراشي، طلعت حرب، د.طه حسين المتوج ببصيرة التنوير والوعي، سلامة موسي، توفيق الحكيم، ثروت أباظة، نجيب محفوظ، إحسان عبدالقدوس، لويس عوض التابعي، أحمد قاسم جودة، مكرم عبيد، الإمام محمد عبده، أين نحن الآن من كل هذا المشهد الحضاري، الإنساني. نحن في مجتمع متسعود يتشح بعباءة سوداء تلتهم العقول والنفوس، تقلصت الأحلام كلها لتصب في هدف واحد عقيم المنفعة الذاتية العازفة عن الحق وليكن ما يكون. سقطت الأحزاب في هوة الانتهازية والسجالات منزوعة الشرف. شاهدت مؤخرا في ندوة واحد من هؤلاء أبطال الستينات.. قارئ الصحف الموجهة ذات الفكر الواحد السقيم، من الذين يطلق عليهم ببغاوات التلقين من أصيبوا بداء (البسيتاكوز) من أتقنوا التلون والزيف والاتجار بكل شيء ينادي بإطلاق سراح المحظورين والمحظورات وصب حمم اللعنات علي بناة السور المخزي يريد لمصر أن تستضيف أمثال صالح سرية سفاح الفنية العسكرية في السبعينات ويريد سيد قطب جديدا هذا هو المناضل بزجاجة الكونياك وحفنة من الأموال الدميمة. كتب أرثر ميلر (قبل السقوط) أتخيل كيف يكون المشهد بعد السقوط!