علي الرغم من الأزمات الطاحنة التي يعيشها المصريون في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وارتفاع معدلات الفقر، وجنون الأسعار، إلا أن الشعب المصري مازال من أكثر الشعوب كرما وحبا للخير، فلم تمنعه ظروفه تلك عن الجود والكرم وفعل الخير ومساعدة المحتاجين، وهذا ما أكده "مؤشر العطاء العالمي" في أحدث إحصائية له، لقياس مدي الإقبال علي عادات التبرع والعمل التطوعي، ومساعدة المحتاجين في مختلف دول العالم. وفقا لتقرير جديد أصدره أخيراً مؤشر العطاء العالمي، احتلت القائمة أسماء دول من العالم الثالث، لتتفوق علي دول تتقدم عليها في الناتج المحلي الإجمالي، مشيرا إلي أن هناك العديد من الأشخاص الذين يحبون الحملات الخيرية في دول العالم الثالث. وأضاف التقرير أن دور الدين في ثقافة كل دولة يفوق دور الرخاء الاقتصادي من حيث مبادرة السكان للتبرع، فقائمة أكثر 20 دولة تقدم التبرعات، لا تضم سوي 5 أسماء من أغني عشرين اقتصاداً في العالم، بينما أغلب المتبرعين من ميانمار أعطوا أموالهم لحملات تبرع تحمل طابعاً دينياً. واحتلت الولاياتالمتحدةالأمريكية المرتبة الأولي بين الدول المانحة للتبرعات، لكن الغريب أن ميانمار شاركت الولاياتالمتحدة في هذه المرتبة. أما بالنسبة لماليزيا، فقفزت من المرتبة ال 71 العام الماضي إلي المرتبة السابعة في قائمة أكرم الشعوب، بسبب إعصار هيان الذي ضرب الفلبين المجاورة، والذي تسبب ببدء حملة تبرعات كبيرة. التقرير كشف تراجع الدول العربية عن فعل الخير، فلم يحتل سكان الدول العربية نصيباً وافراً في هذه القائمة، حيث حلّ الشعب المصري في المرتبة العشرين، ليكون أكرم شعب بين الشعوب العربية بحسب المؤشر. وجاءت سوريا في المرتبة الثلاثين، لتتفوق علي العراق، الذي حل في المرتبة ال 43 والسعودية التي حلت في المرتبة ال 47 في القائمة، ولبنان الذي حل في المرتبة ال 65 والأردن الذي جاء في المرتبة ال 99. التقرير كشف عن أن مصر الأولي بين الدول العربية ، ليؤكد مدي إصرار المصريين علي فعل الخير حتي علي الرغم من الوضع الاقتصادي المتردي وتدهور الجنيه وضعف القوي الشرائية لدي المصري ، بالإضافة إلي ارتفاع الديون الداخلية والخارجية ، فضلا عن كون مصر الأضعف اقتصاديا بين الدول العربية في الفترة الأخيرة ، وهذا ما أكدته إحصائيات بيت الزكاة الذي كشف عن أن حجم أموال الزكاة والصدقات والتبرعات في مصر يصل سنويا إلي حوالي 6 مليارات جنيه كان يتم صرفها بعشوائية، وأضافت الدراسة أن ما يقرب من 65% منها يتم صرفها لنفس الأشخاص المدرجين علي قوائم المساعدات التي تقدمها الجمعيات الخيرية، ويستهدف بيت الزكاة تحصيل 20 مليارا سنويا للقضاء علي الفقر. ووفقا للإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء نجد أن معدلات الفقر تصل الي نحو 40% من إجمالي عدد السكان في مصر بسبب الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة وارتفاع الأسعار المستمر مع انخفاض القوي الشرائية . ووفقا لبيانات المركزي للتعبئة والإحصاء فإنه يوجد 3 أشكال لقياس درجات الفقر في مصر، حيث يتم استخدام الخط الرئيسي لعملية القياس، ويطلق علية خط الفقر المطلق، وتبلغ نسبة الفقر نحو 26 % ويوجد فوق وأسفل هذا الخط ما يطلق عليه هوامش الفقر ، فضلا عن خط الفقر المدقع وهم من يطلق عليهم شديدو الفقر وتبلغ نسبتهم في مصر نحو 4%". وأوضح الجهاز أنه من خلال حصر عملية القياس، تصل نسبة الفقراء إلي 40% وذلك طبقا لآخر تقرير لبحث الدخل والإنفاق . ويعلق الدكتور سعيد عبدالعظيم أستاذ الطب النفسي، قائلا: الشعب المصري كريم بطبعه، مهما مرت عليه ظروف قاسية ، أو تعرض لأوضاع اقتصادية صعبة ، لأن الكرم صفة متأصلة في المصريين ، فالمصري يميل إلي فعل الخير حتي لو كان علي حساب نفسه، فهذه هي القيم التي تربت عليها الأسرة المصرية البسيطة التي تقدم كل ما لديها إلي ضيفها حتي لو كان آخرما يقدم في البيت ، فالكريم كريم الطباع والأفعال والأقوال . ويضيف : إن هناك عدة أنواع للكرم عند المصريين ، فالكريم ليس فقط من يعطي بسخاء بل إن للكرم عدة أوجه منها الكرم مع الذات والكرم مع النفس يعني حمايتها، وجعلها مترفعة عن أي كلام غير مجد أو عن أي سوء ، فالإنسان يجب أن يحافظ علي نفسه ويكون كريما معها بأن يكون متصالحا معها باستمرار ، لأن النفس غالية يجب دائما حمايتها من الصغائر . أما النوع الثاني من الكرم فهو الكرم مع الأهل والأقارب فالإنسان يجب أن يتمتع بحسن الخلق في التعامل مع أهله ، وأن يعرف جيدا أن الأقربين أولي بالمعروف ، لذلك يجب أن يكون كريما مع الأهل والأقارب ،فالرسول صلي الله عليه وسلم أوصانا بحسن التعامل معهم والعطف عليهم ، لأن الأهل أولي بالمعروف من الغريب. فالصدقة علي القريب لها أجر مضاعف وفقا لما وصانا به النبي محمد ؛ لأن المسَلم يأخذ بها ثواب الصدقة وثواب صلة الرحم يقول النبي صلي الله عليه وسَلم: الصدقة علي المسَكين صدقة وهي علي ذي الرحم القريب اثنتان: صدقة وصلة. كما يوجد نوع ثالث من الكرم وهو كرم الضيافة ، لأن إكرام الضيف من آداب الإسلام الذي وصانا به ، فيجب علي الإنسان أن يكون ودودا مع ضيوفه ، وأن يقدم لهم كل خير يملكه ، فكرم الضيافة من أهم أنواع الكرم . كما يوجد نوع رابع من الكرم وهو الكرم مع الناسَ حيث يجب أن يتصف الإنسان في معاملته بالكرم ، وحسن الخلق ، وحسن الكلام فيجب علي الإنسان أن يكون بشوش الوجه متبسما ، لا يجرح أحدا أو يؤذيه ، فالمعاملة الطيبة مع الناس تجعل الإنسان محبوبا بين من حوله ، فاللسان المعسول والكلام الطيب يجعل الإنسان سيرته طيبة. ويعرف الكرم بأنه العطاء بدون توقع أي شيء في المقابل. ويمكن أن يشتمل ذلك علي توفير الوقت أو الأصول أو المهارات لمساعدة المحتاجين. ويعني الكرم في الإسلام التّبرّع بالمعروف قبل السّؤال، والإطعام في المحل، والرّأفة بالسّائل مع بذل النّائل، وقيل هو: الإعطاء بالسّهولة. والكرم مع الناس والإحسان إليهم خلق رفيع يحبه الله ورسوله، فقد روي الحاكم في المستدرك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ. ومن أشهر الكرماء في الإسلام عبدالله بن جعفر الطيار ، حيث قال العلامة الحلي: «عبد الله بن جعفر من أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، كان جليلا»ً. وقال ابن عبدالبر في الاستيعاب: «إنَّ عبد الله بن جعفر كان كريماً، جواداً، ظريفاً، خليقاً، سخياً يسمي بحر الجود، ويُقال: إنَّه لم يكن في الإسلام أسخي منه». فيما تقول الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع إن الكرم في المصريين متأصل، وهناك العديد من المحافظات المصرية التي تشتهر بالكرم ، منها أهالي الصعيد الذين يشتهرون بالكرم في كل شيء ، بالكرم في الضيافة ، والكرم في الحديث ، وحسن الكلام.