أصيب محمد صدقي محمد الموظف بالإدارة العامة للري في سوهاج بمرض سرطان الدم "لوكيميا"CML منذ مايو2012 وبدأ العلاج بالمستحضر الطبي "جليفك" حتي شهر مارس2014 إلا أن التحاليل أثبتت فشله وأوصي الأطباء بالتأمين الصحي بأن الدواء المناسب لحالته هو "سيبراسيل" فانتظم علي تناوله حتي وقت قريب، لكنه فوجئ بعدم وجوده بعد أن أغلقت الشركة الأم التي تستورده في مصر "الشرق الأوسط"، ما أدي إلي تدهور حالته الصحية مجدداً. حياة محمد ليست الوحيدة المهددة بسبب انقراض علاجه، ولكن آلاف المرضي ممن يعانون العديد من الأمراض تتوقف حياتهم علي أنواع معينة من الأدوية إما أنهم لا يجدونها أبدا، أو يتواجد منها القليل جدا بأثمان باهظة فلا يستطيعون شراءها. نرصد في هذا التحقيق بعض هذه الأنواع ونستمع إلي معاناة المرضي ونبحث مع الخبراء عن الأسباب وراء الكارثة وطرح الحلول. يتحدث راضي إسكندر - موظف بالشباب والرياضة عن معاناته من لوكيميا الدم يقول: كنت أتناول دواء "الجلفيك" منذ عام 2009 حتي بداية هذا العام، وبعد أن كانت نسبة المرض 80% أصبحت سالبة! ويستطرد: بدأت ترتفع مع الوقت نظرا لعدم استجابة جسدي للعلاج فاضطر الأطباء لتغييره ووصف نوع آخر يسمي "تايسجنا" بعد عرضه علي لجنة طبية صرحت بصرفه، ولكنه لم يجد نفعا أو يؤثر علي المرض بل سمح للنسبة بالارتقاع إلي أن وصلت ل 54% مرة أخري، فوصف الأطباء عقار "السيبرايسل" غير المتواجد حاليا في التأمين أو في أي من شركات الأدوية!! موظفة التأمين الصحي نصحتني بشرائه من الخارج، ويتساءل: كيف أشتريه وثمنه 16300 جنيه وأنا مجرد موظف لا يملك سوي راتبه. أما مهندس الشبكات (م. ع) أحد مرضي اللوكيميا والذي رفض ذكر اسمه كاملا يقول: كنت أحصل علي هذا العلاج علي نفقة الدولة، أتناول السيباريسل بينما تأثيراته الجانبية علي جسدي أقل بكثير من بدائله وفجأة لظروف اقتصادية لم يعد متوفرا في الأسواق، أما "تايسجنا" الذي اضطررت لتناوله حاليا نظرا لعدم توافر الآخر فهو يؤثر سلبيا علي وظائف الكبد وغيره الكثير من الأعراض الجانبية السيئة التي نتعرض لها. وتحكي د.شيرين عبد الحفيظ - أخصائية الأشعة - أنها تتناول علاج اللوكيميا منذ أكثر من ست سنوات، وانتظمت أول أربعة أعوام علي عقار الجلفيك وكان ثمنه في ذلك الوقت 11500جنيه إلا أنه بدأ يفقد مفعوله ولا يعطي أي نتائج وبدأت نسبة المرض تزداد، وحدثت تفاعلات وآثار جانبية مؤلمة وهو ما لا ينطبق مع أي علاج نستمر عليه لفترات طويلة، ولم يتقبل جسدها بشكل مريح سوي السيبرايسل، والبقية لا أحصل منها سوي علي الأعراض الجانبية القاتلة. وتوضح: أجمع الأطباء علي خطورة قطع العلاج فلا يمر يوم واحد دون تناوله وإن لم أجده في التأمين الصحي أقوم بشرائه علي نفقتي الخاصة، ولكن سعره خيالي وإذا استطعت شراءه مرة أو مرتين لن أقدر علي الثالثة! وتتعجب: كيف يستطع غير القادرين التعايش بدونه، ولا يوجد إلا في القليل من الصيدليات الكبري، وتشير إلي أنه لا يوجد في مصر سوي ثلاثة أدوية فقط لعلاج سرطان الدم ومن أدخلتها علي نظام التأمين الصحي هي سوزان مبارك لأنها تعاني من نفس المرض. وتشرح د. مي عادل دنيور - مدرس مساعد بقسم أمراض الدم بمركز الأورام جامعة المنصورة أن علاج سرطان الدم بدأ اختفاؤه منذ حوالي شهرين وأصبحنا ندرك أنه لن يتوفر مجددا، وتتلخص المشكلة في أن من لا يحصل علي العلاج عدة أيام متتالية فإن حالته تعود إلي نقطة الصفر وكأن شيئا لم يكن، بالإضافة إلي أننا لا نضمن تأثير الدواء علي نفس الحالة بعد توقف العلاج هل ستستجيب له مرة أخري أم سيرفضه الجسم ويكون تجاهه أجساما مضادة. وتشير إلي أن هناك الكثير من العقاقير التي تدخل في مكونات علاج السرطان وهي غير متوفرة منذ فترة مثل " الإندوكسان" الذي يدخل في كل بروتوكولات علاج أمراض سرطان الدم بشكل عام لافتة إلي أن التأمين الصحي غير ملزم بتوفير نفقة العلاج الذي يتم شراؤه من الخارج وإحضار فواتير لصرف ثمنه ويكون الرد بأن هذا غير قانوني! وتؤكد أن قيمة الدواء داخل المركز 5700 جنيه ولن يمكن إحضاره من الخارج، وعلي المسئولين إدراك حجم المشكلة وسرعة إيجاد حلول لها، ومهما كانت الصراعات بين شركات الأدوية فيجب أن نعمل علي حل أزمات المرضي وخلق الدواء لهم بأي شكل من الأشكال، فتوفر الدواء هو أبسط حقوقهم. ويكشف د. محمد سعودي - وكيل نقابة الصيادلة سابقا ورئيس لجنة تنمية الموارد والاستثمار أن العقاقير الخاصة بالأورام السرطانية واللوكيميا تحديدا تختص بها صيدليات السلاسل، وجزء منها مهرب وآخر رسمي فضلا عن المغشوش. ويصف "صيدليات السلاسل" بالمجرمة والمخالفة للقانون والتوحش في التجارة غير المشروعة في جزء من الأدوية كالتي نتحدث عنها ويتهمهم بأنهم يستوردونها ويهربونها ويستغلون حاجة المواطنين، بالإضافة لشراء الأدوية من بعض فاقدي الوعي والأمل في الشفاء والحياة للحصول علي الدواء من التأمين الصحي وبيعه بسعر أعلي. ويضيف: الوزارة ووزير الصحة والإدارة المركزية كلهم علي علم تام بكل ما يحدث. ويأسف لعدم القدرة المادية نتيجة لسوء صرف ميزانية وزارة الصحة التي يضيع أغلبها علي المرتبات والمكافآت والمستشارين وحملات الطب الوقائي وقوافل العلاج الوهميتين ، إلا أن الدولة لن تستمع لهؤلاء المرضي إلا إذا ارتفع صوتهم، ولو بوقفة أمام وزارة الصحة لأنه لن يستجب لهم أحد من خلال الطرق الرسمية. ويشدد علي أن مشكلة نقص الأدوية تتفاقم ويضرب مثالا بألبان الأطفال المبتسرين والعاديين التي لا تتوفر من خلال وزارة الصحة، و"الكوردرون" المنظم لضربات القلب وغير متواجد منذ فترة طويلة، فضلا عن الأدوية المخصصة لمرضي الكبد والشلل الرعاش غير المتوفرة تماما مثل "السينيمت". ويقترح إنشاء هيئة عليا للدواء تمنع تداول أدوية مغشوشة وتخفض أسعار الدواء، وتقوم الشركات بإبلاغها بالمشكلة قبل أن تتفاقم، ومن الممكن أن تجبر شركات أخري علي إنتاج مثيل لسد فراغ الشركة الأصلية. ويفترض د. محمد فاروق - أستاذ الرقابة والبحوث الدوائية أن الأدوية المتواجدة في المستشفيات والصيدليات المصرية مسجلة في وزارة الصحة ومن المفترض أن يكون دخولها بعلم الوزارة ويقول: لا تقتصر علي دواء اللوكيميا فقط ولكن في عقاقير معظم الأمراض الخطيرة مثل "اللاكتيولوز" الذي يقلل كمية الأمونيا التي تدمر خلايا المخ لمرضي الكبد، وعدم توفره في الأسواق كارثه حقيقية، فهو دواء متعلق بأكبر مرض يصيب المصريين وهو التهاب الكبدي الوبائي. ويلفت إلي أن المشكلة تكمن في قطاع الصيدلة التابع لوزارة الصحة، وقطاع صناعة الأدوية والذي يلحق به قطاع صغير خاص بالأدوية المستوردة، وتتلخص مهمة وهدف أعضائها في توفير الدواء لمن يحتاجه في الوقت الذي يريده وبالسعر الذي يلائمه، وإذا لم تتواجد المرونة التي توفر بدائل للأدوية ستكون النتيجه الحتمية ضياع المرضي. ويطالب فاروق الطبيب المعالج ببذل المزيد من الجهد ليضمن المجموعة الدوائية التي تصرف للمرضي أنواعا متواجدة ومتوفرة في الصيدليات. ويرد عليه الصيدلي عبد الباسط إدريس بأن هناك أدوية لها بدائل والبعض الآخر لا ، كما أن بعض المرضي لا يقبلون بالبدائل، ويصرون علي صرف ما يكتبه الطبيب في الروشتة فقط، فيتم التعامل معها كالأدوية التي ليس لها مثيل، بالإضافة لبعض الأطباء الذين يصرون علي صرف أنواع محددة من الأدوية ولا يقبلون بغيرها محاولين إقناع المرضي بأن أي نوع آخر لن يعطيهم نفس التأثير وذلك بعد اتفاقهم مع بعض شركات الأدوية التي توفر لهم السفر لمؤتمرات خارج مصر مقابل بيعهم لكمية متفق عليها من أدوية شركتهم، ففي النهاية هي ليست إلا مصالح شخصية بين الأطباء. ويحصي قائمة من الأدوية الناقصة في الصيدليات مثل السوليوكورتيف والأبيدرون المعالجين لحساسية الصدر، ومنيرين الذي يستخدم لعلاج التبول اللاإرادي لدي الأطفال، بالإضافة إلي نوع يسمي ألفا1 وهو معالج لنقص الكالسيوم وهشاشة العظام خاصة الناتج عن الغسيل الكلوي الذي يستمر لفترات طويلة، وبعض الحقن التي تعالج الجلطات، والإفاليكس الذي يوصف لبعض مرضي المخ والأعصاب خاصة مع حالات الهذيان وقصور المخ والتشنجات والهيمولين أر الذي يطلق عليه الأنسولين المائي وهو من أهم علاجات مرضي السكر وأهم مميزاته أنه يعطي تأثيرا سريعا خاصة في الحالات الحرجة وإسعافهم من غيبوبة السكر، ويؤخذ قبل العمليات الجراحية لإعطاء تأثير أسرع، وبعض أنواع ألبان الأطفال التي لا نجدها سوي في بعض الصيدليات الكبري نظرا لوجود مصالح بينها وبين الشركات ليحدث نوع من احتكار الدواء، وكل هذا هدفه في النهاية الربح وليس صحة المريض.