"ويكيليكس" كلمة تعني الفضائح في الدبلوماسية الدولية.. كلمة تعني فتح الملفات وكشف المستور.. كلمة يعاني منها العالم كل يوم إثر الهزات الارتدادية المتلاحقة واحدة تلو الأخري، إثر نشر الآلاف من الوثائق والبرقيات الدبلوماسية الأمريكية السرية علي الموقع. فهذه البرقيات نقلت تفاصيل المحادثات الدبلوماسية وما يقال خلف الأبواب المغلقة والتي تمارسها السفارات في مختلف أنحاء العالم. وبهذه الوثائق، تكشف في مجملها الوجة الحقيقي للإدارة الأمريكية وسعيها لتأمين نفوذها في أنحاء العالم والسيطرة عليها لأغراضها السياسية والإقتصادية. وبالوثائق نفسها أراد جوليان أسانج، مؤسس الموقع، إنهاء ما يعرف بسرية المعلومات حتي لو كانت خلف أبواب مغلقة. فبعد الوثائق المثيرة، التي نشرها موقع "ويكيليكس" حول العراق وأفغانستان والتي أثارت استياء لدي واشنطن، يري الكثير من المحللين للشئون السياسية في التسريبات الأخيرة انتهاء عصر السرية المعلوماتية أن كل شيء أصبح مكشوفا أمام الجميع، وخاصة وأن هذا حدث مع دولة تملك تقنيات وتكنولوجيا حديثة ومع هذا تعجز عن منع اختراق نظامها المعلوماتي مما أدي إلي انهياره. ووفقاً لمجلة "دير شبيجل" الألمانية أنه لم يسبق في التاريخ أن فقدت قوة عظمي مثل هذا الكم الهائل من المعلومات الحساسة، والبيانات التي تبني عليها السياسة الخارجية الأمريكية. فلم يسبق أن اهتزت ثقة حلفاء الولاياتالمتحدة بها بمثل هذا القدر من السوء. والآن، ظهرت الصورة علي حقيقتها دون تزييف أو تجميل أو تلاعب وانكشفت آراء واشنطن ذاتها نحو العديد من البلدان وقادتها. فقد أتت الوثائق الجديدة التي كشفها الموقع هذه المرة بوثائق سياسية دبلوماسية ربما كانت في الأحوال الطبيعية ستظل سرية لعشرات السنين، فأغلبها كانت مراسلات دبلوماسيين أمريكيين التقوا بزعماء وقادة علي مدي سنوات وقدموا تقاريرهم إلي الإدارة. ومن أبرز تلك الوثائق التي كشفها موقع ويكيليكس، فيما يخص الشأن المصري أنصفت الوثائق المسربة التي نشرها موقع ويكيليكس الرئيس مبارك في موقفه من غزو العراق، والحرب الإسرائيلية علي غزة، إذ تضمنت برقية تحذير من "مبارك" إلي الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، يحذره فيها من حرب العراق، وهو ما يكذّب ادعاءات بوش في مذكراته "قرارات حاسمة" بأن مصر حذرته من امتلاك النظام العراقي السابق أسلحة بيولوجية. وأكدت إحدي البرقيات أن الرئيس المصري اعتبر الحرب التي قادتها الولاياتالمتحدة عام 2003 علي العراق عبثاً خطيراً. ووصف "مبارك" نظيره الأمريكي بأنه "لا ينصت إلي النصيحة. وتتضمن أيضا الوثائق رسالة من السفيرة الأمريكية "مارجريت سكوبي"، إلي وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كيلنتون، قالت فيها إن وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط يتطلع للقاء وزير الخارجية الأمريكية، وربما يطلب منك دعم الولاياتالمتحدةالأمريكية لترشيح فاروق حسني، وزير الثقافة، لمنصب مدير عام اليونسكو، وأوضحت سكوبي، في رسالتها التي ناقشت عدة موضوعات إلي جانب اليونسكو، أن "مصر دشنت حملة دولية واسعة النطاق لدعم ترشيح حسني لمنصب المدير العام لليونسكو، وأعلنت بالفعل الجامعة العربية وكذلك الاتحاد الأفريقي التزامهما بدعم حسني، والمصريون يعتقدون أنهم يحظون أيضاً بدعم العديد من الأوروبيين، وبخاصة الفرنسيين." وقالت إن أبوالغيط سوف يسعي أيضا لطلب دعم الولاياتالمتحدة، أوعلي الأقل، ألا تنشط في معارضة ترشيح فاروق حسني لمنصب المدير العام المقبل لليونسكو." وأضافت أن "الولاياتالمتحدة أبلغته العام الماضي أنها لا تستطيع تأييد الترشيح وحثت مصر علي طرح اسم آخر"، مشيرة إلي أن "أبوالغيط سيجادل في مزايا حسني وتصديه للمتطرفين الإسلاميين الذين يريدون تضييق مساحة التعبير الفني في مصر" ولفتت سكوبي إلي أن "اعتراضات الولاياتالمتحدة كانت علي تصريحات لحسني قال فيها إن إسرائيل ليس لديها ثقافة، وأنها سرقت ثقافات الآخرين، وادعتها لنفسها، وبعض تصريحات أخري." وقالت السفيرة لو كنا نخطط لعرقلة ترشيح حسني، فعلينا توفير بديل مناسب، ويفضل أن يكون عربياً أو مسلماً." كما تضمنت الرسائل مناقشة مسئولين أمريكيين وكوريين جنوبيين لتوحيد الكوريتين في حال انهيار النظام في كوريا الشمالية. وجاءت في بعض الرسائل نقاشات مع عدة بلدان حول امكانية قبولها سجناء من جوانتانامو مقابل حصولها علي محفزات مختلفة. وبمثل هذه التسريبات استطاع الموقع صياغة اللعبة الدبلوماسية العالمية والتحالفات العابرة للبحار والقارات، مزعزعاً الثقة بين واشنطن وحلفائها، تلك الثقة التي دأبت الإدارة الأمريكية علي بنائها وتوطيدها منذ عقود. فالثقة المنهارة هذه ستكلف واشنطن غالياً بمخططاتها الدولية. ولهذا السبب وخوفاً من التأثيرات المحتملة علي علاقات الولاياتالمتحدة الخارجية عقب نشر هذه المعلومات السرية، سارعت الدبلوماسية الأمريكية خلال الأيام القليلة الماضية بالحد من أضرار نشر هذه الوثائق عبر الاتصال بحلفائها لحثهم علي تفادي أي ردود فعل سريعة. ووصفت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون هذه التسريبات بأنها لا تعد هجوماً علي مصالح السياسة الخارجية الأمريكية وحدها وإنما هجوم علي المجتمع الدولي بأسره، وعلي التحالفات وعمليات الشراكة والمحاورات، والمفاوضات التي تحفظ الأمن العالمي، وتدفع قدماً بالازدهار الاقتصادي. وكانت كلينتون تحدثت قبل ذلك إلي نظيرها التركي أحمد داود أوغلو الذي وصفه دبلوماسيون امريكيون في أنقرة في مذكرات بأنه رجل "بالغ الخطورة". وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الامريكية فيليب كراولي أن كلينتون وداود أوغلو "ناقشا خلال اللقاء مشكلة ويكيليكس ووزير الخارجية عبر عن تقديره للتعليقات المباشرة والصريحة التي ادلت بها وزيرة الخارجية". ورأت فرنسا أنها عملية "متعمدة ولا مسئولة" بينما قال وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني انه يخشي "11 سبتمبر للدبلوماسية العالمية". وقال الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الذي شبه في مذكرة بادولف هتلر، ان هذه الوثائق "لا قيمة لها" معتبرا أن نشر هذه الوثائق "يندرج في اطار حرب معلومات" ضد طهران، تديرها الولاياتالمتحدة. فيما القادة الذين انتقدتهم الوثائق سارعوا الي تأكيد ان نشرها لن يؤثر علي علاقاتهم مع واشنطن. وقد اكد وزير الخارجية الألماني جيدو فسترفيلي أن "هذه الحماقات" لن تؤثر علي العلاقات الأمريكية الألمانية بينما قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إن لندن "ستواصل العمل بشكل وثيق مع الولاياتالمتحدة". وقالت افغانستان أيضا إن علاقاتها مع واشنطن لن تتضرر علي الرغم من الوثائق التي وصفت الرئيس حميد كرزاي بانه "ضعيف" وشقيقه احمد والي بانه من زعماء تهريب المخدرات الفاسدين. فيما ندد البيت الأبيض بنشر مثل هذه الوثائق الأمريكية واصفاً هذا العمل "بغير المسئول والخطير"، وقال الناطق باسم الرئاسة الأمريكية روبرت جيبس إن ويكيليكس والذين ينشرون هذه المعلومات "مجرمون"، معتبراً أن هذه التسريبات تشكل "انتهاكات للقانون"، معتبراً أن "هذا العمل يمكن أن يعرض حياة كثيرين للخطر خاصة الدبلوماسيين والعاملين في أجهزة الاستخبارات ". وفضلت الأممالمتحدة عدم التعليق علي الوثائق التي تشير إلي طلب الجانب الأمريكي جمع معلومات حول كبار موظفيها في العالم، إلا أنها شدددت علي ضرورة "احترام الدول الأعضاء" لحصانة موظفيها. في الجانب القانوني، قال وزير العدل، اريك هولدر، إن الولاياتالمتحدة تجري تحقيقاً جنائيا وستحاكم أي شخص يثبت أنه انتهك القوانين الأمريكية. وأدان تسريب الوثائق، وقال إنه يهدد أمن البلاد، ويعرض للخطر أمننا القومي، ويعرض الذين يخدمون هذا البلد سواء دبلوماسيين أو استخباراتيين للخطر، ويؤثر علي العلاقات مع الحلفاء في شتي أنحاء العالم. وبينما يستمر البحث عن جوليان أسانج، مؤسس ورئيس تحرير موقع "ويكيليكس"، أشار مراقبون في واشنطن إلي أن الجندي برادلي ماننج هو الشخص الوحيد الذي اعتقل. رغم مرور فترة طويلة علي بداية نشر "ويكيليكس" لوثائق وزارة الدفاع، بداية بنشر شريط فيديو لقصف جوي أمريكي علي مدنيين في العراق. وقالت صحف أمريكية إن ماننج كان اعترف بأنه سرب الوثائق العسكرية، لكن لم يقدم البنتاجون ما يثبت ذلك، ولم يؤكد أو ينف ذلك. غير أن ماننج اعتقل لصلته بتسريب فيديو الهجوم العسكري في العراق، وليس مؤكدا إذا كان لاعتقاله صلة بالوثائق. واتهمت صحيفة "نيويورك بوست" إدارة الرئيس أوباما بالتقصير، ليس فقط في كشف الذين سربوا الوثائق، ولكن، أيضا، في عدم معرفة تسريبات الجندي ماننج قبل حدوثها. خاصة أن ماننج كان يكتب في الإنترنت عن كراهيته للعمل العسكري منذ فترة طويلة قبل نشر فيديو العراق، وقبل اعتقاله. كتب في يناير الماضي. علي صفحة "فيس بوك" الخاصة به "برادي ماننج لا يريد هذه الحرب. سيخسرون الكثير، وسيخسرون سريعا جدا" ويحقق المحققون في كيفية وصول الوثائق من ماننج إلي أسانج. لكن، يبدو أن التحقيقات تسير في بطء غير عادي. هل لأن كلا من ماننج وأسانج أذكي من المحققين؟ لماذا لا يوجد غير شخص واحد، ماننج، معتقل حتي الآن؟ ما هي التهمة التي ستوجه إلي أسانج إذا اعتقل؟ وأين هو الآن؟ نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مساعدين سابقين لوزراء عدل، وعن قانونيين، أنه لا يوجد قانون أمريكي يعاقب موقعا في الإنترنت. وأن القانون الوحيد ضد التجسس يعود إلي سنة 1917. لكن، في وقت لاحق، أعلنت المحكمة العليا أن القانون غير دستوري لأنه لا يفرق بين التجسس وحرية الرأي. وهناك نقطة أخري، وهي أن جنسية أسانج الاسترالية تجعله قادرا علي العودة إلي استراليا، ولا توجد اتفاقية تبادل مجرمين بين البلدين. بالإضافة إلي أن حكومة استراليا لن تسلمه قبل أن توجه له الحكومة الأمريكية اتهاما محددا. هذا إذا كان في استراليا. وأيضا، لابد أن يكون الاتهام جنائيا لاستعجال إرساله إلي الولاياتالمتحدة، لأن الاتهام المدني لا يعتبر ذا أهمية كبيرة في تبادل المتهمين حسب القوانين الدولية. رغم عدم وجود قوانين مدنية أمريكية عن معلومات الإنترنت.