أبطال فيلم الليلة الكبيرة أثناء عرضه فى دار الأوبرا لم يكن أحداً يتوقع أي جوائز للفيلم المصري الليلة الكبيرة، الذي شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي، بل كان السؤال المطروح هو كيف سمح بدخول الفيلم من البداية لأي من أقسام المهرجان فما بالك بالقسم الرسمي، قد يكون عذر إدارة المهرجان، أن السينما المصرية من حقها المشاركة، ولأعضاء لجنة التحكيم القرار النهائي، ولكن أعتقد أن فيلما واحدا بهذه الدرجة من السوء ممكن أن يلقي بظلال سيئة علي سمعة مهرجان، نحاول جميعاً أن نتقدم به للأمام، والحمد لله، أنه خرج صفر اليدين، ومعه الفيلم المصري الثاني من ضهر راجل الذي كان أفضل كثيرا في مستواه من الليلة الكبيرة، رغم بعض عيوبه الواضحة، علي نفس النهج الذي اتبعه أحمد عبد الله وسامح عبدالعزيز في تجربة فيلمي كباريه والفرح، وهو حشد عدد ضخم من الشخصيات في حيز مكاني واحد، تدور أحداث الليلة الكبيرة! ولكن مع فرق واضح في مستوي الجودة ليس في صالح الفيلم الأخير، الذي أفلتت خيوطه من بين أصابع السيناريست أحمد عبدالله! مشهد الافتتاح في معظم الأفلام، يعطي انطباعا عن طبيعة جغرافيا المكان، لأن من أهم عناصر الدراما تحديد المكان والزمان، مع استعراض الشخصيات، وقد يلجأ السيناريست إلي بداية قوية وحدث يثير اهتمام المشاهد ويجعله يجلس علي طرف مقعده، وهو مانطلق عليه براعة الاستهلال، وقد يلجأ إلي تعريفنا بملامح الشخصيات، وطبيعة علاقة كل منها بالشخصيات الأخري قبل أن تتشابك وتتصادم! لتصل إلي الذروة، ولكن في الليلة الكبيرة، يتلكأ السيناريو كثيرا ويستغرق في طرح شخصيات هنا وهناك، بعضها متشابه إلي حد ما في التكوين النفسي، فعادة إذا كانت الأحداث تدور في قرية مثلا، يمكن للسيناريست أن يزرع شخصية عبيط القرية، ولو أنها شخصية مكررة في كثير من الأفلام القديمة، ولكن مش ممكن أن يزرع في الأحداث شخصيتين أو ثلاث شخصيات عبيط قرية، ولكن في الليلة الكبيرة سوف تجد شخصية العبيط موجودة بوفرة، أولها يؤديها أحمد رزق، وهو يعاني من حالة خبل، وانفصال بقدر ما عن الواقع، ومشكلته أنه لايستطيع أن ينسي أن أمه "صفية العمري" كانت عاهرة، تمنح جسدها لمن يدفع، وكان مسرح عملها المولد، وظلت صورة لقاءاتها مع زبائنها حاضرة في مخيلة الصبي حتي بعد أن بلغ سن الرجولة، وهو لا يتوقف عن إهانتها والصراخ في وجهها "يافاجرة"، بينما هي تضحك بسخرية وتقول له "بس يانجس" ويتكرر هذا الموقف مرات عديدة بدون كلل ولا ملل وبدون تصاعد، وينتهي بأن يحاول قتلها، وهو يقول بعبط، كل ما تزعليني حقتلك! طبعا التعبير عن حالة الخلل النفسي أو القصور الذهني يحتاج ممثلا عنده درجة من الوعي والحرفة، ولكن أحمد رزق يؤدي الشخصية بنفس الطريقة التي اتبعها في مسلسل "الرجل الآخر" الذي شاهدناه من عشرين سنة، وكان من بطولة نور الشريف وميرفت أمين، أنه يستخدم اهتزازات ملامح وجهه، بطريقة بدائية، مع أن الحالة التي يعاني منها نفسية وليست عقلية! أما المجذوب الثاني في اللية الكبيرة، فهو صبري فواز وهو هائم في ملكوت الله، يشارك في حلقات الذكر، و"التفقير" ولكنه يحتفظ بدرجة من الوعي تسمح له بإدراك مايحدث حوله، وينفعل به أحياناً ولكنه لا يشارك في الفعل، وكأنه مجرد شاهد عيان علي مايجري في مولد سيدي شمس الدين، وهناك عبيط ثالث بيجري في خلفية الكادر رايح جاي، دون أن تتبين ملامحه ولا نعرف عنه شيئا! ولأن الشخصيات تتحرك في مجال ضيق جدا، ومساحات محدودة، بحيث لايمكن أن تتبين مكان اللوكاندة الفقيرة التي يمتلكها سيد رجب، ويعمل بها ابن شقيقه وائل نور، من بقية الأحداث أو من المقام، أو من المسرح الذي يؤدي فيه محمد شرف نمرة، التنشين علي سمية الخشاب، لو فاكر فيلم تمر حنة، الذي كان إنتاجه في الخمسينيات من القرن العشرين، ربما تذكر حركة الكاميرا في مشاهد استعراض المولد، بحيث تبدو المساحات شاسعة جدا، بينما تخنقك مشاهد المولد في فيلم الليلة الكبيرة، بالإضافة لعدم قدرة المخرج علي تحديد المسافات، يعني محمد لطفي يقف علي بعد نص متر من سمية الخشاب ويلقي حولها الخناجر، وهي لعبة تحتاج أن يبتعد اللاعب عن الهدف بمقدار ثلاثة أمتار مثلا حتي تظهر مهارته! ثم حتي لو تجاهلنا فقر الصورة، والكساح الذي أصاب حركة الكاميرا، والتفتنا فقط إلي المنطق وتركيب الشخصيات، سوف تجد أن المسألة قد قلبت إلي ميلودراما فاقعة، يتلوها حالة من الضحك الهستيري، فيصعب أن تصدق أن سمية الخشاب يمكن أن يخدعها محمد لطفي ويسقيها قرصاً، يجعلها تقع في حضنه وتحمل منه "أفلام زمان كانت تستخدم حاجة أصفرة" وهي أكثر منطقية من القرص الأصفر! المهم خد عندك بتاع خمس مشاهد متفرقة، يتكرر خلالها نفس الحوار بين سمية الخشاب ومحمد لطفي كلها خاصة بموضوع أنه خدعها وهي ندمانة إنها استسلمت، وطبعا يسمعهما والدها وصاحب السيرك "أحمد بدير" ويقرر أن يزوجهما بعد أن تقع في حضنه وتبكي، ومعلش يابا سامحني يابا، ويتحدث هو بدون صوت خفيض يشبه ما كان عليه حسين رياض، بعد ما أصابه الشلل في رد قلبي، ولاحظ أن الشخصيات لا علاقة لها ببعض مطلقا، رغم أنهم في نفس المكان، والأحداث في نفس الليلة، لكن كل واحد في حاله، حتي مايخبطش في التاني من باب المصادفة، الحكاية التانية، تخص وفاء عامر وابنتها زينة، وزوج ابنتها أحمد وفيق، الأم لا تكف عن الدعاء والبكاء والاستجداء لسيدي شمس الدين، كي ينعم علي ابنتها بطفل ذكر، بعد إنجابها لبنتين، وخوفاً أن يضيع ميراث الأب، تسعي وفاء عامر، للدجل حيث تمنحها كودية الزار كوبا أذابت فيه مادة ما، تؤدي إلي وفاتها بدلا من علاجها، وطبعا لابد أن يظل ذهنك مشغولا بنوع المادة اللي ممكن تكون وضعتها الكودية في كوب الماء! وتؤدي للوفاة الفورية، ولكن مش مهم أن يكون للحكاية منطق، وندخل علي حكاية عمرو عبدالجليل وهو منشد يقدم أغاني صوفية، ولكنه يتعاطي المخدرات وليس لديه مانع من اقتراف أي بلاوي وتقع عينيه علي ابنة عازف الكمان في فرقته ويصر علي أن يتزوجها، وتوافق الفتاة لأنها منبهرة به، وفي ليلة زفافهما تأتي إليه سلوي محمد علي وهي أم الفتاة لتخبره أن تلك الصغيرة هي ابنته لامؤاخذة في الحرام، فينهار باكياً، وفوق البيعة حكاية عن مجموعة ناس بذقون يريدون شراء الأرض التي يقع عليها ضريح مولانا شمس الدين، بينما تحاول سميحة أيوب أن تقف لهم بالمرصاد، ولكن سيد رجب كالعادة لديه استعداد لبيع أي شيء! طبعا يحاول السيناريو أن يؤكد أن جميع الشخصيات مذنبة ومدانة وواقعة في الخطيئة لأذنيها! ولأننا في ليلة مفترجة "المولد" فالأمور تنتهي بنزول المطر بغزارة وكأنه جاء ليطهر شخصيات الفيلم من ذنوبهم، ولكن إن كان للمطر هذا التأثير فعلا لأصبح أهل الإسكندرية بلا خطيئة واحدة! وقفز لذهني النهاية العبقرية لفيلم ماجنوليا حيث تنهمر الضفادع من السماء وكأنها زخات مطر! يفتقد الفيلم لحالة الذروة، أو للنقطة الفاصلة، كما حدث في الفرح مثلا، حيث جاءت نقطة الذروة مع وفاة الأم، أثناء الإعداد للفرح الذي سوف ينقذه من الإفلاس، مما يضعه في حيرة وصراع بين أن يقوم بدفن أمه، أم يستكمل الفرح، وكأن شيئا لم يحدث، أما في فيلم كباريه فإن نقطة الذروة تكون مع وصول الإرهابي "فتحي عبدالوهاب" إلي الكباريه ومعه قنبلة معدة للانفجار بالمكان، ولكنه يتردد في تفجيرها بعد أن عثر داخل الكباريه علي بعض الشخصيات التي لا تستحق الموت بهذه الطريقة، وينتابه حالة من الصراع بين أن يكمل مهمته أو يتراجع! أما في الليلة الكبيرة فقد فشل السيناريست في عمل نقطة ذروة أو تصعيد للصراع، فبدا الأمر وكأن كل الشخصيات تدور في دوائر بلا نهاية، وأفرط المخرج في تقديم الأغاني والتواشيح الدينية، بحيث تحول الأمر إلي حلقات ذكر ودروشة، فهناك أكثر من أغنية بصوت علي الهلباوي ومحمود الليثي غير الأغاني التي قدمها عمرو عبدالجليل بصوت آخر، في محاولة لخلق أجواء صوفية، ولكن هذا لم يكن له أي تأثير علي المشاهد اللهم غير زيادة جرعة الملل، فقد يكون مقبولاً أن تسمتع لعشرين أغنية صوفية من خلال مسلسل "السبع وصايا" موزعة علي ثلاثين حلقة، فتستمتع بها، ولكن حشد هذا الكم مع تعطيل أحداث الفيلم، فهذا أمر لايطاق!