التخزين العشوائى لاسطوانات البوتاجاز تعرضها للانفجار كوارث كبري تحملها عشرات الآلاف من مخازن المنتجات الزراعية والصناعية، التي تنتشرُ عشوائياً بين الكتل السكّانية داخل المدن والقري. عدم اتباعها لمواصفات التخزين حوّلها إلي قنابلَ موقوتة، كونها عُرضةً لتأثيرات العوامل الجوّية والأمطار، والتي تصل إلي إمكانية نشوب حرائق ووقوع انفجارات داخلها. فلم تكن موجة الأمطار والسيول التي وقعت مؤخراً، فاضحة لتردي شبكات الصرف الصحي بالمحافظات فقط، بل كشفت مدي تهالك البنية التحتية لمنشآت الإنتاج الزراعي والصناعي. التخزين في الأماكن العشوائية تُرجم إلي خسائر فادحة حصدتها كثير من المصانع والشركات التُجارية أخيراً، وكان علي رأسها ما شهدته شركة الحديد والصلب من خسائر جرّاء غرق عدد من مخازنها في موجة السيول الأخيرة، وهو ما واجهته أيضاً مخازن شركة طنطا للزيوت والصابون. غير الخسائر التي لحقت بالمحاصيل الزراعية وبخاصة الحبوب لسوء تخزينها داخل الشون الترابية. إلا أن مخاطر سوء التخزين لا تتوقف علي التلف الذي قد تتعرض له المواد أو السّلع المُخزّنة، لكنها تُشكل خطراً حقيقياً يصل إلي احتمالية نشوب حرائق ووقوع انفجارات داخل المخازن المُختلفة. الدكتور مصطفي مفتاح خبير السلامة والصحة المهنية، أكد أن قواعد ومواصفات عملية التخزين والأمن الصناعي، غائبة بشكلٍ كبير عن كثير من المنشآت الصناعية والتجارية، فطريقة ومكان التخزين تختلف حسب نوع المُنتج وطبيعة الصناعة. وتكمن خطورة وقوع الحرائق بشكلٍ أساسي داخل المخازن المكشوفة، أو تلك التي تكون أسقفها غير محكمة الغلق ونافذة للمياه. هذا الاشتعال يمكن أن يحدث نتيجة وقوع ماس كهربائي بتعرّض المخزن للأمطار، كما أن تعرّض المواد العضوية المخزّنة مثل الحبوب ومنها القمح علي سبيل المثال للأمطار يزيد من درجة حرارتها، ما يعظّم احتمالية نشوب حرائق داخل أماكن التخزين. يتابع: هذا الخطر يزيد في تخزين بعض المواد الكيميائية التي يُمكن أن تتفاعل مع المياه، كما أن الشرار الناتج عن البرق يُمكن أن يُحدث كارثة تصل إلي الانفجار حال تعرّضت له مستودعات المواد البتروكيماوية، التي لا تلتزم بمعايير التخزين ووسائل تفريغ الشحنات الكهربية. وفي كثير من الأحيان أيضاً لا يتم مراعاة السعة التخزينية للمكان، ونجد المخازن مكدّسة بما يفوق قدرتها الاستيعابية ما يُضاعف من خسائرها. غير أن كثيرا من المنشآت التجارية الصغيرة تتخذ من البدرومات والأدوار الأرضية مخازن لها، دون الأخذ في الاعتبار ضرورة وضع حواجز تمنع دخول مياه الأمطار إليها. وفي كل الأحوال يجب أن تكون أرضية المخزن مرتفعة عن مستوي الطريق بنحو 30 سنتيمتراً، ويُفترض أن يتم وضع المواد المُخزّنة علي قوائم معدنية أو خشبية، ولا توضع علي الأرض مباشرة لحمايتها من التلف. لكن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم وجود آلية فاعلة للرقابة من جانب إدارة السلامة والصحة المهنية التابعة لوزارة القوي العاملة، ووزارة الصناعة والتجارة ووزارة السكان، وهي الجهات المنوط بها إصدار التراخيص والرقابة علي مواصفات المخازن واشتراطات الأمن الصناعي. فلدينا أربعة ملايين منشأة صناعية وتجارية نصفهم يعملون دون ترخيص. في حين، يؤكد أحمد الزيني رئيس شعبة مواد البناء والأخشاب بالاتحاد العام للغُرف التُجارية، أن قطاع البناء والمقاولات من أكثر القطاعات تأثراً بأزمة التخزين، وذلك لحجم التداول الهائل لمواد البناء وضيق المساحات المتاحة للمستودعات. مُضيفاً: هذه الأزمة يُعاني منها التُجّار ووكلاء مصانع مواد البناء والمحاجر. للأسف نجد أن 90% من الأماكن المُخصصة للتخزين عبارة عن مخازن عشوائية أغلبها ساحات مكشوفة مُحاطة بأسوار، وهذه كارثة لأن تخزين مواد البناء من الحديد والخشب والأسمنت والجبس والجير وغيرها من المواد، يجب أن يكون مُحكماً في مخازن مُغلقة. يُتابع: تخزين هذه المواد عشوائياً يجعلها عرضة للتأثر بالأمطار والعوامل الخارجية، خُطورة ذلك أن الرشح والرطوبة تؤدي إلي صدأ الحديد وتُفقد الخشب والأسمنت وغيرها من المواد جزءا من صلاحيتها، ما يؤثر علي تماسك العقارات التي تدخل هذه المواد في بنائها ويزيد من احتمالية تعرّضها للانهيار. وهذه المسؤولية تتحمّلها الحكومة التي لا تُعير قطاع مواد البناء أي اهتمام. فقد أعددنا مشروعاً متكاملاً لتنظيم عملية تخزين هذه المواد، بإنشاء أسواق تشمل مناطق تخزينية مُحكمة تُقام خارج الكتل السكنية علي نفقتنا الخاصة، في مناطق غير مستغلة بمدينة بدر وحلوان وعلي طريق السويس، وطالبنا المسؤولين بوزارة الصناعة والتجارة بتسهيل عملية تخصيص الأراضي اللازمة، لكن لم يتم الاستجابة إلينا وفوجئنا بعرقلة المشروع من جانب الوزارة. لم تقتصر عملية التخزين العشوائي وما يترتب عليها من أضرار ومخاطر علي مُنتجات الأنشطة الصناعية فقط، لكنها تُهدّد الكثير من حاصلات ومستلزمات الإنتاج الزراعي، كما يوضح الدكتور نادر نورالدين المستشار الأسبق لوزير التموين وخبير بورصات الغذاء والحبوب العالمية، مؤكداً أن سوء تخزين الحبوب يُمثل كارثة علي الإنتاج الزراعي والصحة العامة للمصريين، فنحن نفقد جرّاء اتباع الطرق البدائية للتخزين كميات هائلة من الحبوب، لتعرض المخزون إلي خطر التأثر بالعوامل الجوية وتقلبات المناخ والأمطار، غير ما يتعرض له من تلوث نتيجة لمخلفات القوارض والطيور. وهو ما تتجلي تأثيراته بشكلٍ واضح في محصول القمح الذي يُهدر منه سنوياً ما يزيد عن مليوني طن، أي ما يُعادل نسبة 25% من إجمالي الإنتاج المحلي الذي يصل إلي تسعة ملايين طن سنوياً. وهذه الخسارة تُكبّد الدولة ما يقرب من 250 مليون دولار كل عام. يواصل: مازال الأسلوب السائد في تخزين القمح والحبوب للأسف يعتمد علي الشون الترابية التابعة لبنك التنمية والائتمان الزراعي، وفيها يتم تخزين الجزء الأكبر من القمح المحلي بعد استلامه من المزارعين، خاصة في محافظات الدلتا وعلي رأسها كفر الشيخ والغربية والمنوفية، والمحافظات القريبة من السواحل الشمالية، في الإسكندرية ودمياط وبورسعيد ومطروح. إلا أن سوء التخزين يمتدّ للأسف إلي جميع أنواع الحبوب من الرز والفول والشعير، كذلك الذرة التي تُعدّ الركيزة الأهم في صناعة الأعلاف في مصر، ويحمل ذلك بالطبع تأثيرات كبيرة علي الثروة الحيوانية لدينا لتأثيره علي جودة الأعلاف المُنتجة محلياً، وبالتالي علي صحة المواطنين الذين يتناولون اللحوم الحمراء. وتكمن الخطورة بحسب نورالدين - في أن عدّم حماية الحبوب من الأمطار يزيد من نسبة الرطوبة داخلها لترتفع درجة حرارتها، ما يؤدي إلي تلف الحبوب وتعرضها إلي العفن، الذي يترتب عليه إصابتها بما يقرب من 27 نوعاً من الفطريات، تُفرز مجموعة من سموم "الميكوتوكسين" التي يُعد أخطرها سموم "الأفلاتوكسين"، والكارثة أن هذه السموم التي أقرّت منظمة الصحة العالمية بأنها أحد أسباب ارتفاع نسب الإصابة بالفشل الكلوي والتليّف الكبدي بين سُكان القري والأرياف، لا يمكن التخلَص منها بأي نوع من المعالجات الكيميائية أو الحرارية، ما يُفترض أن يجعلها غير صالحة للاستهلاك الآدمي. ويُشير نورالدين إلي أن الشون الترابية المُستخدمة في تخزين الحبوب يتجاوز عددها 4000 شونة تتوزع بالعديد من القري والمراكز علي مستوي الجمهورية، ورغم التصريحات المتتالية التي صدرت من وزير التموين الحالي، بتطوير هذه الشون وتحويلها إلي صوامع أسمنتية ومعدنية لتخزين الحبوب، ما تم إنجازه علي أرض الواقع لا يُذكر. نحتاج إلي صوامع جديدة بطاقات تخزينية كبيرة، هذه الصوامع عبارة عن غُرف مُحكمة تحمي الحبوب من الأمطار والعوامل الخارجية، كما يتم التحكم بدرجة حرارتها ويتوافر فيها أذرع تعمل علي تقليب مخزون الحبوب لضمان سلامته وعدم تعرضه للعفن.