في لعبة العسكر والحرامية، أعتقد أن النسبة الأعظم تميل للانضمام إلي فئة العسكر، فلا يطيق أحد أن يكون مطارداً وعرضة للاصطياد طوال الوقت، مهما كانت المكاسب والمغريات التي يوفرها عالم الحرامية، ولكن كثيرا ما تنقلب الأوضاع ويصبح المجرم شخصية كارزمية، تدفع الآخرين إلي تقليدها أو السير علي نهجها! ولكن هل يستطيع رجل الشرطة أن يقضي علي الأشرار والمجرمين وهو يرتدي قفازات في يديه؟ أو يتعامل بنعومة مع خصم لايعرف إلا لغة القتل، لأن أمامه أحد طريقين أن يكون قاتلاً أو مقتولاً! "سيكاريو" أحدث أفلام المخرج الكندي "دينيس فيلينوف" بطولة إيميلي بلانت، وبينيشيو ديل تورو، جوش برولين، عرض الفيلم للمرة الأولي خلال الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي، وحصل الممثل بينيشيو ديل تورو علي جائزة أفضل ممثل مساعد من HOLLYWOOD FILM AWARDS رغم أنه إحقاقا للحق يقدم في الفيلم الشخصية المؤثرة درامياً، والمحركة للأحداث، مع قدرته المذهلة علي التعبير حتي في لحظات الصمت، ولايمكن بحال أن نعتبر جوش برولين الشخصية الأولي! وكعادة معظم أفلامه فإن المخرج الكندي يقدم الجانب المظلم، الغامض المخيف في صراع الشرطة أو الجهات الرسمية التي تطارد المجرمين والخارجين عن القانون، تسيطر عليه الذئاب، لاتعرف أي من الجانبين أكثر قسوة وعنفاً من الآخر، حيث لامكان ولامجال لوجود البراءة والأماني الطيبة، وتبدأ الحكاية من هجوم فريق من الشرطة الفيدرالية، علي وكر عصابة أحد أساطين الجريمة، حيث تكتشف الضابطة "كيت ماسير" أو إيميلي بلانت، وجود عشرات الجثث المتعفنة، لأشخاص تعرضوا للتعذيب والقتل بوحشية، ويتم اختيار "كيت ماسير" لتكون ضمن فريق عمل مكون من ثلاثة أشخاص، منهم "جوش برولين" الساخر دائما، وكأنه ذاهب في رحلة ترفيهية، واليخاندرو الغامض قليل الكلام" بينيشيو ديل تورو" أما "كيت ماسير" فهي لاتعرف دورها في هذه المهمة، ولاكيف يمكن أن تتعامل مع زميليها في المهمة، خاصة أن لديها الكثير من التحفظ والشكوك حول اليخاندرو، الذي تكتشف لاحقاً أنه من كولومبيا التي تشتهر بعصابات المخدرات، والمهمة هي التصدي لأحد أباطرة تجارة المخدرات، في المنطقة الحدودية بين المكسيك والولايات المتحدة! المهمة ليست بهذه البساطة، فمواجهة العنف بالوسائل القانونية لن تجعله ينحسر، خاصة مع وجود معاونين ومتعاونين مع ملوك الجريمة من داخل عناصر الشرطة نفسها، وتصبح كيت ماسير شاهدة عيان علي وصلات شديدة العنف والقسوة، يقوم بها فريقها، ضد المجرمين، حتي أنها تحاول في لحظة قتل اليخاندرو، فيوجه لها لطمة قاسية، ويحذرها قائلا" إياك أن ترفعي السلاح في وجهي ثانية"، الفيلم يمتلئ بمشاهد القتل والعنف وإطلاق الرصاص، فيسقط القتلي من الجانبين! وفي مشهد يقدمه "ديل تورو" بعبقرية بعد أن يصل إلي حصن إمبراطور تجارة المخدرات، بينما هو جالس للعشاء وسط عائلته المكونة من زوجته وولديه، وبعد حوار يبدو هادئا، يذكره اليخاندرو بالكم الهائل من الأطفال الذين لقوا حتفهم نتيجة جرائمه، وبالآباء الذين قتلهم، بدم بارد، ثم يقوم بقتل ولديه أمام عينيه، قبل أن يطلق عليه وابلا من الرصاص، لتنتهي المهمة، بالقضاء علي إمبراطور تجارة المخدرات ومعه عشرات من رجاله والمتعاونين معه، ويطلب اليخاندرو من زميلته "كيت ماسير" أو إيميلي بلانت أن توقع علي وثيقة تفيد بإتمام المهمة علي الوجة الأمثل، دون وجود أي خرق للقانون ولكنها ترفض، حيث كانت تفترض أن تتم المهمة بالقبض علي تجار المخدرات! ومحاكمتهم وهو تصور شديد المثالية لايتفق مع الخوض في عالم الجريمة! سيكاريو كلمة لاتينية معناها القاتل المحترف، من خلال أفلامه قليلة العدد، استطاع المخرج الكندي دينيس فينيلوف أن يخلق عالما خاصا، يقتحم فية ثنايا وأغوار النفس البشرية في فيلمه "سجناء" 2013 الذي يدور حول محاولة حل لغز اختفاء البنتين الصغيرتين فيه، نجح تماماً بتوجيه ضربات متلاحقة لكل الاحتمالات التي وضعها في ذهن المشاهد، كما هو حال والد إحدي البنتين "هيو جاكمان" وكذلك الأمر مع المحقق لوكي "جاك جيلنهال" والمسارات تتداخل وتضيع كما المتاهة التي يرسمها أحد المشتبه بهم، ولتنتهي اللعبة بسلسة من المفاجآت وليترك جاكمان حبيس حفرة في جوف الأرض تصدر عنه صفرات من صفارة ابنته المتروكة في الحفرة، بما يجعله لائقاً تماماً بفيلم يحمل صفة التشويق والإثارة، متأسس علي سيناريو محكم كتبه أرون كوزيكوفسكي. ألغاز و"أكشن"، وحضور استثنائي للبيئة وتوظيفها في تلك السياقات ما تحمله أفلام فيلنوف، حيث المطر يدفع للبلل بأحداث "سجناء"، بينما تكون المدينة في فيلمه Enemy عدو 2013 غارقة بالغبار، وهنا يجسد فيلنوف رواية ساراماجو التي لاتفصل كثيراً بين الخيال والحقيقة، بين الواقع والحلم، والنهاية صادمة ومخيبة في الوقت نفسه. اشتهر فيلنوف علي نطاق واسع من خلال فيله Incendiesحرائق 2013 رشح لأوسكار أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية ومأخوذ عن مسرحية للكندي لبناني الأصل وجدي معوض وبشكل واسع في العالم العربي جراء تناول الفيلم الحروب الأهلية الشرق أوسطية مسخراً الحرب اللبنانية لهذا الغرض وإن كان يحكي عن بلد اسمه "فؤاد"، وللمفارقة فهناك في الفيلم مدينة اسمها "دارش" لها أن تصير "داعش" في أيامنا هذه، ويمكن أن ندرك أننا حيال مخرج بارع في سرد القصص، ومشغول بطريقة روايتها بصرياً بأسلوب محكم، وبالتأكيد أن "سيكاريو" إضافة جديدة علي تجربته، ليس المدهش فيه العالم الذي يمضي خلفه وهو يرصد حروب المخدرات وقذاراتها، فهذا ليس بجديد! لكن الكيفية التي قارب فيها هذه العوالم وأسلوبه في تجسيد السيناريو الذي كتبه تايلور شيردان، كما أن العنف الذي يتسيد الفيلم لن يكون بشيء إن شاهدت أفلاماً مكسيكية علي اتصال بالعصابات والجريمة مثلما هو الحال مع أفلام مثل ترافيك لستيفين سوديلبيرج، ولابلاد للعجائز للأخوين "كوين".