دي سوزا عميلة سابقة بالمخابرات المركزية الأمريكية، تعيش حاليا كلاجئة بالبرتغال، هربا من حكم قضائي عليها وعلي مجموعة من زملائها، بالسجن سبع سنوات، بعدما فضحت أكاذيب بلادها فيما يخص قضية خطف وتعذيب الشيخ أبو عمر المصري في إيطاليا، وهو ما مارسته المخابرات الأمريكية في إطار برنامج سري يُعرف باسم (الترحيل خارج إطار القانون)، حيث كان يتم القبض علي مطلوبين أو متهمين بالإرهاب ويتم وضعهم في سجون خارج الأراضي الأمريكية ليتمكن ضباط المخابرات الأمريكية من استجوابهم بممارسة كل أنواع التعذيب وفي نفس الوقت لا يلاحقون قضائياً في بلادهم.. وهو ما تحكيه سابرينا في حوار حصري اختصت به صحيفة لوموند الفرنسية اليومية. سابرينا: هجمات 11 سبتمبر جعلت حرب أمريكا علي الإرهاب بلا حدود جغرافية إذا أرادت أي دولة فتح تحقيق بخصوص انتهاك ضابط مخابرات لأراضيها تهدد واشنطن بوقف تبادل المعلومات معها هجمات الحادي عشر من سبتمر 2001، كانت سببا في أن تتخذ حرب الولاياتالمتحدة ضد ما تسميه الإرهاب شكلا جديدا، لتصبح هذه الحرب بلا حدود جغرافية، وتوضح سابرينا كيف عاشت هذه الفترة بينما كانت تعمل كعميلة للمخابرات الأمريكية في إيطاليا، بالقول: قبل هجمات سبتمبر كنا نعمل علي جمع المعلومات في مجالات متعددة ثم أصبح كل تركيزنا منصبا علي الإرهاب بعد هجمات سبتمبر والحرب علي العراق عام 2003، وكان شعار لانجلي (الحي الذي يقع فيه مقر المخابرات الأمريكية والبيت الأبيض)، اخرجوا وابحثوا عن هؤلاء الأوغاد الذين فعلوا بنا هذا، وتم إنشاء العديد من البرامج السرية في ذلك الوقت، علما بأن برنامج الترحيل خارج إطار القانون، كان موجودا حتي قبل أحداث سبتمبر ولكنه اتسع وأصبح أكثر انتشاراً علي نطاق واسع فيما بعد. وعن كيفية النظر لهذه البرامج السرية في أوساط الCIA قالت سابرينا: أولئك الذين كانوا يتساءلون عن مدي قانونيتها لم يكونوا هم أنفسهم من يطبقونها، وكان القائمون علي برنامج (الترحيل خارج إطار القانون) يظنون أنفسهم يعملون في إطار قانوني وأنهم محميون ممن يسبقونهم في التدرج الوظيفي ومن السلطة السياسية. في إيطاليا بدأت عمليات (النقل خارج الإطار القانوني) في أكتوبر ونوفمبر 2001، حيث تحدث جيفري كاستيللي، مدير مكتب المخابرات الأمريكية في إيطاليا، مع نيكولو بولاري، مدير المخابرات الحربية الإيطاليةSISMI ، وكان الطرفان (المخابرات الأمريكية والحربية الإيطالية) قد تعاونا في مطاردة وخطف عناصر الألوية الحمراء (منظمة إرهابية سرية تأسست في مدينة ميلانو الإيطالية عام 1970، قامت بعشرات من عمليات القتل والخطف والسطو علي البنوك وقتلت رئيس الوزراء السابق ألدو مورو) وإيداعهم في سجون سرية، ثم أصبح هذا التعاون لفعل نفس الشيء ولكن لخطف إسلاميين. في ربيع 2002 قدم كاستيللي لبولاري قائمة بأهداف مطلوبة، وكان واحدا من هذه الأسماء الإمام أبوعمر المصري، ولم يكن هناك شيء يبرر خطفه حيث كان خاضعا لمراقبة DIGOS (شرطة مكافحة الإرهاب الإيطالية) لمدة عامين ولم يثبت عليه شيء.. كنا علي اتصال دائم بDIGOS وكنا إذا أردنا فعل شيء علي الأراضي الإيطالية، نفعله بعلمهم. كاستيللي فقط كان يعتبر أن أبوعمر يشكل تهديدا وشيكا. في القضية التي رفعها أهالي معتقلين في إيطاليا، قال بولاري أمام القضاء إنه رفض المشاركة في برنامج - (النقل خارج إطار القانون) لأنه لا يوجد له إطار قانوني في إيطاليا، وقال أيضاً إن كاستيللي أجابه بأنه سيفعل ذلك دون المخابرات الحربية الإيطالية. وعما إذا كانت الحكومة الإيطالية علي علم رسمي بما تفعله المخابرات الأمريكية علي أراضيها، قالت سابرينا: إن اختطاف أبو عمر المصري في السابع عشر من فبراير 2003، ما كان ليتم إلا في حضور لوسيانو بيروني أحد أكبر ضباط الشرطة في ميلانو الذي أوقف أبو عمر المصري بنفسه في الشارع. ويمكنني أن أؤكد أنه كان واحدا من أهم عملاء المخابرات الأمريكية في إيطاليا لمدة عشر سنوات، وكان يتعامل مع روبرت ليدي رئيسي المباشر في ميلانو، الذي أشرف علي العملية بالاتصال المباشر مع بيروني وDIGOS وISMI. وتضيف سابرينا: في سبتمبر 2003 تم توجيه الدعوة لبيروني للحضور في لانجلي للحصول علي مكافأة ضخمة نظير خدماته للمخابرات الأمريكية وبالفعل ذهب إلي هناك وحصل علي مبلغ كبير من المال، وفي 2005 حينما بدأت العدالة الإيطالية التحقيقات في عمليات الاختطاف والاختفاء القسري، اقترحت المخابرات الأمريكية علي بيروني نقله مع زوجته وقطته للعيش في الولاياتالمتحدة. ولكن يمكنني التأكيد أن بيروني لم يكن الوحيد المطلوب للعدالة في إيطاليا، إذ كان برفقته ضابط آخر برتبة كبيرة وكان يحظي بثقة المخابرات الأمريكية. وإذا كان القضاء الإيطالي عثر علي عقود مرسلة من المخابرات الأمريكية لبيروني والضابط الآخر، وكذلك مستندات تثبت إقامة ضباط أمريكيين في ميلانو ولقاءهم ببيروني وغيره فذلك لاعتقاد الأمريكيين أن بيروني يفعل كل شيء بعلم سلطات بلاده. ورداً علي سؤال مفاده: إيطاليا هي البلد الوحيد الذي أجري محاكمات لهذا النوع من الاختطاف.. أليس ذلك دليلا علي حسن النية؟ أجابت سابرينا: إنها حجة تضعها روما في الواجهة لتبرئة نفسها أمام الرأي العام العالمي، إيطاليا تعتقد أنها قد تحملت مسؤوليتها الأخلاقية بمجرد إدانة لضباط مخابرات أمريكية عملوا علي أراضيها، وذلك لحماية بيروني وضباط آخرين عملوا معه وكذلك قادة SISMIوالذين بدونهم ما كانت لتتم عملية اختطاف واحدة علي الأراضي الإيطالية.. إيطاليا تعيش حالة إنكار واضحة. إنها تختبئ خلف حجة أسرار الدولة وهي نفس الحجة التي ساقها محامو الحكومة الإيطالية، في يونيو الماضي، أمام محكمة حقوق الإنسان الأوروبية. وبولاري المدير السابق للمخابرات الحربية الإيطالية إنه لولا خوفه من إفشاء أسرار الدولة لأظهر براءته بشكل واضح. ولكن السبب الحقيقي لصمته هو خوفه علي نفسه، وعلي قيادات في المخابرات الأمريكية والإيطالية، من الملاحقات القضائية في روماوواشنطن، وبفضل استقلالية النيابة العامة في ميلانو تمت إزاحة الستار عن جزء من ذلك الأمر الذي تحاول الحكومة الإيطالية إخفاءه تماماً. وهنا وجهت اللوموند لسابرينا السؤال التالي: إذاً أنت تدينين إيطاليا وكذلك الولاياتالمتحدة التي أنشأت برنامج (الترحيل خارج إطار القانون)، فأجابت: دون إرادة كاستيللي، مدير مكتب المخابرات الأمريكية في إيطاليا، الذي اعتمد علي الاختطاف في كل عملياته، لكان أبو عمر المصري الآن يعيش بشكل طبيعي في ميلانو. برنامج الاختطاف كان هو عماد العمل في لانجلي.. كاستيللي قدم تحريات زائفة عن تخطيط أبو عمر المصري لتفجير حافلة ركاب، وبناء علي هذه التحريات المغلوطة أصدرت مصر مذكرة توقيف بحق أبو عمر، ولكن DIGOS لم تستطع إثبات شيء من تلك المزاعم علي أبو عمر بعد عامين من المراقبة الدقيقة. ولكن القائمين علي برنامج الاختطاف قالوا إنه أنقذ حياة المئات، أليس ذلك كافياً باقناعك بمدي فاعليته؟ تجيب سابرينا بدهشة واستنكار: أية فاعلية؟! لقد تم إطلاق سراح أبوعمر بعدما تعرض لشتي أنواع التعذيب علي أيدي المخابرات الأمريكية في إيطاليا، وبناء علي أكاذيب مماثلة تم قتل عشرات من المدنيين الأبرياء في غارات لطائرات بدون طيار في أماكن متفرقة من العالم. والغريب أن المخابرات الأمريكية اتهمت الإيطاليين بالعجز عن حماية عملائها في إيطاليا من الملاحقات القضائية. بينما الحكومة الإيطالية زايدت بإظهار استقلالية القضاء وبالتالي تدهورت العلاقات بين الأجهزة الأمنية في روماوواشنطن. قبل هجمات 11 سبتمبر كان العالم بأسره يريد التعاون مع المخابرات الأمريكية، ولكن بعد ذلك أصبح الكثيرون يتشككون في جدوي هذا التعاون، والآن إذا أرادت أي دولة فتح تحقيق بخصوص انتهاك ضباط مخابرات أمريكية لأراضيها فإن واشنطن تهدد بوقف كل أنواع تبادل المعلومات.