د. مجدى مطاوع أكد الدكتور مجدي مطاوع، أستاذ كيمياء البلمرات بمعهد بحوث البترول، ومقرر لجنة المواصفات القياسية للمواد البلاستيكية التابعة لهيئة التوحيد القياسي، أن أطنان النفايات الطبية البلاستيكية التي تخرج من المستشفيات بصورة يومية تمثل ثروةً قومية مُهدرة، كاشفاً في حواره ل"آخر ساعة" عن اختراعه لجهاز يعمل علي تحويل هذه النفايات إلي عدة مشتقات من الوقود الهيروكربوني مثل السولار والجازولين، ما يجعلها مصدراً غير تقليدي يُمكن أن يسهم في سد فجوة نقص مصادر الطاقة، مُشيراً إلي أهمية البعد البيئي لهذه العملية كونها تُعالج بالأساس خلل منظومة التخلص من النفايات الطبية، التي كانت تُشكل خطراً بالغاً علي البيئة والصحة العامة للمواطنين. ما طبيعة تخصص كيمياء البلمرات؟ - هذا التخصص يقوم علي دراسة كل ما يخص المواد البلاستيكية وسلاسلها، وهي سلاسل كربونية عملاقة يصل طول البعض منها إلي 100 ألف ذرة تحوي العديد من المواد ذات الخواص الكيميائية المختلفة. فالبلمرات تعني المواد البلاستيكية وهي تُعد إحدي مشتقات البتروكيماويات التي تعني كيميائية البترول. هذا التخصص يعالج بشكلٍ جوهري عملية إعادة تدوير هذه المواد وإيجاد أفضل السبل لاستخدامها، وهو المجال الذي أجريتُ فيه عدة أبحاث ودراسات قادتني للتوصل إلي طريقة لإعادة تدوير النفايات الطبية واستغلالها كمصدر غير تقليدي لإنتاج الوقود الهيدروكربوني. ما الذي دفعك للاهتمام بالنفايات الطبية في هذه الأبحاث؟ - اهتمامي بالنفايات الطبية نابع مما تمثله من خطرٍ بالغٍ علي البيئة والصحة العامة للمواطنين فضلاً عن كونها مورداً اقتصادياً مهدراً، فعملية التخلص من النفايات الطبية يُفترض أن تتم من خلال منظومة متكاملة تبدأ بجمعها من المستشفيات، ونقلها عن طريق عربات مؤمنة إلي المواقع الخاصة بالمدافن الصحية أو المحارق التي يفترض أن تعتمد عليها المنظومة بشكلٍ كبير. ولكن للأسف ما يجري علي أرض الواقع أن كميات كبيرة من هذه النفايات الملوثة يتم تسريبها، لتقع في أيدي مجموعات من التجار يقومون بجمعها من المستشفيات بعيداً عن أعين الجهات الرقابية بالاتفاق مع المتعهدين الذين يُفترض أن يتولوا مسئولية إعدامها. هؤلاء التجار يعملون بشكل منظم لإعادة استخدام هذه النفايات بشكلٍ غير آمن وبدون أي اتباع للمواصفات في إنتاج بعض السلع البلاستيكية، ما يضاعف من خطورة نقلها للفيروسات. لذا فكرت في إيجاد وسيلة آمنة للتخلص من هذه النفايات والاستفادة منها. ما أنواع النفايات الطبية التي اعتمدت عليها؟ - هذه النفايات تشمل جميع المنتجات البلاستيكية التي تُستخدم في المنظومة العلاجية داخل المستشفيات، ومنها الخراطيم البلاستيكية وعبوات المحاليل وأكياس الدم وبقايا الإبر والقسطرات، وغيرها من المنتجات التي غالباً ما تتكون من أنواع أساسية من البلاستيك، منها "بولي إيثيلين" و"بولي بروبلين" و"بولي إستيرين" وغيرها من الأنواع، وهي التي تم تصنيعها بالأساس من مشتقات البترول بمرورها بعدة عمليات للتكوين أو البلمرة، وبالتالي أجريت عملية استخراج هذه المشتقات البترولية من النفايات بالاعتماد علي نظرية التكسير الحراري لسلاسل المواد البلاستيكية، وهو ما توصلت إليه في دراسة أخيرة استغرقت حوالي ثلاث سنوات، قمت بتنفيذها من خلال رئاستي لفريق عمل مكوّن من 18 باحثاً من الأساتذة والمتخصصين والباحثين من تلاميذي بمعهد بحوث البترول. حدثنا عن نتائج هذه الدراسة؟ - هذا البحث تتلخص فكرته في تعريض النفايات الطبية إلي درجة حرارة معينة، حتي تتفكك جزيئات البلاستيك إلي عدة مشتقات بترولية تمثل نواتج عملية التكسير، ومن خلال التجارب المعملية وجدنا أن هذه المخرجات تتنوع مابين النواتج السائلة مثل مواد "الجازولين" أي البنزين، و الكيروسين و السولار، كما تنبعث منها نواتج غازية تتمثل في نوع معين من الغازات البترولية التي يمكن استخدامها كبديل للغاز الطبيعي، غير النواتج الصلبة من المواد الثقيلة التي يُمكن استخدامها في عملية رصف الطرق لتحسين خواص الأسفلت. وهي المخرجات التي قمنا بفصلها عن طريق عملية التبريد، ليخرج الوقود علي سبيل المثال في صورة منتج نهائي جاهز للاستخدام مباشرة، يمكن أيضاً أن يتم فصله باستخدام تقنيات التقطير. ولم يقتصر ما توصلت إليه علي التجارب المعملية فقط ولكن ابتكرت جهازاً لبلورة نتائج الدراسة وتحويلها إلي مشروع قابل للتطبيق، وتقدمت بطلب لتسجيله إلي مكتب براءات الاختراع بأكاديمية البحث العلمي وحمل الطلب رقم 192/2015. ما الآلية التي يعمل بها الجهاز؟ - هذا الجهاز قمنا بتصنيعه بالكامل داخل الوحدات التصنيعية الخاصة بمعهد بحوث البترول بالتعاون مع الإدارة الهندسية، حيث استغرق تصنيعه شهرين وهي المدة التي يمكن أن تتقلص بشكلٍ كبير إذا تم إنتاجه علي نطاق أوسع. والجهاز عبارة عن وعاء معدني من الاستانلس قمت بتصميمه ليحوي النفايات الطبية البلاستيكية، وقمنا بجمع أجزاء الهيكل المعدني من خلال عمليات اللحام، ولإجراء مراحل التكسير الحراري تم إيصاله بإحدي وسائل التسخين، إما عن طريق الكهرباء أو الغاز الطبيعي، بحيث تتعرض النفايات لضغط حراري كبير تُضبط خلاله درجة الحرارة علي حسب نوع المادة البلاستيكية لكنها تصل بشكلٍ عام إلي 5005 درجة حرارية كحدٍ أقصي، وقمت بتصميم وصلات معدنية معينة لجمع المخرجات وهي بمثابة أوعية تحمل نواتج عملية التسخين. غير أن هذا الجهاز يمكن أن يُصمم بعدة سِعات تختلف حسب كمية النفايات التي يُفترض أن يحويها والتي يتحدد علي أساسها أيضاً المدة التي يستغرقها لإجراء عملية التحويل. ماذا عن أوجه الاستفادة من المشروع؟ - بالطبع هناك العديد من الفوائد التي يُمكن أن تعود علينا من خلال هذا المشروع، أولها يكمن في البعد البيئي المهم الذي يتحقق بحماية البيئة وتخليص المجتمع من إحدي أكبر وأخطر الملوثات الموجودة، غير أن أطنان النفايات الطبية التي تخرج من المستشفيات بصورة مستمرة، تمثل ثروة مهدرة يجب استغلالها لما لها من جدوي اقتصادية هائلة، فهذه المواد بعد مرورها بعمليات التكسير الحراري تخرج مكوناتها بنسبة 80% في صورة منتجات بترولية، وتبقي نسبة 20% للمواد التي يُمكن أن تستخدم في عمليات رصف الطرق. ما يعني أننا يمكن أن نستغل هذه النفايات بصورة كاملة دون هدر، وذلك سيسهم بلا شك في سد فجوة نقص الطاقة التي تُحدث أزمة علي مستوي كافة القطاعات وعلي رأسها قطاع الكهرباء. ما تصورك لعملية التنفيذ؟ - أولاً يجب أن يتم تبني هذا المشروع ليُصبح مشروعاً قومياً يُطبّق علي مستوي جميع المستشفيات الحكومية والخاصة، وهذا يتطلب تغييراً جذرياً لمنظومة التخلص من النفايات الطبية بالبعد عن المركزية، وإعداد وحدة خاصة بكل مستشفي علي حدة لإجراء هذه العملية، بحيث تزوّد الوحدة بجهاز تحويل النفايات إلي وقود، مايتيح للمستشفي أن تستغل السولار المُنتج لتشغيل مولدات الطاقة الخاصة بها، وأن تبيع الجزء الآخر إلي شركات البترول ما يدر دخلاً إضافياً لها. غير أن سهولة تصنيع هذا الجهاز تزيد من قابلية المشروع للتنفيذ، فالميكانيكية التي يعمل بها بسيطة وخامات الإنتاج التي يحتاجها لا تتطلب توافر إمكانيات تكنولوجية كبيرة، وبالتالي يُمكن تصنيعه في الورش والمصانع المحلية. وفيما يخص احتياجات التشغيل هناك بعض المواد الكيميائية المُحفزة التي يمكن استخدامها لتعديل بعض العمليات الكيميائية التي تجري أثناء تفكيك البلاستيك. ونظراً للتكلفة التي تترتب علي هذه استخدام المواد، بدأت في البحث عن مصادر طبيعية تُسهم في خفض التكلفة وتغنينا عن استخدامها، وتوصلت بالفعل باستخدام النانو تكنولوجي إلي استخلاص نوع من المُحفزات الطبيعية الموجودة في التربة المصرية تسمي "الطفلة النانوية"، وحصلت بها علي براءة اختراع من خلال مكتب براءات الاختراع التابع لأكاديمية البحث العلمي.