تصاعدت أزمة الهجرة غير الشرعية خلال الأيام الماضية في ضوء الصدمة التي أصابت ضمير العالم الإنساني من هول صورة الطفل السوري الملقاة علي الشاطئ، وبعد أن كان الرفض التام لقبول هؤلاء اللاجئين أو المهاجرين غير الشرعيين الفارين من بلادهم نتيجة قسوة الظروف المعيشية والقلاقل والاضطرابات بدأت أوروبا تستنفر جهودها لمواجهة هذا الطوفان البشري والتفكير في تقاسم اللاجئين السوريين الوافدين إليها كحل مؤقت لهذه الأزمة حيث أضحت الهجرة غير الشرعية مشكلة تؤرق الجميع سواء الدول المصدرة أو المستقبلة لها وأصبح من الضروري أن تتكاتف دول العالم علي إيجاد حل سياسي إنساني لها حتي لاتزداد الأمور تعقيدا وتأزما. لا نتقاعس عن مسئولياتنا.. ولدينا تجربة رائدة في مكافحة الهجرة غير الشرعية نشارك بفاعلية في مؤتمري "شرم الشيخ" و"فاليتا" كانت مصر قد أدركت مبكراً أهمية التصدي لهذه المشكلة باعتبارها دولة مصدرة ومستقبلة ودولة تزانزيت للهجرة غير الشرعية، وكان قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 380 لعام 2014 بشأن تشكيل اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية، والتي تترأسها السفيرة نائلة جبر، وتتشكل من أعضاء ممثلين عن الوزارات والهيئات المعنية بالقضية، بخلاف الاستعانة بالمتخصصين، والخبراء بالمراكز البحثية والمجتمع المدني. وفي حوارها ل"آخرساعة"، أكدت السفيرة نائلة جبر، رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية، أن القضية أصبحت تؤثر في العلاقات الدولية وهناك اجتماعات أوروبية تنعقد علي مستوي رفيع لتقريب الاختلافات في وجهات النظر بشأن هذه القضية الهامة، والتي أصبحت قضية رأي عام عالمي وهناك قمة (أوروبية أفريقية) مُرتقبة ستنعقد في نوفمبر القادم ب"فاليتا" عاصمة مالطا للتنسيق، والتشاور بشأن قضية "الهجرة غير الشرعية"، وما ينتج عنها من لاجئين يفرون من ظروف معيشية صعبة. سألناها، هل مصر مشاركة في قمة فاليتا القادمة؟ - نعم مصر من الدول المشاركة في هذه القمة ووزارة الخارجية تهتم بهذه المسألة وتعكف حاليا علي إعداد الأوراق الرسمية اللازمة التي سيتم طرحها في هذه القمة، والتي تعكس الرؤية المصرية والتجربة المصرية في هذا النطاق وتحديد ملامح هذه الرؤية يتم بالتنسيق والتشاور بين وزارة الخارجية وكافة الوزارات المعنية والممثلة في اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية. ودور اللجنة الوطنية في مكافحة هذه الظاهرة يعكس توافر الإرادة السياسية لدي الدولة المصرية حيث يتم تناول قضية الهجرة غير المشروعة علي ثلاثة مستويات محلية وإقليمية ودولية. فعلي المستوي المحلي، يستند الموضوع إلي ثلاثة أسس وهي الأساس القانوني والتوعية وأساس التنمية، وفيما يتعلق بالأساس القانوني فلأول مرة يتم في التشريع المصري تعريف جريمة "تهديد المهاجرين" لأنه لا عقوبة بدون جريمة ووجهة نظرنا في ذلك أنه من خلال تشديد العقوبات علي مهربي المهاجرين وتجار الموت والسماسرة ومن خلال حماية الشهود يمكن الحد من هذه الظاهرة وذلك بخلاف إنشاء صندوق لمكافحة الهجرة غير الشرعية وحماية هؤلاء المهاجرين الذين تعرضوا للضرر. وفي هذا النطاق، أود توجيه التحية للدكتور المستشار إبراهيم الهنيدي، وزير الدولة للعدالة الانتقالية السابق، لتحمسه بشأن قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية والعمل علي إصداره. وبالنسبة للجوانب الأخري في مكافحة الظاهرة، فمصر لا تتقاعس عن مسئولياتها تجاه مواطنيها، وتحرص علي توعية المواطنين ونقوم كأعضاء في اللجنة الوطنية بزيارة دورية للمحافظات للتوعية بأضرار الهجرة غير الشرعية ويبرز من خلال ذلك دور الإعلام ومنظمات المجتمع المدني والقائمين علي التنمية المحلية. كيف تحدد اللجنة أبعاد جانب التنمية في هذه القضية والتي تُعد أساس حل المشكلة؟ - حينما نقول للشباب ابتعدوا عن الهجرة غير الشرعية فلابد أن يتواكب مع ذلك تقديم حلول بديلة لهم وهنا يبرز أهمية دور رجال الأعمال المصريين في خلق فرص عمل شريفة لاسيما أن المناخ السياسي أصبح مستقرا ويسمح بالتوسع في مجال المشروعات والأعمال. ومن ناحية أخري، علينا أن نهتم بتغيير النظرة المجتمعية للعمل فالعمل الشريف هو الأساس وليس لمجرد الوجاهة الاجتماعية فقط كما يجب الاهتمام بالعمل الفني وهذا يقع علي عاتق وزارة الدولة للتعليم الفني. كما أنه لابد أن يدرك رجال الأعمال أن هذا الوضع أي حاجة هؤلاء للعمل لا يعني أن يكون ذلك مبررا لاستغلالهم ولدي ثقة في وطنية رجال الأعمال المصريين، وأن تكون الأولوية لديهم لتشغيل العمالة المصرية، وتوفير التدريب المناسب لها وعدم استبدالهم بعمالة أجنبية لأن هذا في المقام الأول والأخير واجبهم الوطني تجاه الدولة. ماذا بشأن جهود مصر علي المستوي الإقليمي للحد من الهجرة عير الشرعية؟ - علي المستوي الإقليمي كنت قد شاركت مع جامعة الدول العربية في اجتماع عقدته الجامعة مع الاتحاد الأوروبي في مالطا حيث إن هناك إدارة معنية بمثل هذا الموضوع في الجامعة، ولكن الأهم من ذلك هي الهجرة غير الشرعية الواردة لمصر منذ سنوات طويلة من أفريقيا لاسيما منطقة القرن الأفريقي والتي تعاني من اضطرابات وظروف صعبة ومن ثم فإن معالجة هذه الأمور تكون بالنسبة بين مصر وهذه الدول الأفريقية في إطار مظلة الاتحاد الأفريقي ويأتي في هذا الإطار المؤتمر الذي انعقد في 13 سبتمبر الماضي بمدينة شرم الشيخ الذي نظتمه وزارة الخارجية بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي لإيجاد السبل الممكنة للتعاون وتبادل الرؤي والتجارب لحل هذه المشكلة. وفيما يتعلق باللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية فنحن نستطيع أن نقدم من خلال مؤتمر شرم الشيخ تجربتنا في إعداد مشروع قانون، وفي مجال تدريب القائمين علي إدارة العدالة لاسيما القائمين علي حماية الحدود كما يمكننا شرح تجربتنا في إنشاء اللجنة الوطنية باعتبارها كيانا مؤسسا سهل التطبيق لدي الدول الأفريقية وتبعاته الإدارية محدودة وقليل التكاليف وبالتالي يمكن لهذه الدول تكرار هذه التجربة كأساس للتنسيق الداخلي لديها للحد من مشكلة الهجرة غير الشرعية. وأنا أعتقد أن التعاون الإقليمي بين مصر والدول الأفريقية والاهتمام بإقامة المشاريع المتوسطة والصغيرة والمتناهية في الصغر وتنشيط الأسواق الأفريقية من خلال التبادل التجاري لابد أن يسهم في تنمية هذه المجتمعات وحل هذه المشكلة المتفاقمة. والتوجه المصري حاليا نحو أفريقيا هو توجه محمود لابد أن يصحبه اهتمام ونشاط من جانب كافة الوزارات ومجتمع رجال الأعمال فهناك بضائع مصرية تحتاجها الأسواق الأفريفية وفي المقابل مصر بحاجة إلي اللحوم الجيدة ذات الأسعار المناسبة من الأسواق الأفريقية، كذلك فإن التكامل الاقتصادي الأفريقي في مجال الزراعة سوف يحل جزءا كبيرا من مشكلة الهجرة غير الشرعية لسكان القارة من خلال زراعة المساحات الشاسعة من الأراضي وتوفير فرص عمل هائلة لمثل هذه الأعمال. ويجب ألا يقتصر التكامل علي الجانب الاقتصادي فقط بل يتعداه إلي الجوانب الثقافية والفنية الصحية والسياحة فعندما كنت سفيرة لمصر في جنوب أفريقيا لمست مدي ولع سكان الجنوب بالحضارة المصرية والرغبة العارمة بزيارتها. أوروبياً، هناك من يري أهمية مواجهة هذه الظاهرة من خلال الحل الأمني، فما تعليقك؟ - للأسف خلال الفترة الماضية وجدت تركيزا كبيرا من الأوروبيين علي الحل الأمني لظاهرة المهاجرين غير الشرعيين وإرسال حملات تفتيش ورقابة علي الحدود وفي البحر المتوسط وبالرغم من أن الحل الأمني قد يكون في بعض الأحيان جزءا من الحل كحق سيادي للدول للحفاظ علي حدودها لاسيما إذا ما كان هناك ارتباط في بعض الأحيان بظاهرة الإرهاب وهذا ما حدث لديهم بالفعل ولكن يجب أن يكون هناك حلول سياسية لهذه المشكلة من خلال إيجاد حلول سياسية توافقية للأزمات التي تفجرت في المنطقة مثل سوريا وليبيا واليمن والعراق لأنه إذا ما توافرت الإرادة لإيجاد حلول جادة توافقية فسوف تساهم في حل الأزمة وسيكون ذلك أفضل بكثير من ترك هذه الأزمات التي قد تودي بحياة شعوب بأكملها وتؤدي إلي تفاقم طاهرة الهجرة غير الشرعية كما نري الآن مع تدفق اللاجئين السوريين نحو أوروبا وقد أكدت مصر مرارا ومن خلال اتصالاتها الدولية استعدادها للتعاون في إيجاد مثل هذه الحلول. والكثير من الدول الأوروبية الآن لديها اتجاهات يمينية متطرفة متصاعدة وعليها مواجهة هذه الاتجاهات والحد منها وعلي هذه الدول رسم سياسات صريحة وشفافة لاحتياجاتها من العمالة في إطار الهجرة الشرعية والمساهمة في مشاريع تنموية بالدول النامية وفي إطار هذه الرؤية السياسية المتكاملة يمكن الحد من مشكلة الهجرة غير الشرعية. وفي النهاية، أريد توجيه نصيحة للشباب وأقول لهم "الحملة التي تقوم بها اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية عنوانها (مصر مستقبلك)، ومن هنا أقول للشباب المصري أحرص علي البقاء في بلدك مصر فالوضع هنا أفضل بكثير من الموت غرقا في البحر أو الذهاب إلي حياة غير كريمة ومستقبل مجهول في دول أخري"، كما أخاطب الأسر المصرية أن تكون خير سند لنا في هذا المجال من خلال توعية الأبناء بمخاطر الهجرة غير الشرعية.