ملايين الأفدنة الزراعية تواجه خطر حقيقى بعد تخفيض ميزانية وزارة الزراعة مؤخراً أصدرت وزارة التخطيط قراراً بخفض ميزانية وزارة الزراعة للعام المالي الحالي، بنسبة بلغت 60% للاستثمارات والبحوث، واكتفت بأن تظل ميزانية الأجور كما هي، وقامت بتخفيض ميزانية قطاع استصلاح الأراضي، وتنمية الثروة السمكية، وميزانيات البحوث الزراعية والصحراء، من 13 إلي 8 ملايين جنيه، الأمر الذي يهدد مصير مئات الأبحاث التي تخدم الزراعة في مصر، ويحول دون تنفيذها. وبحسب الميزانية الجديدة، سيتم تخفيض ميزانية قطاع استصلاح الأراضي من 243 مليون جنيه إلي 200 ألف فقط، وتخفيض ميزانية الخدمات البيطرية التي تقدم للفلاحين في صورة أمصال ولقاحات للماشية من 40 مليون جنيه إلي 21 مليونا، وتخفيض ميزانية جهاز تحسين الأراضي من 60 مليون جنيه إلي 20 مليونا فقط. أرقام ميزانية قطاعات الزراعة الجديدة، أثارت حفيظة الفلاحين والباحثين لتأثيرها السلبي علي الزراعة والبحث العلمي وتطبيقه والأمن الغذائي، بجانب تعطل المشروعات الزراعية والتي تحول دون تنفيذها الميزانية الجديدة، فيري الفلاحون أنها ستزيد وضع الزراعة سوءا وستكون سببا مباشرا في ارتفاع أسعار الغذاء. محمد برغش، نقيب الفلاحين، قال إن مصر في المقام الأول دولة زراعية وليست صناعية، لذلك فلابد أن نبدع في البحث الزراعي بكل ما نملك من قوة، ونسخر المال من أجل البحث العلمي، فقد لمنا النظام السابق عندما قلص حجم ميزانية الزراعة إلي 5%، وأصبح الفلاح يشكو حاله، وحتي الآن الزراعة لم يتحسن حالها، فالفلاح قديماً كان يزرع، ويبيع ما يزرعه ويكسب، وكانت الدولة تشجعه علي التصدير، ولكن منذ فترة كبيرة اختفي كل ذلك، وأصبح الفلاح فاقدا للدعم، وإذا تم تخفيض الميزانية ستفقد الدولة استقرارها لأن العالم الآن يمزقه الجفاف، وندرة المياه، وارتفاع نسبة التصحر، والارتفاع الجنوني في أسعار الغذاء، ومستلزمات الإنتاج. برغش، أشار إلي أن من يعلمون حال الزراعة وما أصبحت عليه هم الفلاحون، ولابد أن يحافظ المسئولون وعلي رأسهم وزير الزراعة علي الأمن الغذائي، وعلي أعداد الميزانيات، وما تحتاجه الوزارة لإصلاح الأراضي، ودعم الفلاحين، والبحث العلمي، وتساءل "علي أي أساس تتخذ الحكومة هذا القرار؟"، فبذلك ستصبح مصر محطة لتخزين المحاصيل، وليست سلة لغذاء تصدره للعالم، فهذا القرار يعد فرماناً بحرمان 90 مليون مصري من غذائهم، ونحن كفلاحين مصريين نعلق الزراعة أمانة برقبة الحكومة. المهندس مظهر عيسي، عضو نقابة الفلاحين، أكد أن الفلاحين هم أكثر فئة يقع عليهم الضرر، فهم يعانون للحصول علي الدعم المقدم في صورة أسمدة، وإذا ما حصلوا عليه يظل المحصول مخزنا، ولا يجدون من يشتريه أو يسوقه، أو يشترونه بثمن قليل لا يغطي ثمن إنتاجه، وتظل المعاناة، خاصة مع بنك الائتمان الزراعي. عيسي يؤكد أنه لابد من مراجعة القرار مرة أخري، والنظر إلي حجم الأضرار التي ستقع بسببه، من قلة إنتاج المحاصيل، والاتجاه إلي صرف هذه الأموال التي تم اختزالها من ميزانية الزراعة علي استيراد الغذاء الذي سيرتفع ثمنه، وبدل من أن كنا نسعي إلي أن نكون دولة مصدرة سنظل دولة مستوردة. من جانبها، قالت حنان العزب، الباحثة في معهد الأراضي والمياه والبيئة بمركز البحوث الزراعية، إن تخفيض ميزانية وزارة الزراعة ليس له ضرر من الناحية الإدارية، إنما الذي سيضر من القرار هو الفلاح لأن الدعم المقدم له من التقاوي والأسمدة والماكينات سيخفض، وفي الأساس تعاني وزارة الزراعة من مشكلة في توفير كافة الخدمات للفلاح، وبهذا القرار نحن نوجه الفلاحين إلي الاستغناء عن الأراضي الزراعية، وتحويلها إلي مبان، مشيرة إلي أن الفلاح يعاني في الوقت الحالي من الدعم المقدم له، وتسويق إنتاجه كالقمح الذي تشتريه الحكومة من الفلاح ب420 ألف جنيه للإردب، وأصبح الفلاح يعجز عن زراعته لأن ثمن بيعه لا يغطي تكاليف إنتاجه، واتجه إلي زراعة المحاصيل قصيرة الأجل، وأصبح طموح تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح لا جدوي منه، وفي النهاية يتم استيراده من الخارج. العزب، أضافت أن الزراعة من أكبر جوانب التنمية، وأي مشروعات أخري لن تحقق التنمية إذا توقف الإنتاج الزراعي، مشيرة إلي أن ميزانية وزارة الزراعة يمكن أن تستغل في تطوير منظومة المياه من خلال تحلية مياه البحر، ودعم الطاقة الشمسية من خلال إنتاج الخلايا الشمسية، بإنارة بيوت وقري الفلاحين، وإنتاج البيوجاز لزيادة الإنتاج والزراعة. وقالت، إن تخفيض الميزانية سيؤثر بالسلب علي المشروعات التي تقيمها الهيئات الزراعية، حيث ستكون المشروعات حكرا علي المستثمرين، والفلاح سيتحول من صاحب أرض إلي عامل بالأرض، كما أن عدم الإنتاج وتحويل الأراضي الزراعية إلي مبان، والاتجاه إلي استيراد المحاصيل، سيكون سببا مباشرا في ارتفاع أسعار الخضراوات والفاكهة، وهو ما يؤثر بدوره علي المواطن البسيط الذي يبحث عن قوت يومه بين مصروفات العلاج والتعليم والصحة. وأكدت أن البحث العلمي وخاصة البحوث الزراعية تعاني من قلة الدعم، والباحث دائماً يقوم بدفع تكاليفه من مرتبه الخاص، ونحن الآن نقوم بالعمل علي أبحاث تتجه للتعامل مع الجفاف لندرة المياه، ومن المفترض أن نقوم بعمل أبحاث لنباتات تتحمل حرارة الجو، وتساءلت "إذا تم تخفيض الميزانية المخصصة لوزارة الزراعة، فكيف سيتم تمويل هذه الأبحاث وغيرها وتطبيقها أم ستظل حبيسة الأدراج كباقي الأبحاث التي لم يتم تطبيقها لعدم وجود ميزانية كافية؟". محمد سامي، رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بمركز بحوث الصحراء، قال إن الدعم المقدم للوزارات مثله مثل ميزانية أي قطاع إذا تم اختزال جزء منه فلابد من اقتصاصها من بعض البنود، وذلك بدوره سيؤثر علي البحث العلمي، فميزانية مركز البحوث كانت 13 مليون جنيه، وتم تخفيضها إلي 8 ملايين جنيه أي حوالي 40% وهي نسبة كبيرة تؤثر في حجم الأنشطة، وستتسبب في حدوث تضارب بالمعامل والمشروعات، وبالتالي سيحدث مشكلات بين القيادات والإدارات والأبحاث والقطاعات لتحديد من منهم سيقدم له الدعم، وأي بحث سيطبق، وفي النهاية سيُضر الجميع سواء إداريون أو باحثون أو الفلاحون. سامي، أضاف أن حجم تقدم كل دولة يقاس بحجم الدعم والإنفاق علي البحث العلمي، والاستخدام الأفضل لمواردها، والاهتمام بالبحث العلمي سيحدث تنمية وانطلاقا، وبقلة الدعم المقدم للبحوث، خاصة الزراعية سنظل مستهلكين فقط. وعن تنمية الثروة السمكية، يوضح عبدالعزيز نور، أستاذ الإنتاج الحيواني والسمكي بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية، أن الثروة السمكية هيئة خدمية تابعة لوزارة الزراعة، حيث إن هناك 1300 فدان مزارع سمكية يتم إيجارها لصالح الدولة ب600 جنيه للفدان في السنة أي أنها تدخل أموالا للدولة، لذلك لابد أن تدعم الثروة السمكية من الحكومة، لأن عدم الدعم يدمر الثروة السمكية وبدلا من قرار تخفيض الميزانية سيكون هناك عمل علي تنمية الثروة السمكية، وقد طالبنا أكثر من مرة بأن يكون هناك وزارة مدعومة للثروة السمكية فهي مورد هام للدولة. نور، أشار إلي أن هناك 2800 كيلو في الشواطئ يمكن استغلالها لإنتاج الأسماك البحرية عن طريق الأقفاص السمكية، ويمكن أن تكون وزارة الثروة السمكية مدعومة من الدولة، لحساسية موقعها الاستراتيجي، والتأمين، ومنع عمليات التهريب لتحول مصر إلي بلد منتج ونظيف بيئياً حيث إن 95% من الأسماك التي يتم إنتاجها حالياً أسماك مزارع، وتساءل "لماذا لم نستغل البحر الأحمر والابيض في حين أن اليونان تنتج من خلاله 30 ألف طن أسماك بحرية كل عام ومثلها تونس وتركيا واستراليا؟"، وكذلك بحيرة مريوط بعمق 2 متر وتقع علي 30 ألف فدان ولم يتم استغلالها. وقال، إنه لابد أن تضع الدولة ضمن أهدافها دعما للأنشطة الزراعية، ومشروعات التنمية الزراعية واستغلال مواردنا ، فمعظم الأسماك غالية الثمن تعيش بالمياه المالحة وعند استغلالها يزدهر النشاط التجاري، وسنقوم بتشغيل الأيدي غير العاملة، فمصر بها 180 مليون فدان منها 172 مليون فدان أرض صحراء لا زرع بها أي أن 94% من مساحة مصر غير مستغلة فلابد من التنقيب بهذه الأماكن ودعم الأبحاث فإذا كانت تحتوي علي مياه مالحة أو شرب يمكن استخدامها في الثروة السمكية، وإذا كانت تحتوي علي مياه عذبة فهي تصلح لري الأراضي والزراعة.