د. محمود عمارة أكد الدكتور محمود عمارة خبير التنمية الاقتصادية أن الانتهاء من مشروع قناة السويس الجديدة خلال عام واحد إنجاز عظيم، يعكس للعالم قدرة وإرادة المصريين وإصرارهم علي العبور إلي المستقبل. وقال في حواره ل"آخر ساعة" إن الهدف الرئيس الذي شُقت لأجله القناة هو التمهيد لمشروع تنمية محور قناة السويس، الذي سيُحدث نقلة نوعية لمدن القناة تصل بها إلي العالمية. وأكد أن عوائد هذا المشروع يمكن أن تتجاوز 100 مليون جنيه سنوياً، غير أنه يوفر مليوني فرصة عمل، ما يحد من ظاهرة البطالة لدي الشباب. مشدداً علي أهمية التسويق العالمي للمشروعات التي سيشملها المشروع الجديد.. وإلي نص الحوار. كيف تري إنجاز مشروع بهذه الضخامة خلال عام واحد؟ - إتمام مشروع حفر قناة السويس الجديدة خلال عام واحد بدلاً من ثلاث سنوات -كما كان مخططا للمشروع- إنجاز فاق جميع التوقعات، وهذا الإنجاز يحقق عدة أهداف ويحمل رسائل قوية للعالم توضح وجود الإرادة السياسية التي تسعي بشكلٍ جاد للنهوض بالاقتصاد القومي وتحقيق التنمية الشاملة، ويعكس قوة وإرادة المصريين وقدرتهم علي تنفيذ مشروع بهذا الحجم في هذه المدة القصيرة، غير أنه يقطع علي إسرائيل المشروع الذي كانت تخطط له لشق قناة جديدة في البحر المتوسط تُنافس قناة السويس. كما ستسهم القناة الجديدة في زيادة متوسط أعداد السفن التي تمر عبر قناة السويس من 49 إلي 80 سفينة يومياً، وتسمح باستيعابها للسفن العملاقة بغاطس 26 متراً، وتقلص المدة الزمنية التي تستغرقها السفينة في انتظار العبور، ما يُضاعف عوائد القناة من 5.2 مليار جنيه إلي 12 مليار جنيه سنوياً خلال عشر سنوات. إلا أن البعد الاقتصادي الأكثر أهمية يكمن في مشروع تنمية محور قناة السويس، وهو الهدف الرئيسي الذي حُفرت من أجله القناة الجديدة. حدثنا عن البعد الاقتصادي لمشروع تنمية محور القناة؟ - هذا المشروع من شأنه أن يُحدث نقلة نوعية لمحافظات القناة تصل بها إلي العالمية، فالجدوي الاقتصادية له هائلة ويعد أفضل وأجدي مشروع يمكن أن ينهض بالاقتصاد القومي في الوقت الراهن. وقد شرفت بأن أُشارك في تحديث الدراسات الخاصة بمشروع محور قناة السويس عندما كنت مسؤولاً عن بنك الأفكار التابع لمجلس الوزراء، وعقدت وقتها لقاءاتٍ عدة بأصحاب فكرة المشروع الذي تم إعداد دراساته قبل ثلاثين عاماً، لكن لم تتوافر الإرادة السياسية اللازمة لتنفيذه طوال هذه السنوات حتي أحياه الرئيس عبدالفتاح السيسي. ومن خلال هذه الدراسات خلصنا إلي أن عوائد هذا المشروع بعد تنفيذه يمكن أن تصل إلي 104 مليارات دولار علي الأقل خلال سبع سنوات، من خلال المشروعات الاستثمارية التي ستقع ضمن مشروع تنمية محور القناة. ما أهم هذه المشروعات؟ - من أهم المشروعات المقترحة ضمن المخطط المطروح إقامة عدة محطات ومراكز خدمات للسفن علي طول القناة، تُقدم خدمات الصيانة والفحص والتموين للناقلات العملاقة التي تعبر وكذا تُقدم كل ما تحتاجه الأطقم الملاحية من خدمات تجارية وترفيهية. فقناة السويس التي يبلغ طولها 160 كيلو متراً تتمتع بموقع جغرافي فريد حيث يمر بها 10% من حجم التجارة العالمية، وللأسف هذه المزايا لم تكن مستغلة من قبل، ولم تكن هناك أي خدمات لهذه السفن بقناة السويس ما كان يدفعها للاتجاه إلي موانئ سنغافورة والبحرين ودبي التي تحصد من وراء هذه الخدمات ما يقرب من 25 مليار دولار سنوياً بينما نُحرم من هذه العوائد -فالعوائد الحالية لا تزيد عن رسوم العبور فقط-. كما تشمل الخدمات أيضاً خدمة تقطيع السفن التي ينتهي عمرها الافتراضي، التي كانت تلجأ إلي الهند للحصول علي هذه الخدمة. غير الخدمات اللوجستية التي يمكن أن تُحوّل قناة السويس إلي أكبر مركز لوجستي في المنطقة، فالبضائع التي تحمها الناقلات غالباً ما تتعدد وجهاتها والبلدان التي تذهب إليها، وهذه الخدمات تتيح إجراء عمليات النقل والتفريغ وإعادة توزيع البضائع من خلال الخطوط الملاحية التي سيتم استحداثها. كما سيسهم هذا المشروع في توسيع القاعدة الصناعية في مصر، من خلال المنطقة الصناعية المزمع إقامتها باستغلال الظهير الصحراوي لمدن القناة، فاعتماد المشروع علي الصناعات كثيفة العمالة يمكن أن يوفر مليوني فرصة عمل ويحد بذلك من ظاهرة البطالة لدي الشباب. هذه المنطقة ستشمل أيضاً مشروعات للتصنيع الزراعي والفرز والتعبئة والتغليف، غير المزارع السمكية التي يمكن إقامتها لتوفر خمسين ألف طن من الأسماك سنوياً. والأهم أن المشروع سيسهم في خلق مجتمعات عمرانية جديدة تحد من أزمة التكدس السكاني لدينا. ما الخطوات التي يجب أن تتبعها الحكومة لبدء تنفيذ هذا المشروع؟ - أولي الخطوات التي تضمن جدية وفاعلية التنفيذ إعداد خطة محكمة من جانب الدولة لطرح وتسويق المشروعات من أجل جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية، وهذه المهمة يجب أن تسندها الحكومة لكبري الشركات الدولية المتخصصة في تسويق المشروعات عالمياً. وأري أن الدولة تعي أهمية التسويق باقتناصها الفرصة الذهبية لحفل افتتاح قناة السويس الجديدة، فالإعداد لحفل بهذه الضخامة سيكون له مردود إيجابي كبير ويلفت أنظار العالم للإنجاز الذي حققناه. ومن الضروري أن تبدأ عملية التسويق بالتوازي مع الإعداد لمشروعات البنية التحتية وعمل محطات توليد الطاقة اللازمة للمشروع، لأن مسألة توفير الطاقة تعد من أهم التحديات التي تواجه بيئة الاستثمار في مصر، غير أن هناك العديد من المعوقات الأخري التي يجب أن تُعالجها الدولة لتضمن تدفق رؤوس الأموال وزيادة الاستثمارات في هذا المشروع أو غيره، ويأتي علي رأسها منظومة القوانين والتشريعات الاقتصادية. كيف تؤثر هذه المنظومة علي حجم الاستثمارات الجديدة. وما سبل معالجتها؟ - أولاً يجب أن نعرف أنه كان من المستحيل إتمام حفر قناة السويس الجديدة في هذة المدة القياسية دون أن نتجاوز البيروقراطية الحكومية العقيمة، التي من شأنها أن تعرقل أي مشروع بسبب تعقيد الإجراءات، فأحد الأسباب التي أدت إلي إنجاز المشروع بهذه الصورة إسناده إلي إدارة مستقلة بعيدة عن التعقيدات والروتين الحكومي، ما أتاح لها حرية واسعة في إدارة العمل بالمشروع والتعاقد مع الشركات. وهذا يؤكد لنا أهمية إيجاد وسيلة لتخطي هذه العقبات، من خلال نسف البيروقراطية الذي يبدأ بتغيير منظومة القوانين والتشريعات خاصة المتعلقة بالاستثمار والتي تتماس بشكلٍ أو بآخر مع المنظومة الاقتصادية. فلا توجد دولة في العالم لديها ما يزيد عن 400 ألف تشريع وقرار وزاري، غير أن بعض القوانين تعود إلي فترة حكم الدولة العثمانية لمصر، وهناك تشريعات اقتصادية يرجع تاريخها إلي عام 1830 ومازالت سارية حتي الآن. ويجب أن نستفيد هنا من تجارب الدول التي نجحت في النهوض باقتصادها من خلال خلق مناخ جاذب للاستثمار، وهو المناخ الذي يرتبط بمنظومة متكاملة من المفترض أن يتم توفيرها للمستثمر من خلال تقديم تيسيرات وحوافز استثمارية، وتوفير بيئة آمنة لإقامة استثمارات جديدة.