كان الكاتب الكبير مصطفي أمين رحمه الله دائما ما ينصحني بأن أحب عملي حتي أنجح فيه، ويردد مقولته المأثورة إن النجاح قصة حب. تذكرت هذه الكلمة بالأمس القريب وأنا أتابع الرئيس السيسي علي مدي 5 ساعات خلال افتتاحه لما يقرب من 40 مشروعا جديدا عن طريق دائرة الفيديو كونفرانس، مراكز شباب وكباري وطرق ومراكز طبية لعلاج الأورام وصوامع وشون لتخزين المحاصيل الزراعية ومحطات تحلية مياه، في الصعيد والوجه القبلي ومدن القناة والقاهرة، وكلها مشروعات تصب في خانة مصلحة المواطن المصري. لم تأخذ الافتتاحات شكل الاحتفالية رغم كثرة عددها وأهميتها وضخامة المبالغ التي أنفقت عليها، ورغم أن عددا كبيرا منها وليست كلها تم إنجازه في وقت قياسي، ورغم أن عددا من هذه المشروعات أيضا كان متوقفا من 8 سنوات و5 سنوات. كان الرئيس يسأل في كل التفاصيل عن كل مشروع، إذا كان صرحا طبيا، وإذا كان طريقا أو كوبري، وإن كان صومعة، يدقق في كل قرش تم إنفاقه، وفي كل وقت تم إهداره.. لايترك للصدفة مكانا. كلمات العتاب للمسئولين كانت كثيرة، وتجاوزت في بعض الأحيان العتاب لتصل إلي اللوم، وأحيانا أخري إلي العقاب، وعندما وجد أن هناك مشروعات للطرق والكباري ذات تكلفة عالية واستغرقت وقتا أكبر قرر أن يتم عمل تقرير مفصّل عن كل مشروع من الرقابة الإدارية واللجان الفنية الهندسية قبل افتتاح أي مشروع ليكون علي بينة.
لم يكن جديدا علي السيسي هذا الأداء الذي يضرب المثل في كيف يدير الرئيس أي رئيس العمل، يدقق، يفحص، يتابع، يوجه، يضع رؤية، يحاسب، يراقب.. وقبل كل ذلك يحب ما يعمل، فهو رجل عاشق للوطن وترابه، ومنذ أن دخل الثانوية الجوية وهو مستعد أن يدفع حياته فداء للوطن. اليوم، أي يوم، يبدأ مع الرئيس من الخامسة صباحا، وينتهي بعد منتصف الليل، فما أطال النوم عمرا ولا قصّر في الأعمار طول السهر. ويوم هذه الافتتاحات كان شاقا وطويلا وحافلا، فبدلا من أن يكون يوما لسرد الإنجازات التي تمت علي مدار العام الماضي منذ بداية فترة ولايته، كان يوم الحساب، والنقد، فلم يتحدث عما تم إنجازه، كما كان يفعل الرؤساء السابقون، ولكن تحدث وبتعمق وإسهاب عن المشروعات التي لم يتم إنجازها في موعدها، مستخدما جملة قالها أحد المواطنين في تعليقه علي إنجاز كوبري في الدقهلية «إننا كنا نعيش في مرار قبل إنشاء هذا الكوبري».. وقال: لابد أن نضع أمام أعيننا أننا لانريد أن يعيش أحد في مرار، فلابد من سرعة الإنجاز وجودة الإنجاز وبأقل التكاليف. التوجيهات كانت صريحة ولا تحتمل اللبس ولا التفكير، علّق علي مشهد موظفة في أحد المستشفيات تبيع بضاعة أثناء عملها قائلا: هل وفرنا لها سلعا بأسعار مناسبة حتي لا تضطر لمثل هذا الفعل الخطأ. علّق علي أسلوب عمل وزير النقل عندما سأله: هل وضعت خطة لكي تعلن وتلتزم أمامي أنه لن يكون هناك عربة قطار قديمة؟ وهل تستخدم كل طاقة الهيئة العربية للتصنيع، وكل طاقة ورش السكك الحديدية؟ انتقد تبرير المسئولين عن تأخر حفر آبار المياه للمليون فدان الزراعية من أنه لا يوجد أيد عاملة، وأنهم يريدون استقدام أيد عاملة أجنبية؟ وطالب بأن تلتزم وزارات الري والبترول والزراعة بحفر هذه الآبار لتنفيذ المشروع. اعتذر الرئيس لمحامي مصر عن تجاوز ضابط شرطة فارسكور قائلا: «حقكم عليا»، أنا بعتذر لكم، وبعتذر لكل مصري أسيء له.. ووجه حديثه لوزير الداخلية قائلا: لازم كل ضابط يعرف أن المصريين دول أهله وناسه، ووظيفته أنه يتحملهم، ولايقسو عليهم ويرفق بهم، وأنا لا أحمل جهاز الشرطة خطأ فرديا، ونحن نعرف حجم التضحيات والجهد الذي يبذله رجال الشرطة. ووجه وزير الكهرباء بتعليمات صريحة: لاتقترب من الثلاث شرائح الأولي للكهرباء، ولا تمس هذه الشرائح لأن الغالبية العظمي من المواطنين تدخل في هذه الشرائح. وسأل المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء: ألم تتعهد أنك ستكون بلدوزر يفتح الطريق أمامي.. فين البلدوزر ده.. مشيرا إلي تأخر وبطء تنفيذ المشروعات التي تم الاتفاق عليها. وعاتب القوات المسلحة قائلا: إحنا اتفقنا في اجتماع المجلس الأعلي للقوات المسلحة يوم 27 يناير 2014 قبل الترشيح للرئاسة علي أن هناك التزاما من القوات المسلحة بالمساهمة في البناء والتنمية، وكان كلامكم معي التزاما بذلك. وأنا كل اللي بطلبوا منكم هو أن تنفذوا المشروعات في الوقت اللي أقول عليه. ويأتي عتاب الرئيس من منطلق إيماني بقدرة رجال القوات المسلحة علي تنفيذ المستحيل، لأنهم لا يعرفون مستحيلاً.
الرئيس مهموم بتنفيذ وعده، وتقديم كشف حساب، بعد عامين من توليه المسئولية، ويشعر الرئيس أن هناك تباطؤا في تنفيذ بعض المشروعات رغم الإنجاز الهائل والجهد المتواصل الذي يقوم به رجال القوات المسلحة، التي أشاد بها الرئيس في أكثر من مناسبة، ولكنه يريد المزيد والمزيد.. لأنه يري كما قال: إحنا متأخرين 50 سنة، وأن كل يوم إنجاز مبكر فيه «رحمة للناس».. هذا ما يلخص إصرار الرئيس علي الإسراع في المشروعات، ليس ليضاف لكشف الإنجازات، ولكن حتي يريح المواطنين من عبء سنين مرت، حتي لو لم يكن هو مسئولا عنها.. ولكنه يحب البلد وأبناء هذا البلد. الذي يستحق من كل واحد أن يبذل قصاري جهده لرفعته ونمائه، بل يستحق أن نفتديه بأرواحنا. تحيا مصر..