يبدو أن مقولة "بناتنا خط أحمر" لم تعد في محلها، فكثير من فتيات هذه الأيام، قررن أن يجعلن من اللون الأخضر عنواناً لهن، تبدلت أدوارهن واختلفت ملابسهن وتغيرت أماكنهن، فابتعدن عن طريق المدرسة ليتواجدن علي الكورنيش، وخلعن الزي المدرسي ليرتدين الملابس "الروشة"، وتحولن من طالبات إلي راقصات يستعرضن مفاتن أجسادهن علي الملأ وأمام الجميع، دون خجل أو حياء. المراكب النيلية تتحول صباحاً من متنزهات أسرية إلي أوكار للهاربات من المدارس الرحلات تبدأ في الثامنة.. والطالبات يحضرن الملابس المثيرة في شنطة المدرسة «آخرساعة» قررت عرض تفاصيل تلك الظاهرة ليس للتشهير بهؤلاء الفتيات وإنما لندق ناقوس الخطر في وجه الآباء ونحذرهم من خطورة الأمر قبل أن يتحول إلي كارثة. المشهد، يتحول فجأة في الثامنة صباح كل يوم، من فتاة مُلتزمة ترتدي الحجاب، وملابس المدرسة إلي فتاة أخري، تستقل مع زميلاتها المركب النيلي، وسط مجموعة من الشباب ليُقدمن وصلات الرقص علي أنغام الموسيقي الصاخبة، ويقضين اليوم الدراسي وسط النيل بدل الفصل. إنهن فتيات "قصر النيل"، هؤلاء اللاتي لا تعنيهن أسرهن شيئاً، ولا يفكرن في مستقبلهن ولو للحظة، كل ما يحلمن به هو إشباع رغبتهن المكبوتة، التي تتحقق فور سماعهن لكلمات ونظرات الإعجاب من شباب لا يريدون منهن سوي إقامة علاقة مؤقتة لقضاء قليل من أوقات السعادة. "آخر ساعة"، قررت اكتشاف ما يحدث بمراكب قصر النيل، فهو عالم أشبه بالخيال لا يعرفه إلا من يدخله، وله قوانينه التي تسري علي الجميع. البداية، كانت مع أحد المراكب النيلية التي اعتدنا وجودها جنباً إلي جنب مع البواخر الفاخرة علي الضفة الأخري من نهر النيل، فمعظم المصريين لا يستطيعون مُجرد الدخول إلي هذه البواخر، التي قد تكلفهم مرتبهم الشهري كاملاً، فليس أمامهم سوي تلك المراكب رخيصة الثمن، والتي لا يتعدي سعر دخول الفرد إليها ثلاثة جنيهات للتنزه وسط النيل، وتكون مدتها محددة في الغالب بنصف ساعة علي الأكثر. عشرات الأسر المصرية البسيطة تصطحب أولادها للتنزه في هذه المراكب البسيطة، وقضاء وقت وسط الطبيعة والتمتع بمياه النيل وسط أجواء من السعادة والاستمتاع بأصوات الموسيقي والأغاني، لكن أوقات تواجد هؤلاء تكون في الغالب أيام العطلات الرسمية، وإجازات المدارس نهاراً، وفي الأيام العادية يتواجدون في فترات ما بعد الخامسة مساءً. أما أوقات الصباح الباكر، وتحديداً من التاسعة صباحاً وحتي الرابعة عصراً، فتلك لها زبائنها المعروفون، وهم طلاب وطالبات المدارس والجامعات، والمشهد هنا يختلف، نظرة واحدة علي أسطح تلك المراكب في هذا الوقت، تجعل المأساة تتجسد أمامك كاملة، فالانحلال الأخلاقي، والانحراف عن القيم والسلوكيات القويمة هو العنوان العريض لما يحدث بتلك المراكب في هذه الأوقات، والحقيقة أن السياسات التعليمية التي أغفلتها وزارة التربية والتعليم، من ترسيخ معاني القيم والمبادئ والأخلاق في نفوس الطلاب، بل ومراقبة التلاميذ، تعد سبباً رئيسياً في انتشار مثل تلك الظواهر المرعبة، فالمدارس نسيت أو تناست أن دورها الأساسي هو التربية قبل التعليم، وحتي الأخير أثبتت فيه فشلاً ذريعاً بشهادة الجميع. مشاهد رؤية طالبات الثانوي والإعدادي اللاتي انسجمن في وصلات رقص ساخنة، في حفلات وضيعة أعلي تلك المراكب، هو مشهد متكرر، وقد يمتد إلي ما هو أكثر من الرقص، فما خفي كان أعظم، فبعض هؤلاء الطالبات يدخن السجائر وسط رفقائهن من الشباب، ويتطور الأمر أحياناً إلي الخروج معهم من المركب بعد الوقوع في غرام بعضهم، ليتطور الأمر بعدها إلي ما هو أبعد من ذلك، وهنا تقع الفأس في الرأس وتكتشف الأسرة فجأة أن ابنتها لم تعد تلميذة، وإنما فتاة ليل، ولعل أقسام الشرطة تعج بعشرات المحاضر من هذا النوع من القضايا. مراكب النيل، باتت ملاذاً آمناً للطالبات الهاربات من المدارس ليمارسن هوايتهن المفضلة في الرقص والدلع من باب المتعة، وبعضهن يذهبن إليها لاصطياد أحد الشباب، الذي قد يبدل حياة إحداهن، ويكون سبيلاً لهدايتها ويتزوجها. يبدأ الاستعداد لإقامة تلك الرحلات في الثامنة صباحاً، حيث تحضر الطالبة معها شنطتها المدرسية، وبها الكتب والأدوات الدراسية، ولا تنسي بالطبع أن تدفن وسط ذلك كله، الطقم الشيك، والميكب، وأحياناً باروكة الشعر، لتستخدمها في رحلتها، وتبدأ في خلع ملابس المدرسة، لترتدي ما أحضرته معها لزوم انطلاق الرحلة، التي قد تستغرق ساعتين وربما أكثر وسط النيل. ووسط أصوات الموسيقي الصاخبة، وعلي أنغام أغاني المهرجانات والأغاني الشعبية، تقدم الطالبة (سابقاً) الراقصة (مؤقتاً)، فاصلاً من الرقصات الخليعة، والإيحاءات الجنسية القذرة، وسط تجمع قد يضم نحو 20 شاباً حضروا للاستمتاع بمفاتن طالبات المدارس وهن يتمايلن وسط النيل. ومع دقات الساعة الرابعة عصراً، يكون موعد انتهاء الحفل الراقص قد انتهي، وهنا تكرر الفتاة العودة إلي هويتها السابقة كطالبة مدرسة، فتخلع ملابس الرحلة، وترتدي الزي المدرسي مُجدداً، وتغادر المركب عائدة إلي منزلها، واهمة أهلها أنها عائدة للتو من المدرسة. أعمار هؤلاء الطالبات الراقصات، تتراوح ما بين إحدي عشرة سنة إلي ثماني عشرة سنة، فأغلبهن طالبات بالإعدادية، منهن فتيات ذات وجوه بريئة ساقتها بالطبع صديقة السوء دون أن تعلم إلي أين تذهب، وأخريات لا يفرقن كثيراً عن العاهرات، جئن إلي المراكب ليجعلن من أجسادهن فرجة مجانية للجميع، لتثير شهوات رجال يلتهمونها بنظراتهم، وقد يتطور الأمر في أحيان كثيرة من النظرات إلي اللمسات. قبل انطلاق إحدي الرحلات، فوجئنا بفتاتين ترتديان الزي المدرسي، تتشاجران مع فتاة ثالثة، وإذا بهن يتركن المركب مسرعات، فتوجهنا إلي إحداهن خلسة، لنعرف سبب المشاجرة، وإذا بإحداهن تدعي ريم، تقول لنا: "أنا مكنتش أعرف إنهم بيعملوا كدة، أنا جيت اتفرج وبس". ريم، تابعت وهي تبكي: "أنا مهربتش والله من المدرسة أنا يومي الدراسي بيخلص 2 ظهراً، وحضرت مع أصحابي البنات، ومعرفش أنهم بيعملوا كده"، وغادرت الفتاة مسرعة خشية أن يراها أحد من أهلها أو زميلاتها بالمدرسة. أما يسرا، فبررت هروبها من المدرسة بسبب سوء معاملة مدرسيها لها، علاوة علي افتقار اليوم الدراسي لأي مواد أو شرح، وقالت: "أنا كدة كدة بروح ألعب في المدرسة طب ما أخرج أحسن مع أصحابي". إيمان، طالبة أخري بالصف الثانوي، قالت إنها تفضل الهروب من المدرسة لأنها تعشق الفسح والرقص، وطالبت والديها بالالتحاق عدة مرات بمعهد للفنون المسرحية، ولكنهما رفضا، وظلت في المرحلة الثانوية ثلاث سنوات متتالية، ولفتت إلي أن تواجدها في المركب لا يتعدي مرحلة الرقص حيث شبهت نفسها بالراقصة "دينا"، وقالت أنا برقص أحسن منها. "آخرساعة"، رصدت إحدي الوسائل التي يستخدمها مالك المركب لجذب الركاب عامة، وهؤلاء الفتيات بصورة خاصة، حيث يستخدم أصحاب المراكب عدداً من الفتيات، لمحاولة إقناع الطالبات بالنزول إلي المركب، فيستخدم أصحاب بعض المراكب فتيات أشبه ب"الريكلام" يرتدين الباروكة، ويشربن السجائر لعمل الدعاية أمام المارة، والترويج للمركب، وجذب انتباه الشباب، وفي الغالب تقف تلك الفتيات علي حافة المركب، وتقوم بعمل حركات وإيحاءات قذرة، وهي ترقص لجذب المتواجدين، وبالطبع كلما ازداد عدد الركاب زادت نسبتها التي تتفق عليها مع مالك المركب. تحدثنا إلي أحد الركاب، يدعي أحمد، فقال: "أنا بدفع 3 جنيه، وبشوف بيهم كل حاجة، وبمتع عيني، والمركب أتاح لي الاختيار من بين الجميلة والقبيحة والطويلة والقصيرة فماذا يمنعني من ذلك؟". طالب بالمرحلة الإعدادية، يدعي حسن، قال لنا إنه تعود الهروب من المدرسة، ومعه أصدقاؤه منذ بدء العام الدراسي الجديد، وذلك بسبب كرههم للمدرسة والمدرسين، ليقضي يومه علي رصيف الكورنيش، ويغادر عند انتهاء اليوم الدراسي حتي لا تشعر أسرته بأي شيء غريب. حسن، قال: "أنا بروح المدرسة 3 أيام بس في الأسبوع عشان لو في غياب ولا جوابات أحاول أخدها قبل ما توصل البيت وأهلي يعرفوا". الأسباب التي تدفع هؤلاء الفتيات لهذه الأفعال كثيرة منها التربية السيئة من الأهل، وانعدام الوعي، إضافة إلي الفقر، والجهل، وانتشار البطالة، وفقاً إلي الدكتورة نوال منتصر، أستاذ علم الاجتماع، والتي تُشير أيضاً إلي أن البيئة المحيطة بالفتيات، والمؤثرات الخارجية، كالأصدقاء لهم دور كبير في انحراف الشاب والفتيات، فعلي الطالب اختيار صديقة بعناية، وهنا أيضاً الأسرة مسئولة عن تعليم أبنائها كيفية اختيار الصديق المناسب. أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، الدكتور أحمد كريمة، قال إن ما نراه من مثل هذه الظواهر يرجع سببه إلي ضعف الوازع الديني، وعدم وجود القدوة الصالحة التي توجه الشباب إلي الطريق الصحيح، وتعلمهم أن ما يفعلونه خطأ جسيما، وذنوبا تتراكم، وتصرفات تساعد علي نشر الفساد، وقد تؤدي إلي انتشار الفاحشة.