غريبا أن يكون سفير لبنان بالقاهرة ومندوبها الدائم لدي جامعة الدول العربية دبلوماسيا بدرجة مفكر ومؤرخ وأديب.. وكأنه امتداد طبيعي لدور لبنان التاريخي في مصر في مجال الثقافة والصحافة والنهضة الأدبية. الحوار مع مفكر عربي بحجم الدكتور خالد زيادة مزيج من السياسة بنكهة ثقافية.. حاول خلاله تأصيل المشكلات العربية المعاصرة تأصيلا تاريخيا دقيقا ليضع أيدينا علي نقاط القوة والضعف في بنياننا الحضاري الممتد عبر مئات السنين.. وحاملا الأمل أن نستطيع بأنفسنا كعرب بناء مشروع حضاري عربي حديث.. نثمن الدعم السعودي للجيش اللبناني.. وشحنة سلاح ب4 مليارات دولار نتسلمها من فرنسا قريبا القوي الأمنية في لبنان أصبحت محل إجماع كل اللبنانيين بداية.. رغم كل ماشاهدناه من أحداث علي الصعيد العربي.. بدا عام 2014 وهو يلملم أوراقه للرحيل كأنه أراد أن يمنحنا بصيصا من أمل.. ودعتنا أيامه الأخيرة ببشائر مصالحات عربية وبوادر حلول سياسية هل تشاركني الشعور بهذا الأمل؟ عام 2014 كان عاما فيه الكثير من الأمور التي جرت في البلدان العربية.. وهناك بعض الآمال ولو أنها مازالت في بدايتها ولكن في جميع الأحوال لابد من التعلق بالأمل من أجل الاستبشار بسنة قادمة مجيدة ومضيئة وأقل كلفة علي المواطنين.. من هذه الإشارات مايحدث في مصر فالأمل كبير بالتقدم بعودة الوضع الاقتصادي واستعادة مصر علاقتها العربية والدولية.. أيضا الانتخابات الأخيرة في تونس هي أيضا من الأمور التي تبعث علي الأمل بأن العرب قادرون علي ممارسة الديمقراطية وعلي الاحتكام إلي صناديق الاقتراع والتنافس الحر وتداول السلطة.. كل هذه الأمور غابت عن العالم العربي لمدة طويلة.. حتي فعل الحوار الذي بات عصيا علي الكثيرين اليوم.. شاهدناه يلتئم في لبنان ببدء الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله بعد قطيعة 4 سنوات.. فبماذا يبشر انطلاق هذا الحوار؟ لبنان بلد يعاني من التاريخ والجغرافيا.. ولكن الأمل دائما بالمواطن اللبناني الذي عبرالكثير من الأزمات التي عصفت بلبنان.. الآن بالرغم من الجو المحيط بلبنان فإن اللبنانيين يحافظون علي الحد الأدني من الاستقرار والسلام والحوار الذي بدأ منذ أيام بين طرفين سياسيين متوازنين.. فهو حوار يعبر عن الحاجة إلي التواصل والحفاظ علي هذا التوازن الذي هو مقدمة وضمان للسلام وعدم الوقوع في الأفخاخ المحيطة بلبنان.. تتوقع أن يكون عاملا مؤثرا في تسهيل انتخاب رئيس جديد في لبنان قريبا؟ كل اللبنانيين يتمنون أن ينتخب رئيس الجمهورية في أقرب فرصة وبالطبع نحن نأمل بأن يكون هذا الحوار هو أيضا من الأمور التي تساهم بالتعجيل بانتخاب رئيس للجمهورية. يبدو في الأفق بوادر حل سياسي للأزمة السورية.. تلمس هذا التحرك.. أم أن هناك قوي إقليمية ودولية مازالت غير جاهزة لهذا الطرح الآن؟ حسب المعطيات التي نطالعها وحسب الاتصالات.. هناك نوع من البحث عن حل.. وربما يكون هناك عناصر دخلت لإيجاد هذا الحل.. لكن أنا أري أنه حتي الدخول في حل سياسي قد يأخذ وقتاً.. لكن سوريا بلد شقيق وبلد جوار للبنان والعلاقة بين البلدين أكثر من وطيدة.. لذلك بغض النظر عن كل الاعتبارات فإن المصلحة اللبنانية هي في إيجاد حل في سوريا في أقرب وقت ممكن. ولدت بمدينة طرابلس وفي كتابك «ثلاثية مدينة علي المتوسط» رصدت تحولات التاريخ الاجتماعي للمدينة.. منذ أسابيع كادت حرب أهلية تشتعل بها.. كيف شاهدت هذه الأحداث؟ هذه من تداعيات الوضع في لبنانوسوريا.. ولكن ماحدث في طرابلس يؤكد ويعبر أن المشكلة كانت بالإمكان السيطرة عليها.. والدليل علي ذلك أن القوات الأمنية اللبنانية دخلت إلي كل شوارع المدينة وسيطرت علي الوضع.. والمدينة الآن مستقرة وهذا الأسبوع أقيمت احتفالات أعياد الميلاد بالمدينة.. وهو مايثبت أن المشكلات الأمنية في لبنان يمكن السيطرة عليها إذا ماحسمت القوي الأمنية أمرها.. بعض المراقبين يشهدون بأن هناك تفوقا وتطورا للقوي الأمنية اللبنانية خلال عام 2014؟ القوي الأمنية في لبنان هي اليوم محل إجماع من جميع اللبنانيين وبالتالي كل الأطراف اللبنانية تسلم بدور الجيش والقوي الأمنية في ضبط الأمن والحدود ولهذا السبب فإن الدعم الذي جاء للجيش اللبناني من المملكة العربية السعودية هو دعم قوي وقدر بمبلغ 4 مليارات دولار ومن المفروض أن يستلم الجيش الشحنات من فرنسا قريبا.. وبالتالي سيصبح الجيش اللبناني أكثر فأكثر محل إجماع من اللبنانيين. كنا بالماضي نري لبنان كورقة خريف في مهب ريح المخططات الدولية والإقليمية التي تمرر علي أنقاض الدولة اللبنانية.. اليوم المنطقة العربية برمتها أصبحت مجموعة من أوراق الخريف.. كيف تري ذلك؟ اليوم أصبحنا في زمن التدخلات الدولية التي أصبحت أكثر بكثير مما كانت عليه بالقرن الماضي.. مع بروز ظاهرة العولمة أصبح التدخل في شئون الدول الأصغر لايمكن الوقوف في وجهه.. فما يحدث في هذا البلد أو ذاك يستدعي تدخل عشرات الدول واجتماعات تعقد علي مستويات عليا ونجد الوسطاء يجولون العالم كله كي يتمكنوا من إيجاد توافق لأن هناك تشابك مصالح بما في ذلك المصالح الاقتصادية وعلي رأسها النفط وهو مارأيناه في الأسابيع الأخيرة وكيف كان التحكم في أسواق النفط وأسعاره.. لذلك التشابك في المصالح الدولية اليوم لم يعد بالإمكان الانفكاك منه بسهولة.. حتي لو ادعت بعض الدول السيادة الكاملة مثل إيران نجد أن الموضوع النووي أصبح موضوعا دوليا وليس شأنا داخليا ولا يستطيع هذا البلد أن يقول إنه يملك السيادة الكاملة علي الملفين النووي والنفطي.. لذا علينا إعادة النظر في مفهومنا للعلوم السياسية. تواجه المنطقة تحديا وجوديا يزداد تعقيدا مع تصارع المشاريع الطائفية والقومية.. هل نحن أمام صراع حضاري ثقافي.. أم صراع علي السلطة يرتدي أقنعة مختلفة؟ هذا من الأسئلة المعقدة لأن اليوم مانجده في العالم من انحسار نسبي للأيديولوجيات التي كانت شائعة في القرن العشرين حيث كانت الاشتراكية والشيوعية في مواجهة الرأسمالية وكان يبدو وكأنه الصراع الوحيد في العالم.. الآن حل محلها خاصة في بلداننا دور الدين.. والحقيقة أن بناء السياسة علي أسس دينية بدأ في زمن السلطان عبدالحميد وقبل أن تنهار الدولة العثمانية استخدم فكرة الجامعة الاسلامية استخداما سياسيا لكي يحشد القوي لمواجهة أوروبا.. لكن ظل هذا الاستخدام محدودا لأن حركات التحرر في العالم العربي بنيت علي أساس وطني ومن أمثلة ذلك ثورة 1919 في مصر.. وبالتالي فإن استخدام الدين تصاعد في مراحل قريبة بعد الحرب العالمية الثانية عندما لعبت الولاياتالمتحدة دورا في استخدام الدين في مواجهة الشيوعية بتشجيع الاتجاه الإسلامي في تركيا وهنا كانت المفارقة التاريخية فأوروبا القديمة شجعت العلمانية في تركيا وسقوط الخلافة وأيدت أتاتورك ولكن بعد حوالي عشرين سنة فقط شجعت أمريكا الاتجاه الإسلامي حتي تقف تركيا في وجه المد الشيوعي.. فلم يكن الاستخدام السياسي للإسلام للتعبير عن الهوية وإنما كان استخداما سياسيا في الصراعات الدولية.. تصاعد الأحلام الإمبراطورية غير العربية حولنا بتطلعاتها التوسعية.. هل نحن أمام خطر يواجه حلم المد القومي العربي.. أم أن القومية العربية كانت حلما مستحيلا عندما حاولنا استقطاعها من سياقها الإسلامي؟ القومية العربية موضوع إشكالي بطبيعة الحال نحن عرب تجمعنا روابط تاريخية ودينية ولغوية وثقافية.. وهي ليست قليلة لأن كل التجمعات تقوم علي الثقافة وليس العرق.. لكن الفكرة القومية في كل أنحاء العالم تطورت والعروبة في الفترة الحديثة مرت بالطابع الإصلاحي في بداية القرن العشرين والتي عبرت عنها الثورة العربية في الحجاز التي بنيت علي الشخصية العربية في مواجهة الاستعمار كما بنيت علي فكر أوسع هو الثقافة الإسلامية الإصلاحية الشاملة وكان كثيرون من قادة التنوير في ذلك الوقت يريدون إسلاما منفتحا علي العصر وبقي هذا الكلام حتي الأربعينيات.. لكن بتأثير التيارات القومية في أوروبا ظهرت القومية العربية المتشددة التي تؤسس الفكرة القومية ليس فقط من الثقافة وإنما أيضا علي العرق.. وتأثر المنظرون العرب بهذه الفكرة كما لعب قيام إسرائيل في الأربعينيات دورا في هذا التشدد ورأينا صعوده في فترة الناصرية.. اليوم نحن بحاجة إلي فهم جديد للعروبة علي ضوء العصر والتطور العالمي والإنساني.. كذلك علينا تطوير ميثاق الجامعة العربية وهو ما يحدث الآن من تطوير الناحية الإجرائية والإدارية.. لكن مطلوب بذل جهد أكبر في سبيل فهم الرابطة العربية في ضوء الواقع الذي نعيشه.. ولدينا تجربة واقعية في مجلس التعاون الخليجي وهو نوع من التعاون الإقليمي علي أساس الهوية والواقع الاقتصادي والجغرافي.. هل فشلت فكرة الدولة الوطنية.. أم هي في الأصل كانت مزحة عندما قام رجلان داخل غرفة مغلقة بقلم ومسطرة وقسما الأرض العربية دون أدني معرفة بحقيقة الأرض وطبيعة شعبها؟ هذا الكلام من وجهة نظري ليس دقيقا لأن الدول العربية فيها الكثير من الحقائق التاريخية.. ليس دفاعا عن «سايكس بيكو» لكن هذا التقسيم السياسي والإداري له جذور.. فإذا نظرنا إلي التقسيمات الجغرافية السابقة نجد أن هذه المناطق كانت ولايات عثمانية.. وعندما انطلقت الثورة العربية من الحجاز مطلع القرن العشرين قامت علي مبدأ إقامة مملكة عربية.. وجاءت «سايكس بيكو» خديعة لهذه الفكرة.. كان هناك مشروع سياسي وعد الحلفاء بدعمه بقيام مملكة عربية بقيادة الهاشميين لكن بريطانيا لم تقم بهذا الوعد ووقفت المصالح الأجنبية في وجه هذا المشروع. لكن الشباب العربي اليوم تتجاذبه الأفكار العابرة للحدود.. من الانضمام للتنظيمات المتطرفة إلي الإلحاد.. حتي عزوفه بالكلية عن المشاركة في أي انتخابات.. من المسئول عن هاوية التيه التي ينزلق إليها هؤلاء الشباب؟ أعتقد أن الشباب موجود ليس فقط بالمعني العمري ولكن بمعني الأفكار والتطلعات.. نحن نعيش في عالم الشباب.. أولادنا الذين يعلموننا كيف نستخدم الوسائل الحديثة إذا لا ينبغي الاستهانة بما يجري في العالم.. لكن يبدو من جهة أخري بأن الشباب ضائع أو غير منظم ولكن الواقع أن هناك نقصا في الأفكار الأساسية بمعني أن تبني الاتجاهات والنزعات الحديثة يقودها الشباب ولكن دون أفكار كبري، كما كان يحدث منذ قرن كان الشباب هم الذين يطلقون الأفكار الحديثة ويؤسسون الأحزاب والتيارات الفكرية الاشتراكية والليبرالية.. ما يحدث الآن هو شيء لا نحيط به إحاطة كاملة.. فهناك موجات من الشباب العابرة للوطنيات وهناك التقدم التقني العابر للقارات والشباب هم جمهور هذه الاتجاهات.. الشباب في عالمنا العربي يملكون التطلعات لكن الأجيال الأكبر عمرا هم الذين يتحكمون في السياسات.. علينا أن نعيد الاعتبار لدور الشباب في بناء الوطن وهو يتطلب سياسات وطنية وعلينا أن نبدأها بالاهتمام بالتعليم لأنه هو الاستثمار الأساسي. إذا كنا نحلم ببناء مشروع حضاري عربي حديث.. لا يمكننا تجاهل مسيحيي الشرق.. كيف يمكن الحفاظ علي هذا المكون المسيحي في ظل هجرات جماعية وهجرة قصرية كما حدث في الموصل؟ إذا كنا نريد أن نكون واقعيين وصريحين، فالأنظمة العربية لم تتعامل مع موضوع المسيحيين تعاملا صحيحا بل وأهملت هذا الجانب خصوصا مع صعود التيارات القومية المتشددة والإسلامية المتطرفة وهذا الشيء لا يمكن إنكاره.. في الماضي كان قادة الأحزاب الليبرالية والقومية مسيحيين مثل «ميشيل عفلق وچورچ حبش».. وهم قادوا حركة القوميين العرب وحزب البعث وغيرهما.. هذه الفترة كانت فترة انبعاث الوطنية علي الأسس الجامعة وليست الدينية.. لكن الحقيقة أن الأنظمة أهملت هذا الموضوع من جملة الإهمال بموضوعات مختلفة.. ولو تكلمنا بالأرقام لوجدنا أن هجرة المسيحيين هي جزء من الهجرة العامة فعدد الذين يهاجرون.. لبنانوسوريا والعراق الأغلبية منهم مسلمون لكن عدد المسيحيين أقل تظهر النسبة وكأنها أكبر.. لا أقول ذلك لكي أنفي المشكلة.. أيضا علينا الانتباه أن هناك تشجيعا غربيا لهجرة المسيحيين وهذا ما شاهدناه في الأيام الأخيرة عندما سمعنا مسئولين غربيين يقولون إنهم مستعدون لاستقبال مسيحيي الموصل وكانت زلة كلام أظهرت النوايا التي تتحكم في الحكومات الغربية تجاه هذا الموضوع.. كذلك لا نغفل دور إسرائيل في إضعاف فكرة التعدد في العالم العربي والتركيز علي فكرة الثنائية «اليهودية الإسلامية».. أظن أنه لم يفت الأوان لفعل شيء.. وأعتقد أن مؤتمر الأزهر الأخير الذي دعا قادة دينيين مسيحيين من كل المشرق العربي كان مؤتمرا هاما وعلي الأزهر متابعة دوره وإعطاء الأمان.. أيضا علي المسلمين أن يعطوا الاطمئنان ويدافعوا عن هذا الوجود الذي يعبر عن حقيقة تاريخية ولا نسمح للتيارات المتطرفة أن تخرب هذا النسيج الوطني.