«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصيادون في شبكه الاهمال
يواجهون الموت ونقص الاسمالك
نشر في آخر ساعة يوم 23 - 12 - 2014

لا يهابون الموت الذي يتربص بهم حين يبتلعهم البحر في جوفه، يقابلون الموج القاتل بشجاعةِ الفرسان في ساحة المعركة، يحملون أرواحهم علي ظهر مراكبهم بحثاً عن الرزق. قد يغفر الصيادون للبحر قسوته لكنهم بالتأكيد لن يغفروا للمسئولين تجاهلهم حماية حقهم في الحياة. حتي أصبح سماع خبر عن غرق أو تحطم مراكب للصيد أمراً عادياً مع تكرار الحوادث المروعة التي يتعرض لها الصيادون كل يوم. لكن مشكلاتهم لا تقتصر علي توفير وسائل للنجدة والإغاثة، بل تتجاوز ذلك إلي انهيار المخزون السمكي بالمصائد الطبيعية. وغيرها من المشكلات التي تضعها «آخر ساعة» علي طاولة المسئولين في السطور التالية.
صيادون: يجب توفير طائرة لنجدة المراكب «العطلانة» في البحر
البلطجية يمنعون 70 ألفاً من أبناء مدينة المطرية من الصيد في المنزلة
مافيا «الزرِّيعة» تمارس الصيد الجائر لحساب أصحاب المزارع السمكية
رئيس هيئة الثروة السمكية: خطة لتطوير البحيرات والمصائد الطبيعية
قبل أن تأذن السماء للشمسِ بالشروق كنا علي الطريق الذي يحملنا إلي «عزبة البرج». أربعُ ساعات هي المدة التي قطعتها السيارة حتي وصلنا إلي مشارف المدينة الواقعة في الطرف الشمالي لمدينة دمياط. وأنت في «عزبة البرج» لست في حاجة إلي من يقودك إلي الترسانة التي تحتضن أسطول مراكب الصيد علي شاطئ المتوسط، سيستدرجك البحرعلي مَهلٍ برائحته التي تنفذ إلي رئتيك حتي تقع في سطوةِ جماله، كل طرق المدينة تؤدي إلي البحر الذي يتمدد بمحاذاة عمائرها. بمجرد أن تطأ قدمك أرض المدينة تدرك مدي ارتباط أهلها بحرفةِ الصيد، تتراص في طرقاتها محال لبيع مستلزمات الصيد من الشِباك والحبال، بينما يقع نظرك هنا وهناك علي آثارِ مراكب مكهنة.
كنت أظن أن الأمكنة التي يتجمع فيها الصيادون لا تمتلئ إلا بعودتهم من البحر بحلول المساء، تملؤني الدهشة وأنا أقترب من مقهي الصيادين الواقع قرب مرسي مراكب الصيد، المكان مكتظٌ إلي درجةٍ يصعب فيها أن تجد موضعاً لقدمك. «اتفضلوا اشربوا حاجة» صاح أحدهم مرحباً قبل أن يسأل عن هويتنا، بمجرد أن أطلعناه علي ما جئنا من أجله، تنهد حسام خليل رئيس الجمعية التعاونية لصائدي الأسماك، قبل أن يفضي إلينا بما يحمله من هموم الصيادين الذين لفظهم البحر بقسوةٍ ليستقر غالبيتهم علي المقاهي بعد تراجع إنتاجهم من الأسماك بشكلٍ مروّع وتزايد المشكلات التي يتعرضون لها.
يتابع وهو يشير بإصبعه إلي وجوه الصيادين الذين يحاولون إخفاء همهم بابتسامةٍ اعتادوا أن يستقبلوا الغرباء بها: لا تعرف «عزبة البرج» مهنةً غير الصيد، 50 ألف صياد هنا يعملون في الحرفة التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، بينما تمتلك المدينة أكبر أسطول من مراكب الصيد يمثل 65% من أسطول الصيد المصري، حيث تضم 2387 مركبا للصيد في أعالي البحار ومراكب نصف آلية ومراكب شراعية غير التي تأتي من البرلس ورشيد وبلطيم، كنا نغذي جميع أسواق الجمهورية بمختلف أنواع الأسماك، لكن أوضاعنا للأسف تتجه من سيئ إلي أسوأ، مع تفرق دم الصيادين بين الجهات المختلفة المعنية بهذا الملف، وهي الهيئة العامة للثروة السمكية، والمخابرات الحربية، وحرس الحدود ووزارة البيئة.
مشكلاتٌ لا حصر لها تثقل كاهل الصيادين كما يخبرني حسام خليل الذي أمضي 40 سنة من عمره يجوب البحار علي ظهر مراكب الصيد: هذه المشكلات تعوق المهنة وتعدم الثروة السمكية، فمخزوننا السمكي يتراجع بشكلٍ كبير لعشوائية إدارة الدولة لملف الصيد ودعمها للتوسع في المزارع السمكية علي حساب قتل آلاف الأطنان من الأسماك في مصائدها الطبيعية التي تمثل مصدر الرزق الوحيد للصيادين. فهناك مافيا تدير عملية صيد الزريعة وهي السمك الصغير المحظور صيده، تمارس الصيد الجائر لحساب أصحاب المزارع السمكية تحت مرأي ومسمع مسئولي هيئة تنمية الثروة السمكية التي تعطي تصاريح بصيد الزريعة في الموانئ لتزيد مواردها المالية، رغم أن ذلك مخالفة صريحة للقانون الذي يفترض أن تطبقه الهيئة.
الكارثة كما يشير أن صيد الزريعة التي تضعها أمهات الأسماك أثناء مواسم التكاثر في الموانئ والبواغيز والمياه الضحلة الهادئة، يسبب هجرة جماعية للأمهات التي لا تعاود التكاثر في نفس المكان لأنه أصبح غير آمن بالنسبة لها، ما يمثل خسارة فادحة لنا ويؤدي مباشرة إلي تراجع المخزون السمكي.
بدا محمد سلامة يائساً وهو يقوم من مقعده بمقهي الصيادين ليصطحبنا في جولةٍ إلي ترسانة مراكب الصيد الممتدة بطول الشاطئ. كان البحرُ هادئاً وهو يحمل آلاف المراكب التي تراها ترقد علي مدد الشوف بأحجامٍ وأنواعٍ مختلفة. يخبرني سلامة الذي امتهن الصيد منذ كان صبياً في السادسة من عمره، أن هذا المشهد لم يكن موجودا قبل بضع سنوات، معظم المراكب الواقفة بطول المرسي لا تستعدُ لرحلةِ صيد، لكن أصحابها أوقفوها وغادروا منتظرين الفرج في تعدل أوضاعهم. يشيرُ إلي إحدي المراكب التي تعلو ساريتها عبارة «للبيع»، «كثيرٌ منها معروضة للبيع، لأن الصيادين مش لاقيين ياكلوا منها».
يتابع: كثير من أصحاب المهنة بدأوا يتسربون منها، ولم يعد هناك عمالة جديدة من البحارة يعملون بالصيد لصعوبة ما يواجهونه دون عائد. غير أن القانون الذي صدر منذ سنوات بوقف إصدار تراخيص الصيد أثر بشكل كبير علي المهنة، بينما تحوّل إصدار التراخيص إلي بيزنس يديره سماسرة بالتعاون مع مسئولي الهيئة لمنحها إلي مافيا كبار الصيادين الذين يتوسعون في نشاطهم علي حسابنا، ما جعل الرخصة ترتفع من 40 ألف جنيه لتصل إلي 350 ألف جنيه.
كما أننا نُستنزف من الجهات التي تحصّل مبالغ التأمينات منا، بين صناديق الجمعيات وهيئة الثروة السمكية غير رسوم التفتيش البحري، ونعاني عند صرف التعويضات في حالة غرق المركب أو أفراد البحارة، لأن الصياد الذي يغرق ولا يتم انتشال جثته يعد مفقوداً في نظر القانون، وعليه تضطر أسرته إلي الانتظار ثلاث سنوات لإصدار شهادة وفاته حتي تتمكن من صرف التعويض. هذه كارثه تعرض عائلات الصيادين للتشرد والضياع.
«رزقنا علي الله» «سيري بأمر الله» «بسم الله مجراها ومرساها» عباراتٌ تزين مركب الريس وفدي محمد الذي يخبرني أنها تمنحه الصبر علي ما يواجهه من صِعاب، وتشعره بالأمان وهو في حضنِ بحرٍ لا يأمنُ غدره. « البحر مبيهزرش» يقول مجسداً وجه الموج حين يكشر أنيابه في وجه الصياد. يغفر الريس وفدي للبحر قسوته بينما لا يغفر للمسؤولين عدم التفاتهم لحقوق آلاف الصيادين. يتابع: نتعرض في البحر لمخاطر كثيرة أثناء النوات لا نجد من ينجدنا منها إلا الله، طرقنا أبواب جميع المسؤولين لتوفير طائرة إنقاذ أو لنشات لنجدة المراكب التي تواجه الأعطال والغرق في البحر المتوسط، لأن لنشات نقطة التفتيش التابعة لحرس الحدود لا تعيرنا أي اهتمام، كثير من المراكب غرقت بالفعل لتأخر نجدتها.
حياة موازية يعيشها الريس وفدي وبحارته علي متن مركب الصيد الذي ينطلق في رحلاتٍ قد تتجاوز العشرين يوماً لمسافاتٍ تتعدي 200 ميل. يطلعنا علي تفاصيلها وهو يصحبنا إلي داخل المركب، غرفتي نومٍ صغيرتين للبحارة لا تتعدي مساحة الواحدة منهما المترين، ألواحٌ خشبية يكسوها فرشٌ وغطاء هي الأسِرة التي يتخذها البحارة للنوم، تجاورها غرفة قائد المركب ومطبخٍ صغيرٍ لا يحتوي إلا علي وابور غاز صغير، بينما ينهمك البحارة في صيانةِ معدات الصيد في مؤخرة المركب.
يخبرني وفدي أن المناطق التي اعتادوا الصيد منها قاربت أسماكها علي النضوب، ما جعل إنتاج المركب الذي كان يتجاوز ثلاثة أطنان في الرحلة الواحدة من مختلف أنواع الأسماك القاعية كالبوري والباربوني والقاروص والجمبري، ينخفض إلي حوالي 500 كيلو فقط، ما يجعل أسعار الأسماك البحري ترتفع في السوق، ورغم ذلك أعمل الآن بالخسارة لأن الرحلة تتكلف 30 ألف جنيه لارتفاع أسعار السولار الذي يحتاج المركب منه إلي 70 برميلاً للرحلة الواحدة. كنا نحصل علي البرميل ب 200 جنيه وارتفع إلي 360 جنيها بعد رفع 25% من الدعم، غير تكاليف الطعام ورواتب البحارة العاملين معي.
ويعاني الصيادون كما يقول من ارتفاع أسعار معدات ومستلزمات الصيد من الغزول والشباك والأحبال، ما يجعلهم يسقطون فريسة جشع وطمع تجار السوق السوداء والجمعيات التي تحتكر استيرادها، في السابق كنا نحصل علي جميع احتياجاتنا مدعمة من الدولة بخصم 50%، إلا أن الدعم تم إلغاؤه ليرتفع كيلو الشِباك من 50 جنيها إلي 125 جنيها، بحجة زيادة الجمارك التي تفرض علي الواردات وتكاليف الشحن.
لا يقتصر نشاط أبناء «عزبة البرج» علي صيد الأسماك وحده، ولكن يتخطي ذلك لكل ما يرتبط بهذه الحرفة. فعلي مقربة من مرسي المراكب، تقع مجموعة ورش لتصنيع مراكب الصيد في منطقة تسمي «الطابية»، بمجرد اقترابك من المكان تستقبلك هياكل عملاقة لمراكب صيد في أطوار التصنيع. وبينما العمال ينهمكون في نشر أخشاب المراكب وتثبيتها، يحوّل رمضان المعاطي صاحب الورشة دهشتي بعظمةِ هذه الصناعة إلي حسرة دفينة لما وصلت إليه أحوالها، عندما أخبرني أن عدد المراكب التي ينتجها اليوم لا تعد إلا عينةً لما كان ينتج في السابق، لما تتعرض له صناعة المراكب من مشكلاتٍ تعصفُ بها.
لا تنفصل المشكلات التي تملأ قطاع الصيد عن تلك التي تضرب صناعتنا، فوقف تراخيص مراكب الصيد أثّر علينا بشكلٍ كبير، كما أن ارتفاع أسعار الوقود أدي لارتفاعٍ جنوني في أسعار جميع الخامات التي نعمل بها، فالمركب الخشبي الواحد الذي تستغرق صناعته حوالي سنة يحتاج إلي 100 طن من أخشاب الكافور والسويدي التي ارتفع سعر الطن منها من 300 جنيه إلي 850 جنيها، ما جعل أسعار المراكب تتراوح بين نصف مليون إلي 3 ملايين جنيه، يحصر ذلك الزبائن في فئة محددة جداً من كبار الصيادين أو أصحاب شركات تصدير الأسماك، لأنها تفوق قدرة الصياد العادي.
بخروجنا من المنطقة التي تحوي ورش صناعة السفن، انتهت جولتنا في مدينة «عزبة البرج». نتابع طريقنا لتقصي أحوال صيادي بحيرة المنزلة التي تطل علي محافظات دمياط وبورسعيد والدقهلية. ساعةٌ من الزمن كانت تفصلنا عن مدينة المطرية الواقعة في آخر حدود محافظة الدقهلية. بمجرد أن دلفت السيارة إلي طرقات المدينة استشعرت الحزن الذي يطبق علي شوارعها بعد أن فقدت المطرية 35 صياداً من أبنائها في حادثة تحطم مركب «بدر الإسلام» بالبحر الأحمر مؤخراً. لكن الحدث لا يبدو استثنائياً في المدينة التي اعتادت تجرّع حسرات موت أبنائها كل يوم غرقاً في البحار، بعد أن ضاقت عليهم البحيرة التي كانوا يعيشون من خيرها، لتقع في قبضةِ البلطجية والمعتدين.
كانت الشمس علي وشك الرحيل، عندما وصلنا إلي شاطيء بحيرة المنزلة، هنا تتجلي الصورة بمأساويتها، وجوه الصيادين العائدين من البحيرة بعد رحلةِ صيدٍ خائبة، تفضح حسرةً لم يفلح غروب الشمس في إخفائها. «المنزلة مابقتش بتاعتنا» يبادرني شحاتة حسن وهو يحاول استغلال بقايا الضوء لرتق شبكة صيده بعد أن قطعها له البلطجية، عمره الذي تجاوز الستين لا يتيح له التصدي للأباطرة الذين يحكمون البحيرة بالأسلحة الآلية، يحكي بحسرة عما يتعرض له صيادو المنزلة من إرهاب وترويع وسرقة تحت مرأي ومسمع شرطة المسطحات وهيئة الثروة السمكية. يتابع: 70 ألفا من أبناء مدينة المطرية يعملون في الصيد، لكننا محرومون من الصيد في البحيرة، لاعتداءات البلطجية الذين يحوطون آلاف الأفدنة من البحيرة بالشباك والبوص لحجز الأسماك لصالحهم وحجبها عن الصيادين.
يتابع وهو يشير إلي مجموعة مراكب شراعية تتكدس علي جانب البحيرة: ما نلقاه من اعتداءات جعلت الآلاف من صيادي المطرية يتركون مراكبهم ويهجرون البحيرة، بحثا عن الرزق في البحر الأحمر أو في الدول الأجنبية، وكثيرون يعودون إلينا جثثا هامدة، لتعرضهم إلي مخاطر كثيرة وهم في عرض البحر مثلما حدث في تحطم مركب «بدر الإسلام». وللأسف لا نحصل من المسؤولين إلا علي تصريحات وهمية بإزالة تعديات بحيرة المنزلة، سمعنا أن هناك 160 مليون جنيه رصدها رئيس الوزراء في زيارته الأخيرة لتطهير المنزلة، لكننا لم نر أي شيء غير عدة كراكات أزالت أماكن محدودة لتعديات البلطجية، لكنهم عاودوا إقامتها بعد ساعات.
«بقالي 5 أيام مجبتش سمكة واحدة» يقول إبراهيم حسن غزال أحد أقدم صيادي المطرية وهو يشير إلي أكوام الحشائش والبوص وورد النيل الذي يغطي أرجاء البحيرة. يخبرني أن التلوث الذي يغمر المنزلة وارتفاع سطح القاع نتيجة تراكم طبقات الطمي فيها أعدم إنتاجها من الأسماك. يتابع: لا أحد يلتفت إلي تطهير البحيرة وتجريف الرواسب منها، الكارثة أن هذه الرواسب تتكون نتيجة إيصال مصرف بحر البقر الذي يجمع الصرف الصحي من جميع محافظات الدلتا ليصرف مباشرة في البحيرة، ما أثر بشكل كبير علي كميات الأسماك وأنواعها وأصاب البلدة جميعها بالفشل الكلوي، غير الردم والتعديات المتواصلة التي قلّصت مساحة البحيرة من 700 ألف فدان إلي130 ألف فدان، معظمها مسطحات مبنية.
يسترجع زكريا الساهي صورةً لبحيرة المنزلة يحتفظ بها في ذاكرته: كنا نمسك السمك بأيدينا من وفرته ومن نقاء مياه البحيرة، حيث كان الشادر الواحد ينتج 10 أطنان من مختلف أنواع الأسماك، لكن مع انسداد بوغاز الجميل انعدمت جميع الأسماك البحرية من البوري والقاروص والوقار والسردين، ولم يتبق غير البلطي.
ننهي جولتنا بين الصيادين ونعود أدراجنا محمّلين بهمومهم لنضعها علي طاولة الدكتور خالد الحسني رئيس الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، الذي أكد أن هناك اتجاهاً جاداً في الدولة للالتفات إلي المطالب المشروعة للصيادين ، فالمشكلات التي يعانون منها جزء لا يتجزأ من مشكلاتٍ تراكمية تعرض لها قطاع الصيد والثروة السمكية لفترة طويلة من الزمن أسفرت عن تناقص المخزون السمكي في المصائد الطبيعية التي تشمل البحار والبحيرات، ولم يعد إنتاجها يتعدي 300 ألف طن سنوياً، مقابل الاستزراع السمكي الذي وصل إنتاجه إلي مليون و200 ألف طن أي نحو 83٪ من الإنتاج السمكي في مصر، حتي بدأت الهيئة في وضع خطة لتطوير البحيرات والمصائد الطبيعية التي تم التعدي عليها بالردم والتوسعات العمرانية وتعريضها لمختلف أنواع الملوثات من الصرف الصحي أو الصناعي علي مدار عشرات السنين.
يتابع الدكتور خالد: هذه الخطة بدأنا تنفيذها قبل أشهر، متخذين من البحيرات الطبيعية نقطة انطلاق لتحقيق أقصي استفادة اقتصادية من إنتاجها، قمنا بتطهير بحيرتي مريوط والبرلس أما المنزلة فكان لها خصوصية كونها أكثر البحيرات التي تعرضت لمشكلاتٍ متراكمة، ويستحيل أن تعود إلي حالتها في يومٍ وليلة، لكني أعد الصيادين أن ننتهي من أعمال التطهير خلال عام ونصف.
يضيف: وبتكليف من رئيس الوزراء أعددنا لجاناً لتطهير بحيرة المنزلة، قمنا بإنزال 18 حفارا وكراكة لتطهير بوغاز الصفارة، كما تم إزالة 22 ألف فدان للتعديات في بحيرة المنزلة بمحافظات بورسعيد ودمياط والدقهلية.
ويفسر تناقص مخزوننا السمكي بالمصائد الطبيعية أننا لم نستغل غير 12 ميلا بحريا من عمق مياهنا الإقليمية، جميع الصيادين يتركزون في أماكن بعينها للصيد ويشتكون من قلة الإنتاج. لدينا الآن اتجاه لتشجيع الصيادين لاستغلال المياه الاقتصادية والدولية التابعة لنا، والممتدة من عمق 12 ميلا بحريا وحتي 200 ميل، لما تتميز به هذه المنطقة بتوافر كميات هائلة من الأسماك .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.