ولماذا لا أقول هذا الصباح كل صباح.. ما الذي يدعوني أن أضيق أو أكتئب الحياة وهم الحياة ومشاكلها التي لا تنتهي.. فإذا ما جلست مع أصدقائك أو أقربائك أو جيرانك فلا تسمع إلا توصيفا للمشكلة، شكاية من أحوالنا وما صرنا إليه.. وكأننا أدمنا حديث لعن »الظلام« حتي صار نوعا من المخدر الذي أدمناه ونرتاح إليه، ولعل ما يزيد إحساسنا باليأس ما يلاقيه الناس في حياتهم الخاصة من صعوبات ومشكلات الحياة وصدمة الناس في الناس، وهو ما يجعلنا جميعا نتساءل ما المخرج؟، وعلينا أن نلمس طريقا للخروج.. كل الناس تعاني من ضيق ذات اليد.. والكثيرون منهم لم يبلغوا هدفهم المرجو.. نعمة الصحة ودوامها ونعمة الستر ودوامه هما الدعوتان الرئيسيتان في دعوات المصريين كلهم.. وإن كان لكل منهم دعوة ثالثة فإنها تخص الأولاد ومطلب الفرح بهم عندما يبلغون أشدهم.. أما عن دعوة طلب النقود وطلب زيادتها فلم أسمعه من مصري واحد.. النقود أو »الفلوس« كما يحلو لنا أن نطلق علي تلك الأوراق »الجميلة« لا تلبث أن تحضر.. حتي تذهب دون رجعة وكأن لك ورقة نقدية لها جناحان لا تلبث أن ترفرف بهما طائرة بعيدة عن صاحبها الذي لا تدوم فترة احتفاظه بها بين يديه أكثر من ساعات.. بل قل دقائق قليلة.. فإذا كانت الصحة أنعم بها المنعم والستر أغدقه الستار.. ونقود قضاء المطالب رزق بها الرزاق.. فما هو الداعي لليأس والإحباط بل والاكتئاب الذي يصيب صاحب الحاجة عندما لا تتحقق حاجته.. فهو لا يصبر علي ربه.. علي حين أن ربه هو الصبور عليه.. دائما وفي كل وقت.. فما أن يدعو الإنسان بدعاء الحاجة حتي ينتظر تحقق تلك الحاجة بعد الفراغ من نطق آخر حرف من حروف دعائه.. وإن لم يتحقق مطلبه.. كان الإحباط والزهق والملل.. فإن كان تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبا ليأسك، فالله سبحانه وتعالي ضمن لك الإجابة فيما يختار لك لا فيما تختار لنفسك، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد. عجيب لهذا الإنسان الذي يستعجل دعوة هو ليس بأدري بها من مجيبها.. أهي لصالحه أم لا.. وإذا لم تتحقق للداعي أمنيته أو دعاؤه انطلق معها إلي عالم الأحلام يسرح ويتخيل أنها قريبة منه.. وهو هنا يبتعد عن الواقع الحقيقي الذي يعيش فيه ليخلق بذلك حاجزا وهميا بين الحقيقة والخيال. حقيقة يعيشها ويهرب منها لا تتحقق فيها أمنيته.. وخيال وهمي يحقق فيه ما يحلو له من أمنيات وهو هنا يضر نفسه أكثر ما يفيدها.. لأنه أدخل نفسه في دور الخديعة في الوقت الذي أخرج نفسه من الواقع الذي كان يجب أن يأتلف فيه وينصهر ليعيش حياة واقعية لها آثار مادية ملموسة ونتائج إيجابية مضمونة.. واعلم أن الله متي أطلق لسانك بالطلب فاعلم أنه يريد أن يعطيك لأن الحق تعالي جعل الطلب سببا من الأسباب. الاندماج في العمل ومحاولة فهم طبائع الأمور ستكون أكثر راحة لصاحب الدعاء.. هذا الأمر يسهل الحياة علي الفرد ويجعله مستقبلا لحياته ويومه بدائم القول.. صباح الخير أيتها الحياة.. أنا منك وأنت مني.. لنقضي أوقاتها وساعات ليلها ونهارها مصاحبين وداعة النفس تغمرنا فضيلة الرضا.