تشهد علاقات الصداقة القديمة بين الهند والعالم العربي ضخ دماء جديدة وفتح آفاق أرحب في ظل موجة الدفء المتجددة في العلاقات بين الجانبين. والحال بين الحضارات لايختلف كثيرا عما هو عليه بين الأفراد، فنجد أن قصة الهند والعالم العربي هي قصة قديمة ولكنها تحمل قيمة كبيرة، لقد حظيت العلاقات بين الهند والعالم العربي بمكانة كبيرة في ظل التفاعل التاريخي بين أبناء الجانبين سواء المفكرين أو الفلاسفة أو التجار الذين عبروا البحار حاملين ليس فقط بضائعهم ولكن أفكارهم ومعارفهم. ويعتقد أن الإمبراطور أشوكا قد أرسل العلماء البوذيين إلي مصر وسوريا. واعتقد أن هذا التواصل والتفاعل بين الجانبين سوف يستمر علي امتداد آلاف السنين. لقد أدي تبادل الأفكار والمعارف إلي تحقيق التقدم في العديد من المجالات مثل: علم الفلك، والطب، والرياضيات، والزراعة، حتي أن حركة التجارة المتبادلة بين الحضارتين انتعشت بصورة كبيرة، وقد تمت ترجمة كتاب «سوريا سيدهاناتا» المكتوب باللغة السنسكريتية إلي اللغة العربية وانتشرت الطبعة المترجمة في أنحاء العالم العربي، وتم نفس الأمر مع كتب ألفها أطباء هنود مشاهير مثل كتابي «تشاركا سامهيتا» و«سوسرود». ومن ناحية أخري، نجد أن تأثير العرب علي الهند واضح للغاية في مجالات مثل: العمارة والفلسفة والموسيقي والفنون. وكما كان الحال عليه في العصور القديمة والعصور الوسطي، امتد التواصل بين الجانبين الهندي والعربي خلال الفترة الحديثة التي شهدت مقاومة الاستعمار، التي كانت بمثابة نقطة تلاق بين زعماء الحركة الوطنية البازغة في الهند ومصر. وفي ظل هذه القضية الوطنية المشتركة، بدأ الآباء المؤسسون للجمهورية الهندية في بناء علاقات مع قادة الحركة الوطنية في مصر من أمثال: سعد زغلول، حيث تبادلوا الأفكار سويا واستقوا الدروس من بعضهم البعض خلال فترة الكفاح المشترك. وبمرور الوقت وتطور نظم التكنولوجيا والنقل زادت أشكال التفاعل والتواصل بين الجانبين الهندي والعربي، فلا يمكن أن تتحدث الهند اليوم عن علاقاتها الخارجية، أو الروابط التجارية الدولية دون أن يكون للعالم العربي، مكانة بارزة ومتميزة. وتوضح الأرقام كل هذه الحقائق، فنجد أن تجارة الهند مع العالم العربي تجاوزت 180 مليار دولار أمريكي (2012 - 2013) وهي تتنوع لتشمل كافة المنتجات والخدمات، وتمثل منطقة الخليج المصدر لأكثر من 60% من واردات الهند من النفط والغاز، ولكننا نجد أيضا أن هناك مجالات تحقق التكامل بين الجانبين مثل: الأدوية والسيارات والبنية التحتية والطاقة والطاقة المتجددة. ومن ناحية أخري، تعد منطقة المغرب العربي المصدر الرئيسي للأسمدة الفوسفاتية وغيرها من الأسمدي الأخري، والتي تعد من العوامل الأساسية الهامة في تحقيق الأمن الغذائي للهند، وتشمل الروابط الاقتصادية مع العالم العربي الاستثمارات الضخمة التي أقامتها الشركات الهندية في الخليج وغرب آسيا وشمال أفريقيا، وتدرك الشركات متعددة الجنسيات في كافة الأقطار العربية بداية من بحر العرب وحتي نهاية حدود العالم العربي قيمة الدخول إلي سوق يبلغ عدد مستهلكيه 1.6 مليار نسمة أي تقريبا ثلث سكان العالم. وتخللت حركة البضائع والخدمات من الهند إلي العالم العربي، حركة انتقال للأيدي العاملة الهندية للعالم العربي بأعداد كبيرة. وفي الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الاقتصادية علي المستوي الثنائي بين الهند وبعض الدول العربية ازدهارا ملموسا،فإن هناك شعورا بالحاجة إلي الارتقاء بالتعاون السياسي بصورة أكبر بين الهند وجامعة الدول العربية. لقد بدأت عملية الحوار بين الهند وجامعة الدول العربية في عام 2002 بعقد سلسلة من المشاورات السياسية، التي أسفرت عن التوقيع علي مذكرة تفاهم، والتي تم بموجبها الاتفاق علي عقد لقاء منتظم بين وزير الشئون الخارجية الهندي والأمين العام لجامعة الدول العربية وكانت مذكرة التعاون التي تم توقيعها بداية طيبة لتعاون واسع النطاق بين الجانبين مع عقد مشاورات سياسية منتظمة (إنشاء لجنة مشتركة رفيعة المستوي تجتمع خلالها دول (الترويكا) بالجامعة مع وزير الشئون الخارجية الهندي)، والاتفاق علي تنظيم مهرجان ثقافي عربي - هندي، والأهم من ذلك الاتفاق علي إقامة قمة للشراكة والاستثمار التي من شأنها أن تجمع تحت مظلتها وزراء التجارة وأصحاب كبري القلاع الصناعية بهدف تبادل المعارف والخبرات حول بعض الموضوعات التي يتم الاتفاق عليها، وقد تمت مراجعة مذكرة التعاون في عام 2013، واتفق الجانبان علي أنه من الضروري العمل علي رفع مستوي التعاون بينهما بصورة أكبر، لقد تغير المشهد السياسي في العالم العربي بشكل كبير منذ عام 2011، ومن ثم فإن هناك شعورا بالحاجة إلي وضع إطار مؤسسي للتشاور مع جميع الدول الأعضاء في الجامعة وليس فقط مع الأمانة العامة للجامعة العربية أو مجموعة (الترويكا)، وقد توجت المشاورات الجديدة بالتوقيع علي مذكرة تعاون جديدة وبرنامج تنفيذي وذلك خلال زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية د. نبيل العربي إلي نيودلهي في ديسمبر 2013، وتم الاتفاق علي اجتماع وزاري كل عامين واجتماع لكبار المسئولين كل عام يشارك فيهما جميع الدول الأعضاء في الجامعة العربية والأمانة العامة للجامعة، ويتضمن البرنامج التنفيذي الجديد لمنتدي التعاون العربي - الهندي لعام 2014 - 2015 تعاونا في عدد من المجالات المحددة، من بينها الإعلام والطاقة والتعليم والزراعة. وتنخرط وزارة الشئون الخارجية الهندية مع بعض الدول الأعضاء في الجامعة في العديد من أشكال التعاون علي نطاق واسع. بالإضافة إلي ذلك، قامت وزارة الشئون الخارجية الهندية بالتعاون مع اتحاد غرف التجارة والصناعة الهندي بعقد ثلاثة مؤتمرات حول الشراكة والاستثمار، اثنان منها عقدا في دلهي، في أبريل 2008 وفبراير 2010 علي الترتيب، بينما أقيم الثالث في دولة الإمارات العربية المتحدة في مايو 2012، وشهدت تلك المؤتمرات مشاركة من وفود كبيرة برئاسة وزراء التجارة بالإضافة إلي مشاركة متميزة من جانب كبري الشركات الاستثمارية. وفي الوقت الذي نستعد فيه لعقد مؤتمر الشراكة الرابع في نيودلهي يومي 26 - 27 نوفمبر 2014، فإننا نري أن مايشهده الاقتصاد الهندي من زخم تلوح تباشيره في الأفق خلال الفترة الحالية سوف يعطي دفعة قوية للاستثمارات الجديدة. وسوف تعقب مؤتمر الشراكة مناسبة أخري لاتقل عنه أهمية، ألا وهي عقد الاجتماع الأول لكبار المسئولين بين الهند والدول الأعضاء في جامعة الدول العربية وذلك في السابع من نوفمبر، والذي سوف يكون بعد فترة قصيرة من المهرجان الهندي - العربي الثقافي الثاني الذي سيقام بدوره في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر في الجزائر، كما ساهمت ندوة الإعلام التي تم عقدها في نيودلهي في شهر أغسطس 2014 في توفير نافذة هامة ومفيدة للتواصل والتعاون وتبادل الأفكار بين الصحفيين الهنود والعرب.