عمرو صبرة أثناء حواره مع أحمد الجمال الفقراء في مصر علي أحلام بسيطة يرونها ممكنة، لكنها في الحقيقة صعبة المنال. عمرو صبرة "صنايعي" متخصص في دهان الموبيليا تلخص مأساتُه الفساد المتجذر في بعض الوزارات، وعلي رأسها وزارة "القوي العاملة" التي لا تتوقف وزيرتها ناهد عشري عن الإدلاء بتصريحات وردية بشأن توفير آلاف فرص العمل للعاطلين في مصر، فالرجل الذي تجاوز الخامسة والأربعين دفع ضريبة حبه للجيش بأن أصبح معاقاً بعد تصديه للإخوان علي مشارف ميدان "التحرير" يوم الخامس من يوليو 2013 وحين طلب الحصول علي وظيفة رشحته الوزارة لسبع جهات رفضته جميعاً.. التفاصيل بالمستندات تنشرها "آخر ساعة" في السياق. لم يكن متفائلاً بحكم جماعة "الإخوان" بعد ثورة يناير 2011 بل كان واثقاً من أن القوات المسلحة المعروفة بمواقفها الوطنية لن تترك البلاد والعباد في هذا البلد لقمة سائغة يلوكها جواسيس الجماعة الإرهابية. هذا ما فهمته من عمرو علي أحمد أحمد صبرة (46 عاماً) حين بدأ يحكي مأساته التي تعرض لأول فصولها عقب عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي بيومين، وتحديداً يوم الخامس من يوليو العام الماضي. يقول عمرو صبرة: أنا عامل "استورجي" متخصص في دهان وتلميع الموبيليا. كنت أعيش حياة عادية، لكنني وطني حتي النخاع، وأحب بلدي إلي أقصي درجة، وصدمت حين وصل الإخوان إلي السلطة، وما وصلنا إليه من أوضاع سيئة خلال عام حكمهم، ولذا خرجت مع ملايين المصريين إلي ميدان "التحرير" واحتفلت بعزل الشعب والجيش ل"مرسي"، وبعدها بيومين كنا نتجمع بالآلاف في الميدان رافعين صور قائد الجيش وزير الدفاع في ذلك الوقت عبدالفتاح السيسي، وعلمنا أن مجموعة من عناصر الإخوان تريد اقتحام الميدان من ناحية "نزلة كوبري 6 أكتوبر" قرب المتحف المصري، فكنت ممن تولوا حماية الميدان وتصدينا لهم، لكنهم قذفونا بالحجارة من أعلي الكوبري، وكان نصيبي "قالب طوب" كبير جداً سقط علي كتفي، فأصبت إصابة بالغة. يتابع: حررتُ محضراً بالحادث ضد جماعة "الإخوان"، وتم نقلي إلي مستشفي الهلال في منطقة "رمسيس"، وبعد إجراء الكشف الطبي والأشعة اللازمة في قسم العظام كان التشخيص "كدمات متفرقة بالجسم" واكتشفت بعد ذلك أنني أصبحت معاقاً في يدي، وهذا مثبت بالتقارير الطبية، التي أجريتها لاحقاً بعد إحالتي إلي لجنة طبية تابعة للهيئة العامة للتأمين الصحي، وأصدرت العيادات الخارجية بمستشفيات عين شمس توصية علاجية لي بتاريخ 4 مارس الماضي جاء فيها: "بعد فحص المريض والاطلاع علي رسم الأعصاب الذي أجري له تبين أن المريض يعاني من ضعف بحركة اليد اليسري والذراع اليسري نتيجة إصابة بالأعصاب المغذية للطرف العلوي الأيسر". أظلمت الحياة في وجه عمرو، فهو العائل الوحيد لأسرته المكونة من زوجة وابن في المرحلة الثانوية، ولم يعد له أي دخل ينفق منه علي بيته، بعدما فقد الورشة التي كان يعمل فيها، وأنفق ما اختزله من أموال قليلة علي شراء الأدوية: "أشتري شريط برشام واحدا ب90 جنيهاً بخلاف تدهور حالتي النفسية وإصابتي بالقولون العصبي بسبب فقدي لعملي ومصير أسرتي الذي أصبح مهدداً". هنا بدأ عمرو يتحرك في كل الاتجاهات أملاً في الحصول علي وظيفة عامل "استورجي" في أي شركة أو مصلحة حكومية، وتفاءل كثيراً بتصريحات وزيرة القوي العاملة ناهد عشري بشأن توفير آلاف من فرص العمل للعاطلين، وابتهجت أساريره، فهو ليس عاطلاً فقط بل أصبح معاقاً ومن حقه الحصول علي وظيفة وفق نسبة الخمسة بالمئة التي حددها القانون والدستور. وبالفعل حصل الرجل علي خطاب "حالة متقدمة للتأهيل للترشح لعمل" بتاريخ 22 يونيو 2014 كما سبق أن حصل من وزارة القوي العاملة والهجرة بتاريخ 29 أبريل 2014 علي شهادة قياس مستوي المهارة، حيث خضع للاختبار في المعهد الصناعي بالمطرية، وكانت النتيجة أنه "عامل ماهر"، أي أنه قادر علي ممارسة عمله علي الرغم من الإعاقة التي ألمت بيده اليسري. وكانت المفاجأة التي كشفت زيف ادعاءات الحكومة وكذب تصريحات وزيرة القوي العاملة والهجرة ناهد عشري، حين ذهب عمرو إلي وزارة القوي العاملة، وحصل علي سبعة ترشيحات عمل، من الإدارة المركزية للتشغيل ومعلومات سوق العمل التابعة للوزارة، والجهات التي ترشح لها حسب ترتيب تواريخ صدورها كالتالي: فندق راديسون بتاريخ 14 أبريل الماضي، وشركة "المقاولون العرب" وجواب ترشيحه للعمل بها صادر في التاريخ ذاته، وشركة القاهرة لتكرير البترول بتاريخ 4 أغسطس الماضي، والجهاز المركزي للمحاسبات بتاريخ الأول من سبتمبر الماضي، وشركة "هابيتات- العبور" بتاريخ 11 سبتمبر الماضي، وشركة المستلزمات التعليمية بتاريخ 19 سبتمبر الماضي، أما الترشيح الأخير فكان لشركة "مصر للطيران" بتاريخ 9 أكتوبر الجاري. ومن خلال الاطلاع علي نص خطابات الترشيح هذه يتضح أنها جميعاً تحمل صيغة واحدة وهي: "في إطار التعاون المشترك بين وزارة القوي العاملة والهجرة وكافة الجهات المعنية بشأن رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة وبذل كافة الجهود لإدماجهم بسوق العمل وحرصاً من الوزارة علي تقديم سبل الرعاية لهم.. وبالإشارة إلي الطلب المقدم من معالي الوزيرة من المواطن عمرو علي أحمد صبرة (استورجي) والذي يلتمس فيه فرصة عمل مناسبة له تناسب الإعاقة استناداً للقانون رقم 39 لسنة 1975 المعدل بالقانون رقم 49 لسنة 1982". إلا أن جميع خطابات الترشيح تنتهي بعبارة واحدة تقريباً تتنصل فيها الوزارة من أي مسؤولية بشأن توظيف صاحب الطلب في الوظيفة المرشح لها، بما يعطي الجهة المرسل إليها الخطاب فرصة الرفض مباشرة، حيث جاء في نص الخطابات:"تم إعطاء هذا الخطاب للمواطن المذكور بناءً علي طلبه دون أدني مسؤولية من الإدارة"، ما يعني أن الوزارة أو الإدارة المركزية للتشغيل ومعلومات سوق العمل تحديداً تتفرغ فقط في هذا الخصوص لإصدار خطابات الترشيح دونما إلزام الجهة المرشح لها طالب الوظيفة بتوظيفه. ويأتي ذلك علي الرغم من أن الإدارة المركزية للتشغيل توضح في خطاباتها أنها ترسل هذه الطلبات وفقاً لاحتياجات هذه الشركات أو الجهات بل وتطلب من الأخيرة إخطارها أي الإدارة التابعة للوزارة عند استكمال الاحتياجات. انتهت قصة المواطن البسيط لكن لم تنته رحلته في البحث عن فرصة عمل فبحسب قوله: "سأكرر المحاولة مرات أخري إلي أن تلتفت الحكومة ووزارة القوي العاملة إلي حالتي وظروفي الصعبة.. ليس لدي خيار آخر ولا حل بديل بعدما فقدت كل شيء.. وأملي في ربنا كبير". من جهته، قال مصدر من داخل وزارة القوي العاملة طلب عدم الإفصاح عن هويته إن مأساة المواطن عمرو صبرة تتكرر كثيراً مع حالات أخري علي مستوي محافظات مصر، وبخاصة في حالة ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يحصلون علي عدة خطابات ترشيح لوظائف تناسب إعاقتهم، وبما يتوافق مع نسبة ال5% التي أقرها القانون والدستور. ويقترح المصدر ضرورة تشكيل لجنة تقصي حقائق لإثبات مدي صحة تصريحات وزيرة القوي العاملة ناهد عشري بخصوص توفيرها خلال فترة توليها الوزارة حوالي 30 ألف وظيفة، مشيراً إلي أن آلية عمل هذه اللجنة يمكن أن تكون من خلال الاتصال بأرقام هواتف المرشحين لفرص عمل، من خلال خطابات الترشيح التي تتضمن عناوينهم وأرقام هواتفهم، وذلك بهدف التأكد من مدي صحة حصوله علي فرص العمل التي تم ترشيحه لها. قانون العمل الغريب أن قانون العمل رقم 39 لسنة 1975 والمعدل بالقانون رقم 49 لسنة 1982 بشأن تشغيل وتأهيل المعوقين، ينص في مادته التاسعة علي أنه "علي أصحاب الأعمال الذين يستخدمون خمسين عاملاً فأكثر وتسري عليهم أحكام القانون رقم 137 لسنة 1981 بإصدار قانون العمل سواء كانوا يشتغلون في مكان واحد أو بلد واحد أو في أمكنة متفرقة استخدام المعاقين الذين ترشحهم مكاتب القوي العاملة من واقع سجل قيد المعوقين بها وذلك بنسبة 5% من مجموع عدد العمال في الوحدة التي يرشحون لها". في حين توضح المادة 16 من القانون ذاته، أنه ينص علي معاقبة مخالفي المادة التاسعة بالغرامة والحبس، بل وإلزام صاحب العمل الذي ترشح له المعاق ورفض تشغيله بأن يدفع له مبلغاً شهرياً يساوي أجر الوظيفة التي ترشح لها، حيث تنص المادة علي: " يعاقب كل من يخالف أحكام المادة التاسعة من هذا القانون بغرامة لا تجاوز مائة جنيه والحبس مدة لا تجاوز شهراً أو بإحدي هاتين العقوبتين، كما يعاقب بنفس العقوبة المسؤولون بوحدات الجهاز الإداري للدولة والقطاع العام الذين يخالفون أحكام المادة العاشرة من هذا القانون ويعتبر مسؤولاً في هذا الشأن كل من يملك سلطة التعيين. كما يجوز الحكم بإلزام صاحب العمل بأن يدفع شهرياً للمعوق المؤهل الذي رشح له وامتنع عن استخدامه مبلغاً يساوي الأجر أو المرتب المقرر أو التقديري للعمل أو الوظيفة التي رشح لها وذلك اعتباراً من تاريخ إثبات المخالفة".