ليلى علوي ليلي علوي.. فنانة.. وإنسانة راقية في سلوكها.. وأخلاقها.. وتعاملاتها.. وشياكتها.. «هانم» من هوانم زمان.. وبنت بلد «جدعة» وشهمة وأصيلة.. صاحبة موقف.. إيجابية لا تعرف السلبية ولا الاستسلام.. تجمع بين الجمال الرباني والذكاء الحاد.. وهو ما لا تهتم به الكثير من النساء اللائي يعتقدن أن الجمال يغفر لهن كل الأخطاء. من يعرفها عن قرب يدرك جيدا أنها ابنة بارة.. وزوجة رائعة «شاطرة» في بيتها.. وأما حنونة واعية.. صديقة نادرة.. وفنانة.. تعلو قامتها بتواضع منذ بداية مشوارها نابع من موهبة أصيلة منذ الصغر.. توجت بالدراسة والثقافة. من «نبتة» حب جميلة جمعت بين فتي وسيم «أحمد علوي» عاشق للفنون بجميع أنواعها.. وشابة يونانية جميلة «ستيللا» تعمل بالبرنامج الأوروبي.. توجا حبهما الذي كان مضرب الأمثال في ذلك الزمان.. بالزواج.. ورزقا خلاله «ببنتين» زي القمر «ليلي».. «ولمياء»..
في شارع شامبليون.. في وسط البلد حيث المسارح ودور العرض.. وقريبا من الأوبرا.. كان سكن الأسرة الصغيرة السعيدة.. كان هناك حرص شديد من الأب علي اصطحاب الزوجة والبنات إلي السينما أسبوعيا.. بالإضافة لمتابعة المعارض والمسارح ومختلف الأنشطة الثقافية.. في هذا الجو المنفتح نشأت «ليلي».. «ولمياء» لتدركا أن الفن حياة.. ورقي بملكات الإنسان.
صغيرة كانت تهوي وتجيد التقليد وهي موهبة مازالت لديها حتي الآن.. أذكر أننا كنا في «سوتشي» بروسيا.. حيث كانت تشارك في لجنة التحكيم الدولية.. ولكسر حدة الملل.. حيث كانت تقضي يومها بالكامل في قاعة سينما صغيرة.. فتنتهز فترة راحة بين فيلمين وتقلِّد صوت «قطة» ليبدأ الجميع بالبحث عن هذه القطة التي تسللت لدار العرض.. وهكذا يلتقط أعضاء اللجنة دقائق للراحة.. في الحياة ليلي تعشق «الكلاب» ولديها كلب في منزلها.. شاركت ليلي في العديد من لجان التحكيم.. ورأست البعض منها.. وقد عرف عنها الالتزام الشديد فهي أول من تحضر.. وآخر من تغادر.. اكتسبت الاحترام ليس في العالم العربي فقط بل في العالم أجمع.
في المغرب وفي مهرجان الرباط وبينما هي في السيارة في طريقها إلي الفندق وكانت في السنة التي تزوج فيها جلالة الملك.. قامت الجماهير التي كانت تملأ الشوارع «برفع السيارة وحملها» وهو شيء لم أشاهده قط في حياتي ولم أسمع أنه حدث لأحد من الفنانين..
ولأنه أحيانا السعادة لا تدوم.. فبعد تسع سنوات بدأ الخلاف بين الزوجين رغم «الحب» الذي لم يستطع أن يحميهما ويقيهما من شر الخلاف.. فكان الانفصال.. الذي لم يخل من «المودة» والكثير من الاحترام. تقول ليلي.. بالتأكيد تأثرت من هذا الانفصال.. وغياب الأب من المعزوفة اليومية للحياة.. لكن أمي وهي سيدة عظيمة جعلت هذا التأثير إيجابيا.. مزيد من المسئولية علينا أن نتحملها صغارا.. فقد كانت ربنا يخليها لي.. شديدة «الصرامة» رغم طيبتها وحنينها لا تسمح لنا بالغلط أبدا.. فكان «الالتزام» الذي بات سمة شخصية «ليلي» «ولمياء» ومن قبلهما الأم طبعا. وليلي وهي الفنانة ذائعة الصيت ذات الشخصية القوية وكل الشهرة التي تتمتع بها.. إلا أنها أمام والدتها السيدة العظيمة تعمل لها ألف حساب.. أما «ستيللا» الأم الحنون.. فتقول الحمد لله أني عندي بنت زي «ليلي».. أنا محظوظة.. وذلك عندما مرضت وأجريت عملية جراحية في القلب مؤخرا في باريس.. فقد تركت ليلي كل شيء وبقيت بجوار الأم حتي تعافت تماما.. تاركة ابنها «خالد» نور عينها في رعاية شقيقها «لمياء»..
أمومة «ليلي» مارستها مع العرائس الصغيرة التي تعشقها وتعشق اللعب بها صغيرة.. بعد ذلك كانت مع «فرح» و«هنا» ابنتي شقيقتها.. وقد كانت واحدة من أسعد أيام «ليلي».. ليلة «زفاف» فرح.. وقد لا يعرف الكثيرون أن «ليلي» لها ستة أطفال بالتبني تكفلهم منذ سنوات طويلة مضت.. كبروا الآن وتعدوا مشارف الشباب.. وليلي مازالت تواليهم بمسئوليتها ورعايتها. حب.. وحنان «ليلي» لخالد الابن لا حدود له.. فهو أغلي وأعز حاجة عندها.. ورغم دلعها «لخالد».. إلا أنها صارمة معه.. وهو «طفل» دمه خفيف وشديد الذكاء ورث عنها حب الفن.. ويهوي التصوير.. وكثيرا ما تصطحبه معها في البلاتوهات والاستديوهات لأنها كما تقول.. «عليه أن يدرك طبيعة العمل الذي أقوم به ويجعلني أتغيب كثيرا عن المنزل»..
المسئولية التي تربت عليها «ليلي» والدور الإيجابي في الحياة.. هو ما جعلها وأثناء برنامج تكريمي لها في مهرجان دبي السينمائي.. تغادر صباحا في هدوء دون أن يشعر بها أحد لتأتي للقاهرة لمدة ساعات تشارك برأيها في الاستفتاء لتعود في المساء.. في رحلة شاقة.. لكن مواكبة كل الأحداث في مصر ضرورة قومية نابعة من إحساسها ببلدها.. ومن هنا كان نزولها في التحرير في 25 يناير.. وبعدها 30 يونيو. سألوها ممكن تهاجري.. غضبت قائلة «ازاي أسيب بلدي مصر» دي اللي أنا اتربيت فيها وماليش غيرها.. مع إننا نعرف أنها من الممكن أن تعيش في اليونان وأي بلد أوروبي بحكم الانتماء «للأم» ذات الأصول اليونانية.. لكن الحقيقة أن «ستيللا» نفسها لم تفكر أبدا في ترك مصر. ومهما لفت الدنيا «وجابت طولها وعرضها» تظل مصر هي الأم والحضن.. وإجازاتها الصيفية تقضيها مع أسرتها وأصدقائها في الساحل الشمالي.. حيث البحر الذي تعشقه وهي بالمناسبة تجيد السباحة.. إجازة تتخلص فيها «ليلي» من كل الأعباء.. تعيش خلالها ابنة وزوجة وأما وصديقة..
السينما عشق كبير.. وحب بلا حدود.. من أجلها ولتحقيق طموحاتها الفنية الثرية أسست شركة الإنتاج.. لتنتج ما يعتبره الآخرون صعبا ولن يحقق ربما نجاحا تجاريا فكان «سمع هس». ورغم أنها مثل غيرها من فنانين في حالة ابتعاد إجباري عن السينما في ظل الظروف التي تعيشها إلا أنها تقرأ وتبحث عن دور وسيناريو جيد.. ويوم أن تعثر علي الورق الجيد.. لن تتردد أبدا في الوقوف أمام الكاميرات من جديد.. ما خفف من وطأة هذا الابتعاد المسلسلات التي قدمتها للتليفزيون في الأعوام الأخيرة فأدوارها لا تنسي.. «نابليون والمحروسة» «حكايات وبنعيشها» «فرح ليلي».. «شمس» كلها أدوار مغايرة ومتباينة.. تحمل الأمل في طياتها وتطرد شبح اليأس.. يخطر في بالي الدور الإيجابي «للأب» في كل هذه المسلسلات.. ولا أقول تهميش للأم.. لأنها متوفاة.. والأب يتحمل مسئولية المشاركة مع ابنته.عندما أبديت لها الملحوظة وهل هذا تعويض لدور الأب في الحياة بعد الانفصال.. ردت بصراحتها المعهودة.. ربما لكني لا أعتقد .. لكن رأيت من واجبي أن أنبه الآباء أن دورهم مهم في الحياة.. وأنه في الفترة الأخيرة يكون الأب مهموما بعمله مشغولا به.. أو مسافرا من أجل توفير احتياجات أسرته.. وهذا يعني غيابه وافتقاد الدور الذي يجب أن يلعبه في الأسرة.. وغيابه يترك فراغا لايعوض.. وتأثيره يبدو منعكسا وواضحا علي الكثيرمن الشباب.. في سلوكياتهم ورؤيتهم للحياة.. فالنقود التي يرسلها الآباء الذين يعملون في الخارج لأبنائهم.. ليس فيها أي حماية بل قد تكون مفسدة في بعض الأحيان.
إذا كانت «ليلي» حققت نجومية عالية وهي في سن صغيرة.. وتشعر بالامتنان لفنانين كبار لتشجيعهم لها في مشوارها الفني «يحيي الفخراني» في أهم أفلامها «خرج ولم يعد» الذي برعت فيه مواهبها الحقيقية في التمثيل.. وكذلك نور الشريف.. فإن ذلك هو الذي يدفعها إلي إعطاء الفرص لوجوه جديدة تشاركها الأعمال الدرامية.. بالإضافة لفنانين آخرين كان تنوع أدوارهم أمامها يحقق مزيدا من الشهرة لهم. «باسم سمرة» هذا الممثل العملاق في الدور الكوميدي الذي أداه في «حكايات بنعيشها».. وكذلك «فهد عابد» في كابتن عفت.
ولأن «ليلي» تختار أدوارها بعناية فائقة.. فتوقيعها بالموافقة علي دور ليس سهلا.. لأنها بداية ترفض فكرة التواجد فقط..بل الجدية والتنوع فإنها تعتبر كل دور أدته صغيرا أو كبيرا عزيزا عليها.. تعاملت معه بكل جدية وأخذ من وقتها الكثير للتحضير للشخصية بحثا في كل تفاصيلها.. ومن هنا كان أداؤها صادقا ولهذا استحق مسلسلها الأخير «شمس» جائزة أحسن مسلسل في المركز القومي للمرأة. والجوائز في حياة ليلي كثيرة.. وهي تتويج لاختياراتها.. ودعم للأدوار التي قدمتها بالتأكيد تسعدها.. لكن مايسعدها أكثر هو حب الجماهير لها والتفافهم حولها.
في مشوار الفن لا تتأخر أبدا عن أي واجب قومي أو مشاركة في النهوض بصناعة السينما.. وفي تواجدها في مجلس إدارة المركز القومي للسينما.. وماتملكه من رؤية واقتراحات بالتأكيد سوف يدعم هذه الصناعة التي يجب أن تهتم بها الدولة ويعود لها دور في دعمها.. فصناعة السينما في مصر قديمة.. وهي أحد الأسباب القوية التي فتحت منافذ الريادة في مصر والعالم العربي.. دعم السينما هو دعم للجمال ومفتاح للتنوير ومحاربة الإرهاب.. إن ليلي تدرك أن حب الفنون الذي تربت عليه هو الطريق الحقيقي لتقدم الأمم.
إن الوسط الفني في مصر بخير بوجود «ليلي» فيه وجيل كامل من فنانات وفنانين «يسرا وإلهام شاهين». «نور الشريف ويحيي الفخراني» إلخ أجيال تتلاقي تنقل الخبرات والمحبة يجمع بينهم «الاحترام» وبالتأكيد المحبة دون المساس طبعا بالمنافسة الجميلة.. إن الروح التي تجمع فناني مصر حتي وإن كانت متمثلة في البعض منهم إلا إنها كافية بأن تجعل «الحياة أحلي» لأن الفن حياة.