تتضاءل أحزاننا عندما نجد يدا حانية تمسح دموعنا وتذوب همومنا عندما نبوح بها لقلب ينصت لأناتنا أمام همومك ومشاكلك نمد جسور التواصل وستجد وسط أحزانك قلبي دائما معك. قلبي مثل كل الأمهات لايكف عن الدعاء لفلذة كبدي من أجلها تهون مصاعب الحياة . ومثل معظم الأمهات رضيت بنصيبي ولم أفكر في الطلاق رغم الخلافات الكثيرة التي كانت بيني وبين زوجي. كنت أخشي علي ابنتي من تبعات الانفصال. توهمت أن مشاعر زوجي ستظل علي ماكانت عليه في بداية تعارفنا وطوال فترة الخطوبة وسنوات الزواج الأولي . كان ودودا يمطرني بحبه وهو ماجعلني أفضله علي كل من تقدم لي. كان كل أملي أن أشعر بحب حقيقي صادق يكنه لي قلب رجل بكل ماتحمله الكلمة من معني. وتوهمت أنني وجدته. كان يفعل المستحيل لإرضائي وبادلته عطاء بعطاء أكبر، خمسة عشر عاما مضت بهدوء صحيح أن حياتي الزوجية لم تسلم من شجار ومشاحنات لكنني نجحت في اجتيازها بحكمة وعقل وهو مازاد من تقدير زوجي لي . لكن كل مافعلته لم يشفع لي ولم أستطع أن أوقف زحف الخطر الذي بدأ يتسلل إلي حياتي بعدما اقتحمتها السكرتيرة الشابة الفاتنة التي التحقت للعمل بمكتب زوجي. عرفت منذ أن وقعت عيني عليها أن لديها طموحا لاحد له أن أول خطوة لتحقيقه تبدأ بقلب زوجي صاحب الشركة . حاولت إقناعه بإبعادها عن العمل لكنه لم يستجب وساق حججا واهية. لم أستطع التحمل أن تشاركني زوجي أخري وآثرت أن أجنب ابنتي حياة غير مستقرة يسودها الشجار وعدم الاحترام الذي طغي علي علاقتي بوالدها بعد زواجه . لكنه لم يعطني الفرصة للاحتفاظ بالحد الأدني من المودة وتنكر لالتزاماته وواجباته ولم يتحمل نفقات تعليم ابنته إلا في أضيق الحدود. ولولا دخلي الكبير من عملي بأحد البنوك فضلا عن ميراثي من والدي ما استطعت تحمل المسئولية. ونجحت بعذاب أن أقودها لبر الأمان بعدما حصلت علي شهادتها الجامعية. تخرجت وصارت عروسا جميلة يخطب ودها الكثيرون . وهنا ظهرت مشكلة أخري وهي تعنت والدها وإصراره علي رفض كل من يتقدم لابنتي وكل مرة يسوق حجة مختلفة حتي اتضح السبب الحقيقي وهي رغبته في تزويجها من شاب يمت له بصلة قرابة وهو ماترفضه البنت . وأمام رفضها هددها بأنه لن يتحمل نفقات زواجها إذا مارفضت هذا الشاب. أنا في حيرة هل أشجع ابنتي علي الرفض أم أمنعها من ذلك حتي لا أحرمها من مساعدة والدها وأنا في أمس الحاجة إليها ؟ لصاحبة هذه الرسالة أقول : دعينا أولا نتفق علي أن تحمل الأب لتكاليف زواج ابنته لاتعد مساعدة أو منة أو أمرا قابلا للمساومة. لكنها واجب مفروض عليه صحيح أنه قصر في أداء واجبه طوال حياته لكن هذا لاتقع مسئوليته عليه وحده لكنك أخطأت أيضا في تنازلك عن هذا الحق فكان عليك الوقوف بحزم للحصول علي حقك وحق ابنتك وإجباره علي الالتزام بواجباته تجاهكما. لكنك آثرت الانسحاب مثلما تركت للأخري فرصة اصطياد زوجك دون مقاومة. عليك استجماع قوتك وشجاعتك والثقة في أن ما تطلبينه هو أبسط حقوق ابنتك ليس فقط فيما يتعلق بالتزامات والدها المادية وتحمل نفقات زواجها ولكن أيضا في حقها في إختيار زوج المستقبل. ليس من حق والدها المساومة وإجبارها علي الزواج من شاب ترفضه ولاتراه مناسبا لها . وعليك أن تساعديها علي ذلك وعليك أيضا مساعدتها للحصول علي كل حق سلبه منها والدها . وثقي أن ضعفنا وسلبيتنا وتهاوننا وراء ضياع حقوقنا واستقواء الطرف الآخر واستمرائه في عدم الالتزام بواجباته ومسئولياته. قسمة ونصييب أؤمن بأن الزواج قسمة ونصيب لكن أمي هي من لم تؤمن بذلك . أجبرتني علي قبول أول عريس يتقدم لي . وقتها كنت مازلت صغيرة في المرحلة الثانوية. كان لوفاة والدي المبكر الدافع الأكبر فيما أقدمت أمي عليه كنت أصغر من أن أقاوم وأناقش. استسلمت لرأيها لكن فارق السن الكبير بيني وبين خطيبي والخلافات المستمرة بيننا كل ذلك دفعها لتلبية رغبتي وفسخ الخطوبة.كم شعرت بالراحة بعدها وهو ماشجعني علي الاهتمام بدراستي. وبالفعل نجحت والتحقت بكلية الآداب. أمي لم تكف عن محاولاتها لتكرار تجربة خطبتي لكنني رفضت وصممت علي استكمال دراستي . بعدها بحثت عن عمل مناسب ثم واصلت استكمال دراستي العليا . حتي الآن لم أعثر علي الشاب المناسب لكن مشكلتي الأكبر هي أمي التي تريد مني الارتباط بأي شاب بغض النظر عن مدي توافقنا . مازلت أؤمن بأن ضل الحيطة أفضل من ضل رجل محسوب عليهم مجاملة فهل أنا مخطئة؟ لصاحبة هذه الرسالة أقول : لم تخطئي لكن الخطأ في مجتمع مصاب بقصر النظر في تعامله مع كل فتاة في مثل ظروفك . لم تخطئي عندما كنت صريحة مع نفسك ومتوازنة في اختياراتك وممارسة لحقك الطبيعي في اختيار الزوج المناسب ، فلاتعبئي كثيرا بنظرة مجتمع لازال يشوبها الكثير من عدم النضج وتأكدي أن ضل الحيطة في كثير من الأحيان يكون أكثر أمانا من ضل رجل مزعج أناني غير مسئول أو آخر مزواج أوثالث متسلط سليط اللسان الذين حولوا حياة زوجاتهم إلي جحيم . كم من زوجات تعيسات يتحملن والسبب أيضا نظرة مجتمع لاترحم من تحمل لقب مطلقة الذي يتعامل المجتمع مع من تحمله معاملة لاتقل نفورا من تعامله مع من لم يوفقها الله لابن الحلال . وما أحوجنا لتغيير هذه النظرة المتعنتة التي تمنعنا من مكاشفة النفس وعدم خداعها وإرغامها علي خيارات ترفضها وهو مايزيد من تعاستنا فيها.