في شارع الخيامية، تتأكد أن ما خفي كان أعظم؛ فالمحلات السياحية الموجودة في قصبة الرضوان، التي أنشأها الأمير رضوان بيك الفقاري الجركسي أمير الحج المصري عام 1060ه 1650م، والقريبة من بوابة المتولي، عند تقاطع شارعي تحت الربع والدرب الأحمر، تشعرك أن الأمر مستتب إلي حد ما، وأن ما ينقصها قليل من الترميم ورصف الطريق. لكن ما إن تكرر الجولة وتستمع إلي حكايات الأهالي تكتشف أنك تجاوزت بوابة كبيرة وراءها كارثة أكبر. هذه البوابة تأخذك إلي قصر رضوان، المتهالك، المتحطمة شرفاته وأبوابه، بفعل عوامل النسيان، التي حوّلته إلي مجرد بيت مهجور، تسكنه الفئران والقطط والثعابين والأشباح. هكذا يظن من يتأمل القصر، الذي يصيبك بفاجعة، خصوصاً عندما تتأكد أن هناك من يأبي أن يتم ترميمه وعودته إلي جماله من جديد، إذ سقطت لوحة معلقة أمامه، منسوبة إلي وزارة الثقافة، مكتوب عليها: «مشروع تطوير القاهرة التاريخية المرحلة الأولي». ما يجعلك تستنتج أن لا مراحل ترميم تمت هنا.. الانتهاك يتمثل في تحول مدخل القصر الشاسع الذي يشمل أيضا القصبة إلي ورش للنجارة ومكان يلقي فيه ركام صناعة الموبيليا، حتي تكاد تعتقد أن هناك حصاراً من الأخشاب المرتفعة جعل القصر يعاني من نكبة أبدية، لأن قانون الصنايعية يفضل «أكل العيش» علي أي شيء آخر. مازال هناك من يدرك قيمة الأثر، يحدثنا سيد محمد، الذي يمتلك الورشة المطلة علي القصر، إنه شاهد علي مراحل الانهيار، منذ صغره، عندما كان للقصر سور من الأرابيسك، وكانت أبوابه وجدرانه مزخرفة، ومطعمة بالأحجار، يتذكر: « لن أنسي وجه إحدي السائحات عندما زارتنا منذ أكثر من عشرين عاماً، حين رأت أن شكل القصر غير الموجود في الكتاب الذي تحمله، فبكت من الحسرة، أعتقد أنها إذا أتت اليوم لن يمكنها التعرف عليه». يري سيد أنه لا غني عن لقمة العيش، لكنه في الوقت نفسه لا يمانع إذا طلبت وزارة الآثار إخلاء المكان لأجل الترميم، بشرط أن يعودوا ثانية، أو يوفروا لهم مكاناً للورش، يستكمل: «المهم الناس اللي عايشة جوا القصر ترضي تخرج منه». يقول إن هناك أسرتين تعيشان منذ سنوات طويلة في القصر، دون أن يكون معهما تصريح أو ورقة تفيد الورث أو الإيجار. هكذا حال القصر، اختفت منه معالم التاريخ، ولم يبق منه سوي جدران، لكن لاتزال قيمته محفورة في أذهان الناس. يحكي الحاج مجدي شفيق: «كانت قصبة رضوان فندقاً للتجار العرب، يأتون إلي الوكالة فيتركون مواشيهم وبغالهم وخيولهم في الطابق الأرضي ويمسون في الأدوار العلوية ليقضوا ساعات وربما أياماً، حتي ظل هذا المكان يدر دخلاً للقاهرة في العصر المملوكي لا يقل شيئًا عن الدخل القومي للبلاد حاليًا». يلتقط منه خيط الذكريات، محسن عبد الله قائلاً إن قصبة الرضوان كان يعيش فيها سكان في خمسينات القرن الماضي، حتي أطلقوا عليها الربع، وأطلقوا علي الشارع العمومي تحت الربع، وعندما استلمتها وزارة الآثار تم ترميمها علي عدة مراحل، لكن لا يزال ينقصها الكثير.