مهنة الشمّام معروفة لدي صنّاع العطور، والعارفين بأسرار تراكيبها في الدول التي تشتهر بصناعة العطور مثل فرنسا، وإن كان الأمر في مصر محدوداً في هذا الإطار، إلا أنه معروف في أوساط المتخصصين في تركيب العطور الزيتية، وهي المهنة التي توارثها المصريون منذ زمن الفراعنة قبل حوالي خمسة آلاف سنة. محمد سيد، محاسب في إحدي الشركات الخاصة بالإسكندرية، لكنه منذ نحو خمس سنوات قرر خوض العمل في مجال العطور، فأنشأ شركة صغيرة لتصنيع العطور. يقول محمد (37 عاماً) ل"آخرساعة": أنا شغوف منذ نعومة أظفاري بالروائح الزكية، وأحرص علي التعطر دائماً، وكنت أنفق قسطاً كبيراً من راتبي الشهري علي شراء أشهر الماركات العالمية، إلي أن قررت خوض التجربة بنفسي، لتقليد العطور الشهيرة، والمسألة تعتمد علي صناعة التركيبة بشكل جيد من عدد من الزيوت العطرية وبعض الخامات الأخري، وكل هذا يتم بقدر محسوب، فالغلطة تُحوِّل العطر إلي نوع آخر، وربما تنجح في ابتكار رائحة جديدة قد تكون أفضل أو أسوأ. "أنا شمام محترف". قالها محمد بفخر، وتابع: خبرتي في تحديد أنواع العطور ورائحتها بدقة، جعلتني أنجح في صناعة التراكيب العالمية بحرفية فائقة، حتي أن زبائني من أصحاب محلات العطور التي تقصدني لشراء منتجاتي ينبهرون من دقة الروائح التي يشمونها في كل زجاجة تحمل اسماً مقلداً لعطر شهير. يضيف محمد: هناك طريقتان لاختبار العطر، إذ يلجأ خبراء الشمامين إلي اختباره علي الجلد، بينما يفضل آخرون استنشاق عبيره عبر قطعة قماش، وإن كان مشاهير العالم في هذه المهنة يفضلون الطريقة الثانية، لأن العطر يتأكسد علي الجلد، وبالتالي تنتج عن هذا رائحة جديدة مع الوقت. بيرفيوم مهنة الشمَّام وخبير تصنيع العطور رصدتها أعمال أدبية عديدة، لكن أبرزها علي الإطلاق، رواية Parfum أو العطر للكاتب الألماني باتريك زوسكيند التي صدرت عام 1985 وتم تحويلها إلي فيلم سينمائي حقق نجاحاً كبيراً، اعتماداً علي نجاح الرواية التي تُرجمت إلي أكثر من 45 لغة، وباعت حوالي 15 مليون نسخة حول العالم. تدور أحداث الرواية في القرن الثامن عشر في فضاءات باريس وأوفرن ومونبيلييه وكراس، وتروي "العطر" سيرة حياة جان باتيست جرونوي، الشخصية الغرائبية المنبثقة من عوالم باريس السفلية والمتملكة لحاسة شم إعجازية. تسرد الرواية تطور حياة العطار جرونوي وكيف أصبح إنساناً مجرداً من مفهومي الخير والشر، لا يحركه إلا شغف بشحذ مواهبه في سبر أغوار العطور والروائح، ولا يحده أي وازع أخلاقي، حيث قتل العديد من البشر لاستخراج أعظم رائحة عطر عرفتها البشرية. ناقد طعام ومن الشمّام إلي الذوّاقة، أو بالمعني الأدق "ناقد الطعام"، الذي يُقيِّم أداء ومستوي المطاعم، فلم يكن عمرو حلمي (24عاماً) يتخيل أنه سيصبح ذات يوم أول ناقد طعام في مصر والعالم العربي، وهي مهنة معروفة في معظم بلدان العالم المتحضر، هدفها تقييم أداء ومستوي المطاعم ومنحها "درجة الإجازة". عمرو لم يكن سوي شاب يحب التذوق، ويهوي أن يجرب تناول الأكلات الجديدة، ونظراً لاستيائه من معظم المطاعم وشكواه من عدم جودة الأطباق التي تقدم فيها، قرر أن يتحول إلي "ذواقة" ينقد كل ما يقع أمام عينيه ولسانه من سلبيات في محال الوجبات علي اختلاف درجاتها، بدءاً من عربات الفول المدمس في المناطق الشعبية، وصولاً إلي أرقي وأشهر المطاعم التي تحمل طابع "الفايف ستارز" في الأحياء الراقية. تبدو المهمة سهلة، فقد دشَّن عمرو الذي يعمل بالأساس "مونتير وستايليست بشكل حر"، صفحة علي موقع التواصل "فيسبوك" في يناير الماضي، وقرَّر أن يتناول وجبتين في مطعمين مختلفين يومياً، وأن يكتب تقريراً بشأنهما، مصحوباً بصور يلتقطها بالكاميرا للأطباق التي تناولها، وفي غضون أيام قليلة لفت أنظار مئات المعجبين بالفكرة، الذين تفاعلوا معه، وبدأوا في طرح تساؤلاتهم عن مطاعم بعينها يستعدون لزيارتها للاستمتاع بأطباقها، لكنهم ينتظرون رأي عمرو فيها. ولأن هذا الناقد الشاب يعيش بمفرده منذ نحو سبع سنوات، ويضطر إلي تناول معظم وجباته خارج المنزل، لم تكن لديه مشكلة في مواصلة العمل، وتطوير الفكرة، بل وتوسيع نشاطه بكتابة تقارير عن عدد كبير جداً عن المطاعم في أرجاء القاهرة، لتتحول المسألة من مجرد فكرة إلي عمل شبه يومي يواظب عليه، وبخاصة أن صفحته علي "فيسبوك" ازدادت شهرة وأحدثت صدي واسعاً، وفي غضون أشهر قليلة تجاوز عدد متابعيها 45 ألف عضو. حول هذه المهنة الغريبة، يقول عمرو حلمي ل"آخرساعة": ناقد الطعام معروف جداً في الغرب، فهو خبير في تحليل الطعام ومعرفة مكوناته الأصلية، ودوره ينحصر في تقييم المطاعم، ونقاد الطعام في الدول الغربية يعملون في صحف كبيرة ولهم سلطة كبيرة حيث إن ما يكتبونه من تقارير عن المطاعم قد تتسبب في إغلاق السيئ منها، الذي لا يلتزم القواعد والمعايير، ويعد العمل الرقابي الذي يمارسه ناقد الطعام بمثابة سلطة موازية لوزارة الصحة. يتابع: التقييم يكون علي أساس مستوي الخدمة التي يقدمها المطعم وأسعار الطعام ومدي التزام المطعم بمعايير النظافة، بل يمتد عمل ناقد الطعام إلي حد تقييم الديكور ومستوي التهوية وطريقة استقبال الزبون وتقديم الطعام له، مشيراً إلي أن مصر ليس فيها متخصص في كتابة تقارير عن الطعام بهذا الشكل، لكن فقط أصبح هناك محرر يكتب عن الأكل "Food Reviewer" وحتي هذا ظهر مؤخراً فقط، لكن لا أحد يهتم بالأكل ذاته وتقييمه. ويؤكد عمرو أنه لا يفصح عن شخصيته أو ما ينوي القيام به حين يدخل أي مطعم، بل يطلب قائمة الطعام، ويرصد أسعار الأطباق، ويتابع أدق تفاصيل المكان، وحين يضع النادل الوجبة أمامه، يلتقط لها صورة بالكاميرا قبل أن يشرع في تناولها بفم ناقد، مشيراً إلي أنه يحرص علي مقابلة "الشيف" الذي أعد الوجبة إذا استحسنها، حتي يشكره بنفسه، بينما يكتب في المطعم تقريراً لاذعاً إذا لم يعجبه الطعام أو طريقة تقديمه. "يذهب الناس إلي المطاعم ويدفعون مقابلاً مادياً كبيراً، بينما مستوي الطعام وجودته والخدمة التي يحصلون عليها سيئة للغاية"، قالها عمرو باستياء، مضيفاً: للأسف ليست تلك مهمة المطاعم بل هي مشكلة المواطن الذي تغلب عليه السلبية، ولا يطلب تعويضاً حتي في حالة إصابته بتسمم غذائي. عمرو حوَّل صفحته علي "فيسبوك" إلي ساحة للدردشة عن الأكل والمطاعم، حيث يشن حملاتٍ ضد بعض المطاعم السيئة لتوعية المواطنين بخطورة قصدها، وإجبار هذه المطاعم علي تحسين مستواها، ولا يقتصر الأمر علي مطاعم "الفول والطعمية"، بل يمتد إلي مطاعم "فرانشايز" العالمية، التي رصد ناقدنا سلبيات كبيرة فيها ونشر صوره علي أبوابها رافعاً لافتة كتب عليها "وجع بطن بفلوس كتير". ضبط المزاج أما مهنة "الخرمنجي" فالهدف من ورائها الحفاظ علي نكهة اعتاد عليها المستهلك، وهي موجودة في مصانع القهوة والشاي والسجائر، لكن محمد نصر موظف بالمعاش في الشركة الشرقية للدخان "إيسترن كومباني"، يقول ل"آخرساعة" إن هذه المهنة لم تعد موجودة، وتم استبدال الخرمنجي الذي كان يلعب دوراً مهماً كضابط وضامن لجودة المنتج، بأجهزة حديثة تقوم بالمهمة ذاتها. يتابع العم نصر: شركات التبغ كانت تعتمد بشكل أساسي علي الخرمنجي لأن لديه من الخبرة ما يؤهله لممارسة التدخين إلي حد الشراهة بما يجعله يميز مذاق ورائحة السيجارة، بل تمتد خبرته إلي تحديد النسب التي تخرج بالسيجارة في مذاقها المعتاد إلي مدخنيها، لذا نجد أن كل نوع سيجارة يختلف في مذاقه ورائحته عن غيره من الأنواع الأخري، ويرجع الفضل في ذلك إلي "الخرمنجي". ويؤكد أن مهنة "الخرمنجي" كانت من الوظائف التي لا يمكن أن تكون الواسطة أو المحسوبية لها دور في تعيينه لأنه يعتمد علي موهبته وخبرته في تقييم المنتج، وكان يستمر في عمله بالشركة إلي أن يفقد حاسة التذوق والشم أو بالمعني الدارج حين يفقد القدرة علي تحديد معايير ضبط "المزاج".