استهدف الإرهاب الغاشم جنودنا في شهر رمضان المعظم، فلم تكن الدماء الطاهرة التي سالت في حادثة رفح الأولي التي وقعت في رمضان 2012 وراح ضحيتها 16 جندياً هي الأخيرة، بل تكرر المشهد الخسيس مجدداً، لكن هذه المرة بعيداً عن أرض سيناء التي سبق وتعطرت بدماء شهدائنا في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، ومن بعدها بسنوات طويلة حادث الغدر في رفح، بل تسللت يد الإرهاب الغاشم إلي العمق وإلي مناطق نائية جديدة، لتشهد منطقة الفرافرة السبت الماضي حادثاً إرهابياً جديداً يودي بحياة 23 جندياً، تطوف أرواحهم الآن في رحاب السماء. وقد بدأت القوات المسلحة عقب الحادث تنفيذ العملية «ثأر1» تحت إشراف وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي لتعقب الجناة.
سيناريو معتم يخيّم علي الأجواء في الوادي الجديد، عصر يوم 19 يوليو الموافق 21 رمضان، عند نقطة حرس الكيلو 100 طريق الواحات الفرافرة، فقد سيطرت حالة من الحزن علي ضباط وأفراد قوات الجيش والشرطة، الذين تواجدوا في مكان الحادث تمهيدا لتمشيط المنطقة المحيطة والقصاص لأرواح الضحايا الذين روت دماؤهم الزكية رمال الصحراء الغربية بعد أن رفضوا الاستسلام لرصاصات الغدر ودافعوا عن تراب الوطن حتي فقدوا أرواحهم مع خروج آخر نفس من صدورهم وآخر رصاصة أطلقوها من سلاحهم وتلقيهم رصاصات غادرة من أسلحة ثقيلة جعلتهم ينالون الشهادة وهم صائمون. 23 ضابطاً ومجنداً من قوة نقطة حرس الحدود بالكيلو 100 بطريق الواحات الفرافرة، هم ضحية هذا الإرهاب الغاشم، أبوا أن يستسلموا لرصاصات الإرهاب التي أرادت النيل من كرامة الوطن كانوا يطلقون الرصاص من أسلحتهم في الوقت الذي يتلقون فيه رصاصات غدر من أسلحة ثقيلة وهم يطلقون صيحات «الله أكبر» ولسان حالهم يقول نلنا الشهاده ونحن صائمون. في حين تقدم الجنازة العسكرية التي أقيمت لشهداء الحادث مطار ألماظة الرئيس عبد الفتاح السيسي.. والذي توجه بخالص العزاء إلي أسر الشهداء، قائلاُ: «والله ياريتني كنت مكان ولادكم، دول ضحوا بحياتهم علشان إحنا نعيش، فهم يخوضون المعركة ضد الإرهاب مكان المصريين». ليرد أحد الأهالي قائلاً: «كلنا فداك وفدا مصر يا ريس». «آخرساعة» انتقلت إلي موقع الحادث لترصد ما دار من أحداث وتفاصيل استمرت فيها عملية إطلاق النار ساعة كاملة بين أفراد حرس الحدود وثلاث سيارات جاء بها الإرهابيون إلي ذات النقطة التي هاجموها خلال أبريل الماضي. حصلنا علي انفراد من مصادرنا التي أكدت أن الحادث الإرهابي الغاشم بدأ بقيام انتحاري بإيقاف سيارة ماركة «تويوتا تايلاندي» سوداء اللون واندفع نحو المجندين والضباط لإحداث عملية تموية لهجوم غاشم من خلف النقطة بأسلحة «آر بي جي»، من ناحية الحدود الليبية لتدور معركة استمرت قرابة الساعة. اشتباك شهود العيان أكدوا ل«آخرساعة» أن الحادث وقع حوالي الساعة السادسة من عصر يوم السبت الماضي، عندما كان أفراد النقطة يستعدون للإفطار منهم من كان يقرأ القرآن في مصحفه ومنهم من يراقب الطريق من أعلي النقطة ومنهم من كان يعد طعام الإفطار للمجموعة ليفاجأوا بسيارة تويوتا تايلاندي، «دوبل كابينة» سوداء اللون تحمل لوحات معدنية رقم «م ج ر - 294» تقف أمام النقطة ينزل منها انتحاري يرتدي حزاماً ناسفاً ليفجر نفسه بعد لحظات من نزوله من السياره ليفاجأ أفراد النقطة في نفس لحظة تفجير الانتحاري بقذائف «آر بي جي» تنهال علي نقطة حرس الحدود من الخلف من اتجاه الحدود الليبية. بعدها بلحظات تأتي سيارتان إحداهما تركها الإرهابيون من النقطة التي هاجموها منذ شهرين وهي سيارة ماركه تويوتا لاند كروزر «بيك أب» بيضاء اللون ولا تحمل لوحات معدنية لينزل منها الإرهابيون ويطلقون النيران من أسلحة النصف بوصة والجرينوف صوب نقطة الحدود ليرد عليهم الأفراد من داخل النقطة ويبدأ تبادل إطلاق النار بين الطرفين ويستمر 37 دقيقة استطاع خلالها ضابط من أفراد النقطة قتل ثلاثة إرهابيين قبل أن يستشهد ليترك الإرهابيون سيارتهم بعد أن غاصت في الرمال واستقلوا سيارة أخري، بعد أن أخذوا جثث الإرهابيين الثلاثة ولاذوا فراراً. لحظة الهروب وتمضي رواية الشهود إلي أن الإرهابيين بعد أن نفذوا الجريمة لم تتبق معهم سوي سيارة واحدة «تويوتا تايلاندي» بيضاء اللون وهربوا بها في اتجاه محافظة المنيا، لكي يختبئوا في إحدي المزارع أو المناطق الجبلية، ورجح الشهود ذلك لعدم تمكن الإرهابيين من العودة باتجاه الحدود الليبية كونها منطقة رمال ويسهل تعقبهم فيها. فور هروب الإرهابيين، كان من بقي علي قيد الحياه من قوة النقطة البالغ عددها 30 فرداً، ثمانية أحياء فقط بينهم أربعة مصابين قاموا بإبلاغ الجهات المختصة في منطقتي الواحات البحرية بالجيزة والمنطقة العسكرية الجنوبية ليتم علي الفور الدفع بسيارات الإطفاء والإسعاف وقوات حرس الحدود وطائرة لنقل الشهداء والمصابين من موقع الحادث ليتم بعد ذلك تمشيط المنطقة خلال ليلة الأحد، للبحث عن الفارين. مسرح الجريمة خلف الحادث الإرهابي دماراً شاملاً بنقطة حرس الحدود، حيث احترقت النقطة بالكامل، وانفجر مخزن الذخيرة، ما أدي إلي ارتفاع عدد الشهداء كما احترقت سيارتا لوري لنقل الجنود والذخيرة سيارة تويوتا لاند كروزر «بيك أب» مثبت عليها مدفع متعدد وطالت التلفيات سيارة رابعة اخترقتها طلقات الرصاص، كما اخترق المدفع الجرينوف المثبت أعلي نقطة حرس الحدود وتعرض جهاز الرؤية الليلية لتلفيات. بعد ساعات من وقوع الحادث وبحلول الساعة الثامنة من صباح الأحد الماضي وصلت مروحية عسكرية إلي موقع الحادث علي متنها قيادات عسكرية وخبراء مفرقعات طالبوا المتواجدين في محيط الحادث بالابتعاد عن السيارتين اللتين تركهما الإرهابيون تمهيدا لفحصهما، بعدما قاموا بالتشويش علي شبكات الهاتف المحمول في المنطقة، تحسباً لأي تفجيرات أخري، بعدها قاموا بفحص السيارتين لمدة نصف ساعة حيث تبين خلو إحدي السيارتين من أي مفرقعات، بينما تبين وجود قنبلتين يدويتين في السيارة الأخري.