لكل منا حكاية.. يتفتت القلب حتي يرويها.. فيستريح ولو لدقائق يجمعنا في تلك السويعات إحساس دافئ بالتكاتف وبأننا لسنا لوحدنا في شجوننا ومشاكلنا الصغيرة قبل الكبيرة.. قد نفرغ ما في صدورنا من تعب السنين أو حيرة بداية العمر.. نلقيها لمن نستريح ونثق فيه.. وقد تلقي بنا الصدف ولو للحظات مع إنسان فنجد ألسنتنا تفضفض للغريب ما خجلنا عن الاعتراف به للقريب. حدث بالفعل.. جملة تكتب قبل بداية بعض الأفلام علي أن أحداث تلك الحكاية قد حدثت لناس مثلي ومثلك. أي أنها ليست من خيال الكاتب ومع ذلك قد تكون وقائعها أغرب من جموح أغربها خيال كاتب.. فإنما الحياة مسرح كبير علي رأي فناننا الكبير فنان الشعب وهو لقب يستحقه ابن الباشوات عن جدارة يوسف بك وهبي فلقد انحاز لطبقات الشعب الفقيرة والمظلومة وكانت أفلامه تشي بأن روحه.. كانت خارجة توا من تحت أقدام طمي بلدنا.. ولم تبعده أمواله ولا أصله عن الإحساس بهم.. لعل في شخصية ذلك الفنان العظيم يكون درسا لكل من غرق في أنانيته سواء كان مسئولا عن مواطنين. أو رعية.. أو حتي عن أسرته الخاصة أو الموظفين الغلابة الذين يرأسهم.. أو ربة منزل طوحها طموحها بعيدا عن مصلحة البيت والأولاد.. رغم أن القانون لا ينصفها إذا أطاح بها الزوج بعد سنوات العشرة الطويلة.. فيترك ظهرها للحائط.. تندم علي تخليها عن عملها. فتقبل ما لا تقبله الحرائر.. وتعيش عبدة مقهورة لزوج لم يعرف العدل ولا الرحمة طريقا إلي قلبه مستندا علي قانون يتواطأ معه ببطء التقاضي للقضاء علي حقوق العيال وأمهم تماما.. حكاية رقم واحد: جمعتنا الصدفة في عيادة الدكتور الشهير ذي القلب الرحيم د.أسامة علوان.. إخصائي المخ والأعصاب الذي تمتلئ عيادته بالبسطاء والأغنياء علي حد سواء.. بفيزيتا بسيطة غالبا لا يأخذها ممن لا يقدرون عليها.. ويتمسك بأن يكتب الدواء المصري ذا السعر البسيط حماية للصناعة الوطنية ورأفة بحال الغلابة.. هذا ليس إعلانا عن الدكتور الذي تعدي السبعين من عمره بكثير وإنما للحكاية أصل.. فلقد كنت في انتظار دوري للدخول للكشف بعد أن أعيتني مشاكل الحياة بالتهاب في عصب وجهي جلست أنتظر الدور.. رغم صداقتي العائلية به طوال ثلاثين عاما.. ووجدته جالسا بجواري.. شيخا عجوزا.. ترك المرض اللعين إمضاءه علي رجليه ويديه وقدرته علي الحديث.. جمعنا الألم والانتظار. وبدأ الوصال المصري الشهير.. يجذبنا إلي الحكي.. إيه الحكاية.. سألته. قال.. معاش مبكر حتي أحظي ب 43 ألف جنيه ومعاش 550جنيه.. قبلته مرغما.. حتي أستر البنتين.. ولكن جاءت الضربة من ابني المتفوق الذي تعرض لظلم لحق به في الجامعة.. جلس في البيت رافضا تكملة تعليمه لإحساسه بأنه ما فيش فايدة.. مرضت قالوا لي عن هذا الطبيب الإنسان الآخرون يكتبون علاجا بالآلآف والتأمين الصحي يدفع الجنيهات القليلة ويتهرب عندما نصاب بجد والحل؟ أجاب د.أسامة.. علاج علي نفقة الدولة.. عنده مشكلة في النخاع الشوكي.. الأقراص المعالجة وهي الأساس في العلاج تتكلف 1500جنيه غير 300جنيه بقية العلاج.. قلت سأحاول مع أهل الخير.. قال إنها لمدي الحياة وإلا سيتدهور حاله.. ويمضي حياته قعيدا في الفراش.. وتلك هي الحالات التي تستحق العلاج علي نفقة الدولة.. من مال دافعي الضرائب الذين يدفعون والذين لا يدفعون وتتكاسل الدولة عن ملاحقتهم.. ونسمع بعد ذلك عن الذين سرقوا أو فرطوا في تلك الأموال أو صرفوها علي عمليات تجميل وعجز جنسي أو حتي عمليات حقيقية ولكنهم استخسروا العلاج من ثرواتهم الخاصة الحلال منها والحرام وليه؟ ما هو المال العام. سايب. والمثل يقول المال السايب يعلم السرقة. من العلاج حتي زهرة الخشخاش. ❊ ❊ ❊ أوجاعنا كثيرة.. وهجرنا الفرح.. نتحايل علي ظروفنا.. بأن ننكت علي أحوالنا التي تبكي ونقول لبعض شر البلية ما يضحك.. ولكن هناك بلايا تصعب علي الكافر.. ففي كل مكان لا تقابل أي إنسان له ولد أو بنت تخرجوا منذ سنة وخمس أو أكثر وهو يقول لك.. تعملي فينا ثواب وتلاقي شغل لابني.. حاله يصعب علي الكافر. والله متفوق وملتزم وعايز يعيش يرضي بقليله ولكن نفسه يعمل بشهادته. مش عايز يطلع بواب مثل أبيه يمسح السلم ويبلع الإهانات ممن لم يربهم آباؤهم وكانوا له زملاء في الجامعة. وأمال شقينا وحرمنا نفسنا عليه ليه؟ حرام يكون له أمل ومستقبل يكافأ به علي تفوقه.. ويتحسر قلبي ألما وحسرة وكمدا علي ضحايا البطالة التي فتحت فمها المشوه وبلعت مستقبل جيل كامل وربما لحقه الجيل التالي له.. وتذكرت الخصخصة والوعود من المستثمرين الذين سيتيحون وظائف لشبابنا والذين سيزيدون الإنتاج وتدور عجلة التنمية ونعيش »بقي« في رفاهية.. نكتفي ذاتيا ونصدر كمان.. وياللخديعة وكسرة النفس وتسريح العمال وقفل المصانع وبيع الأراضي بالمتر والإخلال بشروط البيع.. والعبوا ياجهابذة المحامين.. وطلعوا »الجمل من خرم الإبرة«.. وجلس الأب وابنه وابنته علي رصيف البطالة يتجهون للسماء.. محسبنين علي الذين اغتالوا الأمل في قلوب أجيال. وراء أجيال.. ❊ ❊ ❊ هل تذكر فيلم الحب فوق هضبة الهرم »فيلم أحمد زكي« وآثار الحكيم الذي كان يتناول مشكلة إيجاد سكن بسيط يلم قلوب المحبين الحقيقيين. الشرفاء.. الأطهار.. أتذكر ذلك لأنني أنا شخصيا كنت أبحث عن سكن ولم نكن قد تعرفنا بعد علي كلمة تمليك.. وكان »الخلو« الذي كان ممنوعا قانونا. وكان »عرفا« سائدا أي تدفع 500جنيه أو ألف ونصف وتحصل علي بيت إيجار مدي الحياة.. ولفت الأيام.. واختفي الخلو وظهر التمليك وبدأت تبني مدائن خارج حزام المدينة.. مثل »الرحاب« التي كانت حلا للطبقة الوسطي العليا منها والأقل.. لتملك شقة بسعر مناسب وتقسيط أو إيجار جديد.. الحل المناسب الذي أصبح بعد ذلك بدعة لا يقدر عليها إلا أصحاب الثروات المهولة. فلا قانون يحدد الزيادة السنوية وارتفعت الأسعار من 500جنيه أو أقل في خمس سنوات إلي ثلاثة آلاف فأكثر بعد وصول أحمد المغربي وزير الإسكان الحالي وإقرار مبدأ المزاد علي فيللات مارينا فارتفعت الأسعار إلي ثلاثة وخمسة أضعاف ومن ثم اشتعلت أراضي مصر كلها. وعاد كثير من الشباب إلي بيوت أهاليهم مكسورة أنفسهم. أو انتقل أولاد الأصول إلي أحياء الفقراء الذين لم يتربوا فيها ولا ينفع أن يدخل أولادهم مدارسهم فيها. المشاريع مثل الرحاب والشروق وغيرهما في 6 أكتوبر كانت حلا لمشكلة الطبقة الوسطي. ولكن طز فيها وما تحتها وما فوقها.. فكل المدن ملك يمين الأثرياء.. الذين يشترون للأولاد والأحفاد والتسقيع والاستثمار بالملايين.. ومرة أخري.. طز فينا.. تلك الحكاية أهديها لأصحاب الضمير وهم يبحثون عن كيفية تطبيق حكم الإدارية العليا في بطلان عقد مدينتي وأشباهها من السليمانية وأخواتها.. وبورتو مارينا عامر وشقيقاتها.. وكل أراضي الدولة التي منحت بتسهيلات تصل إلي جريمة التفريط في المال العام.. والأراضي التي تخص كل شعب مصر وليس الدولة.. الشقة يعني زواج يعني استقرار.. يعني تحصين الشباب من الزني.. يعني العودة إلي أخلاق الأسرة.. فاكرينها؟ أرجو أن تكون جريمة عقد مدينتي هي بداية لصحو ضمير الحكومة لمحاسبة كل ما أخذ أموال الناس بالصداقة والمصلحة والمحسوبية.. ولتكن حصيلة فرق الأسعار تبني بها (بيوت عادية) بأسعار عادية للذين يطلبون أقل حقوقهم الحلال والأبناء واسألوا د.ممدوح حمزة الذي استطاع أن يبني في أسوان بيوتا لضحايا السيول بأقل التكاليف. ولكن بالطبع أوقف ورموا عليها الطين وناقص أن يركبوه الحمار بالمقلوب.. لأنه تجرأ علي أن يساعد الفقراء.. وحسبي الله ونعم الوكيل.. ❊ ❊ ❊ »الموظفون في الأرض« عنوان يصلح لفيلم واقعي لصلاح أبوسيف.. هي حكاية باكية. ضاحكة.. خطيرة.. محرضة علي الغضب.. علي التهور.. علي الوقوع في جريمة.. قالوا عليهم ملح الأرض.. عبارة مهذبة عن ناس مسالمين جروا وراء الميري.. حتي خلع هو منهم وتركهم يتسولون حقيقة كما فعلها فريد شوقي في أحد أفلامه.. حتي يكفي أهل بيته من عمل إضافي. أسألكم وأنا من الموظفين الذين يتلقون الفتات بعد ثلاثين عاما في خدمة الدولة فأنا أتكلم عن خبرة عملية هي حكايتي وحكاية كل موظف ليس له سوي راتبه.. الذي ينكمش يوميا مع جشع التجار وغول الغلاء الذي يبتلع كل قرش لم يعد له قيمة ومع ذلك يستحلونه منا.. كيف تعيش عائلة محترمة.. عائلها موظف بألف جنيه في الشهر؟! وألفين مع الاعتبار أن أي خادمة وأصغرها لا ترضي بأقل من 800 إلي 1500 في الشهر وعمرها لا يتعدي 16عاما.. كيف تتخيل الدولة الكيفية التي ندير بها أمورنا؟.. كيف تتصور شعورنا ونحن نسمع عن المرتبات التي تصل إلي مليون في الشهر وفي نفس المؤسسة يحصل أي الشخص بنفس سنوات الخدمة علي ألفي جنيه؟ ناهيك عن الذي يحصل علي 400جنيه أو أقل أو أكثر قليلا؟ وتتساءلون ببجاحة لماذا يخرج الناس في الشارع معتصمين مع أهل بيتهم. والرد.. اللي رماك علي المر ياحكو..مة!! زمان كان هناك حد أدني وحد أعلي للموظفين في نفس الشركة والمصنع؟.. كان هناك تسعيرة. كان هناك مراقبة ومحاسبة لكل مسئول مهما علا شأنه. فلم يكن رب البيت بالدف ضاربا؟ ها أنا أكتب.. هناك من حل مشاكله بالطرق إياها.. ولكن هناك ساذج بمعايير الأيام التي نعيشها.. لم يضعف ولم يسرق ولم يرتش ولم يتواطأ. ماذا يفعل ياجماعة؟ نريد مرتبات حقيقية تكفي الاحتياجات الأساسية الإنسانية.. لحفظ كرامة مواطنين.. تصوروا أن الميري.. جنة الأمان.. فأخد.. مقلب.. عمره.. وحسبي الله ونعم الوكيل