بوتين يتفقد قواته فى القرم في الوقت الذي تشهد فيه علاقات روسيا توترا مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي علي خلفية أزمة القرم وتواجه بكين أيضا خلافات بحرية مع جيرانها مثل فيتنام والفيلبين واليابان المدعومة من واشنطن، وذلك وسط مخاوف من تمكن الولاياتالمتحدة من إيجاد بؤرة توتر في منطقة بحر الصين الجنوبي، الأمر الذي دفع كلا البلدين إلي الانتقال التدريجي من سياسة الحياد الإيجابي إلي دعم أكبر للسياسات الخارجية لبعضهما البعض كرد فعل علي تحركات واشنطن التصعيدية التي تعمل علي إنشاء حلف معارض للتوجهات الصينية في قارة آسيا من جهة وتطويق روسيا عبر مظلة الدرع الصاروخية من جهة أخري، حيث تطمح روسياوالصين إلي إنشاء شراكة حقيقية ومستدامة قائمة علي نظام دولي متعدد الأقطاب لكسر تفرد الولاياتالمتحدة بالقرار الدولي، وتوسيع أطر التعاون في شتي المجالات وتنسيق الجهود الدبلوماسية من أجل دعم الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين التي توجت مؤخرا بتوقيع عدد من اتفاقيات وعقود التعاون الثنائية وإطلاق مناورات بحرية مشتركة في ظل التقارب بين موسكووبكين خاصة بعد فرض العقوبات الغربية علي روسيا. ولعل ملف التعاون الاقتصادي وخصوصا فيما يتعلق بإمدادات مصادر الطاقة التي تحتاجها نهضة الصين الاقتصادية، كان هو الأبرز في التقارب الذي حدث مؤخرا بين البلدين ممثلا في توقيع عقد توريد الغاز الذي تبلغ قيمته 400 مليار دولار ومدته ثلاثون عاما، في إنجاز جديد للتعاون الاستراتيجي في مجال الطاقة، كما أنه يعد إشارة هامة علي قدرة الصينوروسيا علي تجاوز العقبات التي تعوق تنمية العلاقات الاقتصادية الثنائية، وهناك أيضا حاجة بكين الماسة إلي تكنولوجيات عسكرية وأسلحة روسية، فبالرغم من أن الصين قد تحولت إلي دولة كبري اقتصاديا إلا أن هذا التحول لم يواكبه نهضة ملحوظة في الصناعات العسكرية الصينية حيث لازالت الصين تعتمد علي التكنولوجيا العسكرية الروسية خاصة في محركات الطائرات المقاتلة والصواريخ الباليستية والتقنيات الحديثة وأنظمة الدفاع الصاروخي، وعلي الجانب الآخر فإن روسيا تسعي لإثبات قدرتها علي مواجهة العزلة والعقوبات الاقتصادية التي يحاول الغرب فرضها عليها، وذلك من خلال فتح آفاق جديدة للتعاون علي الصعيدين الأمني والاقتصادي في آسيا عموما، وفي الصين خصوصا وتقليل الاعتماد علي الشركاء الأوربيين من خلال خلق أسواق جديدة في الشرق. ويعتبر كلا البلدين أن التعاون الصيني - الروسي، بما في ذلك التنسيق فيما بينهما في منظمة شنغهاي وكذلك منظمة الأممالمتحدة تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية خاصة فيما يتعلق بالحرب الأهلية في سوريا وأزمة أوكرانيا، قد أصبح عاملا مهما في السلام والاستقرار العالميين ، إلي جانب رؤيتهما المشتركة في التصدي لأي تدخل في الشؤون الداخلية للدول ورفض تمويل أو تشجيع النشاطات الرامية إلي تغيير النظام الدستوري في أي دولة من دول العالم أو إلي جرها إلي تحالفات متعددة الأطراف وذلك وسط التأكيد علي ضرورة إيجاد صيغة جديدة للتوازن العالمي الذي لن يتأتي إلا في ظل التعاون المستمر بينهما لمواجهة الأوضاع المتغيرة في الساحة الدولية. ويري الدكتور محمد الزواوي مدير وحدة العلاقات الدولية في المركز العربي للدراسات الإنسانية أن العلاقات الصينية الروسية هي علاقات قديمة وممتدة والاثنان أعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون وبينهما شراكات عسكرية واقتصادية موسعة، لكن الخطوة الأخيرة من الغرب بتوقيع عقوبات علي روسيا بعد ضمها للقرم أدت إلي دفع الطرفين إلي مزيد من التعاون، خاصة فيما يتعلق بتسريع عقد صفقة الغاز الضخمة التي ظلت مفاوضاتها متقطعة لمدة عشر سنوات. وهي خطوة غير عادية بالنسبة إلي الطرفين حيث إنها ستؤمن واردات الغاز للصين الشرهة للطاقة، وكذلك ستؤمن دخلا ثابتا للدب الروسي الذي ربما تتعرض صادراته إلي أوروبا لمشكلات لاسيما بعد العثور علي غاز شرق المتوسط والغاز الصخري الأمريكي الذي سيجعلها أكبر مصدر للنفط والغاز بحلول عام 2018، وهو نفسه عام بدء الصفقة مع الصين، لذا فإن العقوبات سرّعت من ذلك التعاون الاستراتيجي لمصلحة الطرفين والهروب من الضغوط الغربية المتوقعة . كما أوضح أن الغرب لا يخفي نيته لعزل روسيا سياسيا واقتصاديا بعد ضمها للقرم وبعد الخلافات المتواصلة بين الجانبين بشأن العديد من القضايا العالمية. ومن ثم فإن موسكو سارعت باتخاذ تلك الخطوات الاستباقية بتوقيع ذلك العدد الكبير من الاتفاقات لاسيما أن الصين تشعر هي الأخري بالنوايا الأمريكية لاحتوائها بعد إعلان أوباما في أواخر 2012 عن إعادة ضبط تمركز جيشه نحو آسيا وهو مايمثل تهديدا مباشرا للنفوذ البحري الصيني في مناطق النفط والغاز المتنازع عليها مع اليابان . ومن المؤكد أن هناك تقاربا متزايدا بين الجانبين الروسي والصيني وشبه اتفاق علي قضايا السياسة الخارجية للطرفين واستخدامهما معا للفيتو في مجلس الأمن، كما أن الغرب يهدف إلي ضرب مصالح الطرفين في الشرق الأوسط فضلا عن محاولة احتواء روسيا من خلال الدول الحدودية في شرق أوروبا كما نري في أوكرانيا وجورجيا، وكذلك الصين في بحر الصين الجنوبي وصراعها مع اليابان، كما أن روسيا بحاجة إلي ربط اقتصادها بالاقتصاد الصيني النامي والواعد الذي ربما يتخطي حجم نظيره الأمريكي في العقد القادم، كما أن الصين بحاجة إلي التقنية الروسية لاسيما في صناعة السلاح، حيث قامت بكين بالفعل بتقليد عدد من الصواريخ الروسية المضادة للطائرات والصورايخ الباليستية وكذلك عدد من الطائرات المقاتلة وعلي رأسها طائرتا سوخوي وميج 29، و بالرغم من قلق روسيا من ذلك لأن الصين بدأت بالفعل في تصديرهما ونهش حصة من السوق الروسي، إلا أن الطرفين أصبحا علي إدراك تام بربط مصيرهما في مواجهة الغرب لاسيما بعد عام 2018 الذي ستصبح فيه الولاياتالمتحدة مستقلة ذاتيا في مجال الطاقة بل وستصدر النفط والغاز لأوروبا مما سيقوض المصالح الروسية .