تاريخ حافل للبرلس .. فى الدفاع عن الإسلام من البحر (1) 54 كم من أمام جزيرة المنيل (عند حديقة الحيوان) إلي قرية وردان (وحدة محلية تتبعها قريتا أتريس وكفر أبو حديد) قطعتها السيارة في الصباح الباكر في نصف ساعة (تتضاعف في زحام النهار) تقطعها خيول ابن العاص في يوم كامل بعد العبور من الفسطاط عبر قوارب متصلة ممتدة بين ضفتي النيل وكما ذكر الإدريسي في نزهة المشتاق بعد 500 سنة من أراد الانحدار من مصر إلي الإسكندرية فيخرج من طريق المقياس (مقياس النيل بجزيرة الروضة) إلي إمبابة وكانت تربي فيها الوحوش في عهد الإخشيد (323ه). تراودني طرافة حدوتة (ابن الحكم في فتح مصر 220ه) أن ابن العاص لما رأي أهل (خربة وردان) متوثبين للقلاقل وقد عسكر بجوارهم في طريقه إلي حصن نقيوس (قرية رزين- منوفية) خطفوا مولاه وردان فجراً وقد خرج يقضي حاجته الإنسانية ووجده قصاصو الأثر في أحد بيوتهم لكنه سالمهم وترك مجموعة جند بجوارهم فهاجموهم ومؤخرة الجيش فطلب جوال تراب من قريتهم ودعاهم لمعسكره فنافقوه موافقين علي رأيه فأخرجهم وفرش ترابهم أسفل بساط مجلسهم معه فعارضوه وكرر ذلك فقال إنها أرض يجب أن توطأ (تداس) وأمر بتخريبها. **** (وردان ترحب بكم) لافتة كبيرة فترصد مسجد التوحيد ومآذن مساجد أبو بكر وعمر بن الخطاب وعمرو بن العاص ومسجد تفتيش وردان أنشأه الأمير عمر طوسون 1930م ومسجد ومقام سيدي الدبركي أمامه ميدان (مدحاية الدبركي) كان له مولد يمدح فيه النبي ومقام لسيدي عميرة يتوسط البيوت ولم أجد مسجداً باسم وردان فأوضح لي المحاسب محمد التهامي رئيس مجلس المحلي أن مسجد الوسطاني ويتوسط القرية اسمه قبل تجديده (مسجد وردان الكبير الشهير بالوسطاني) (وأن هناك 93 مسجداً بالقري الثلاث بمتوسط 30 مسجداً) ومكتب تحفيظ القرآن ومعهد وردان الابتدائي الأزهري ومحلات المدينة المنورة وسنتر الحرم الشريف ومدرسة الشيماء (أخت الرسول)، و6 آلاف فدان زراعية عفية بأشجارها الباسقة علي الجانبين تتشابك أغصانها في العلالي في مظلة بديعة لمدخل القرية من ناحية قرية أتريس والمحاصيل زاهية الخضرة فيها قمح وذرة وبطاطس وعنب ونخيل وأشجار برتقال ويوسفي. معظم البيوت حديثة بالطوب الأحمر وعمارات من 4 أدوار وفيلات بألوان وردية أمامها سيارات حديثة مع بيوت طينية قديمة في الشوارع الفرعية حيث يتم إعادة بناء البيوت المتهدمة بالأسمنت علي نفس عرض الشوارع فدخلنا شارع النصاري بوسط القرية لا يفصلنا شيء عن عتبات البيوت إلي كنيسة صغيرة بنهايته في مدخلها الصغير لوحة رخامية بتاريخ 2013 بافتتاحها (من 4 أدوار) باسم كنيسة مار مرقس (يصر الأهالي وتسجلها أوراق المجلس المحلي كمضيفة وتعداد المسيحيين حسب أحد الموجودين 700 نسمة في 140 أسرة وهناك كنيستان في كل من أتريس وكفر أبو غالب. تعداد سكان وردان 52 ألف نسمة الشوارع متربة عدا الشارع الرئيسي يحيطها فرع رشيد من الشرق والرياح البحيري (1863م) من الغرب ولها امتداد في ضفته الغربية يصلها به أربع معديات كبيرة للسكان والسيارات وقد أنشئت من 750 سنة مع المماليك - السلطان المنصور لاجين 700ه وهي في الأصل قرية قديمة قبل الفتح العربي (1400 سنة) كانت في حاجر الجبل الغربي باسم (وادي وردان) في معجم بلدان اليعقوبي 280ه وإن ذكرها ابن الحكم (خربة وردان) في كتابه فتوح مصر 220ه والذي استمر معها 550 سنة في كتابي "قوانين بن مماتي" (606ه) مع الأيوبيين و"التحفة السنية" مع المماليك (697ه) ثم أنشئت القرية الحالية تتبع ولاية البحيرة لقربها من حدودها الجنوبية- في كتاب الانتصار لابن دقماق 809ه في عهد المماليك ثم ضمت للجيزة في نهايات دولتهم- كتاب التحفة السنية 885ه في عهد السلطان قايباي. أسترشد برأي محمد رمزي في قاموسه الجغرافي أن القرية اندثرت لعدة أسباب لكنها ككل القري (المندثرة) تترك اسمها علي حوض زراعي ينتقل إليه أهلها بأسباب أهمها الاقتراب من النيل، ومعروف أنه يطمي غربا فيتحرك الأهالي شرقا وراءه تاركين قراهم الخربة أو بأسباب زحف الرمال أو الحريق أو الأوبئة والهروب من الضرائب أو السخرة. أستغرب جميع الأهالي اسم خربة وردان وقالوا من جدود الجدود ونسمع وردان **** بعد خمسة كم شمالاً وجدت قرية بني سليم من قبائل قيس التي نزحت إلي مصر 108ه. حيث عبر ابن العاص النيل شرقاً إلي نقيوس فبعد10 كم أخري تدخل حدود المنوفية وأشمون والتي قد يكوم ابن العاص أرسل قوات لفتحها وبعد 30 كم تدخل كوم حمادة وكوم شريك في الطريق للإسكندرية ولابد أن يترك قوات في وردان لتحمي ظهره. **** هناك قرية بتونس تسمي (الوردانيين) تعود إلي وردان مولي ابن أبي سرح والي مصر وفاتح أفريقيا 29ه أو من موسي بن وردان فقيه صاحب عقبة بن نافع إلي إفريقية، أو من نقل إحدي قبائل (الوردانيّين) نسبة إلي وادي وردان (من ورود الماء) بالشام وفي بغداد حي الوردانيّة وفي بخاري (عاصمة أوزباكستان بروسيا ومنها الإمام البخاري جامع الأحاديث الشريفة) حي باسم وردانة. (2) أمام باب مصلي النساء أقصي شمال غرب مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط منخفضاً عن منسوب الشارع 4م أتخيل جلسة وردان في الصيف يتابع كتبة الجزية القبط يسجلون ويتسلمون الخراج السنوي للأراضي الزراعية بعد حصد القمح وعصر الكروم قادمة بمراكب النيل من الصعيد والدلتا إلي ضفته الشرقية- (نهاية عرض أسفلت شارع عمرو بن العاص وتطل عليه صيدلية باسم عمرو بن العاص) والبعض محمل علي الجمال في مناخها أقصي يمين المدينة وباقي الدواب من بغال وحمير وضجيج تزاحم وفرجة المصريين قبل أن يأتيهم الدور وقد اجتمع بعد الحصاد رؤساء وعريفي القري وأعيانها لتحديد قيمة الخراج حسب درجة عمران القري أو خرابها ومقدار الفيضان وجودة المحاصيل ويخصمون نصيب كنائسهم وحماماتهم وإصلاح معدياتهم وجسورهم وترعهم وضيافة جنود المسلمين 3 أيام ثم ما يجمعونه من الحرفيين والأجراء قدر احتمالهم ويقسمون المبلغ الباقي المطلوب منهم علي الأراضي الزراعية لكل فدان نصف أردب قمح (75 كجم) وكيلتين من الشعير (الكيلة 12 كجم) وتحدد القيمة بالدينار الذهبي ويقوم رجل مختص بالنداء علي أسماء البلاد وقد جلس وردان هنا في ولايتي ابن العاص (21-24ه) (37-41ه) ثم ولاية عتبة بن أبي سفيان (43ه)، كان بيته حول المسجد (21-47) 26 سنة لكن أنتناس قائد جند ومتولي خراج الوالي مسلمة بن مخلد أراد منزلا قرب الديوان في المسجد فاشتري له معاوية بيت وردان وأمر أن يخط له في مناخ الجمال فبني قصرا اشتراه 62ه عبد العزيز بن مروان من ورثته لأخيه عمر بن مروان وتحول بالزمن إلي سوق لم ينس المصريون أصله فسموه سوق وردان (في الجيارة امتداد الفسطاط شارع (وردان الرومي) ثالث شارع يمين بعد ميدان حسن الأنور) لم يحسم إن كانت تسمية عفوية أم ارتباطاً بتاريخ المكان. في 43ه عزله معاوية عن الخراج لأنه رفض أن يزيد الجزية قنطاراً لكل رجل، وقال له: "كيف ذلك وفي عهدهم ألا يزاد عليهم"، وقيل سأل معاوية وفد مصر (من زعماء القبائل العربية) عن ولاية أخيه عتبة فأشاروا بأنه لا يعطيهم شيئاً فعلق عتبة حجبتني عن الخراج ولهم عليَّ حقوق وأخشي أن أجلس بينتهم فلا أفعل فأبخل فضم له الخراج. بلغت أول جزية لمصر 12 مليون دينار هي نصف ما جمعه الرومان لأن ابن العاص سأل فعرف أنه لاستمرار عمران أرض مصر لابد من إصلاح الجسور والترع والمصارف والمعديات وأوصلها ابن أبي سرح 14 مليوناً فأضر الأرض وكانت الجزية دينارين لكل رجل دون النساء واأطفال والشيوخ والعبيد والمساكين والمجانين وعندما بدأ المسلمون امتلاك الأراضي (110ه) بنقل قبيلة قيس ثم بني سليم (178 - 186ه) استمر نفس الخراج كما أوقفت جزية الرأس علي القبط الذين أسلموا، لكن عندما قل الخراج أخذت منهم مع الحجاج بن يوسف الثقفي (70ه) لأنه رأي إسلامهم مصلحة شخصية للحفاظ علي وظائفهم والخلاص من الجزية وكانت الجزية أساس القلاقل في مصر ففي إمارة عبد اللّه بن الحبحاب صاحب خراج الخليفة هشام بن عبد الملك زاد علي كل دينار قيراطًا فانتفض الحوف الشرقيّ (شرق النيل) وقضوا عليها في أول انتفاضات للقبط 107ه، ثم 121ه، 132ه، 150ه، 156ه، وفي 216ه انتفض القبط والمسلمون مع البشموريين فقمعهم الخليفة عبد الله المأمون. (3) وردان من أهل الطائف الذين أعتقهم الرسول وجعل ولايته مع أبان بن سعيد بن العاص ليعلمه القرآن. ثم انتقلت ولايته لعمرو بن العاص فأصبح حامل لوائه وصاحب شرطته ولا يعمل شيئاً حتي يشاوره شجاع مقدام قاد الجيش في معركة كريون (20ه) قبل الاسكندرية وهي أعنف المعارك ورفض الانسحاب وقد استمر القتال ليلاً ونهاراً بضعة عشر يوماً ثم قاد الفتح ومعه عبد الله بن عمرو بن العاص. وشارك في فتح الإسكندرية ثم الصعيد والنوبة مع عقبة بن عامر 36ه. وتولي خراج مصر (10 سنوات) وكان هناك حبس وردان ومعناه وقف وردان وسوق وردان ويقال نزل دمشق (قد يكون في عزل عمر بن العاص (25 - 37ه) وله بها دار واستشهد في معركة البرلس 53ه ودفن هناك. **** لم يفلت وردان من نعرة تعالي المؤرخين العرب علي الموالي حتي الصحابة في تسجيل حياتهم وأدوارهم البطولية فلم يسجلوا تاريخ وردان رغم أن تأريخ فتح مصر بدأ 220ه بعد 170 عاما من استشهاده وبعد 90 سنة من قيام الدولة العباسية 133ه علي أكتاف الموالي (الفرس) أم إنهم ورثوا عدم الاهتمام بهم من أحفاد المحدثين الذين جمعوا منهم التاريخ أم أن في نفوس المصريين غصة طبيعية من جامع الضرائب حتي لو كان صحابياً. ورغم أن المؤرخين سجلوا حتي الجد السابع للصحابة إلا أنهم عند وردان اقتصروا علي اسمه وصفته الرومي ولم أعرف إلا بعبارة عند ابن الحكم أن عبد العزيز بن مروان اشتري منزل وردان من ورثته لنعرف بالصدفة أن له أسرة وأولاداً ولا نعرف تزوج من ولا أولاده من. (4) (وعلي مذهب الإمام أبي حنيفة بن النعمان) ننهي إجراءات الزواج ولا نتوقف عن تمايز أبي حنيفة عن الفقهاء (المالكي - الشافعي - الحنبلي) فهو أول من أفتي باختيار الخليفة بالكفاءة والصفات الشخصية من العدل والقيادة (والده فارسي) ولم يقصر الخلاف الفقهي كالباقين في الاختيار فقط من بني هاشم آل النبي وبين قريش ليدخل فيها بنو أمية وبني مروان والعباسيون فلما تولي المماليك (عبيد تم شراؤهم من الأسواق) في انهيار الدولة العربية وواجهوا المغول وتولوا الحكم فبحثوا له عن شرعية فقهية وجدوها عند أبي حنيفة أدخلوا في كل صيغ الحياة بقي منها إجراء عقد القران. والموالي كانوا أسري الحروب (في منزلة العبيد) ثم أسلموا فأصبحوا موالي سادتهم وزاد عددهم في العراق في حكم الأمويين من الفتوحات ومن العبيد كبديل للجزية وزاد عددهم في الكوفة (أنشئت 18ه) ومعظمهم من فارس ويتحدثون الفارسية وتسموا بأسماء عربية لكنهم عانوا من تعصب العرب ومنعهم من الحرب كفرسان بل مشاة لهم ثلث نصيب غنائم الفارس (في أحد التفسيرات حتي لا يهربوا من المعارك بخيولهم) وتكونت فوارق اقتصادية بينهم وبين العرب فالموالي للحرف اليدوية كما إن أهل فارس عاملوا القادة العرب بنفس تبجيلهم لقادتهم (كسري) فاغتروا وجاءت جريمة أبو لؤلؤة المجوسي باغتيال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (23ه) وبالاً عليهم لمدة مائة عام لحكم الأمويين خاصةً أنهم كانوا ضد الخليفة عثمان وقتله وأن الإمام علي انحاز لهم ونقل عاصمته للكوفة وجعلهم في جيشه لمواجهة معاوية وتبعه الإمام الحسين (تزوج ابنة يزدجر آخر أكاسرتهم وأنجب منها علي زين العابدين الناجي الوحيد من مذبحه كربلاء وحامل نسل الإمام علي) ثم المختار الثقفي في ثوراتهم ضد الأمويين الذين رسخ لديهم أن إسلام الموالي للحفاظ علي الظائف والتخلص من الجزية فلم يعفوهم منها وفرضوا عليهم الضرائب وقللوا رواتبهم وعطاياهم فعملوا علي إسقاط دولتهم بالانضمام لكل من عارضهم من شيعة وخوارج وعبد الله بن الزبير والمختار الثقفي وغيرهم، خاصةً أن الخوارج تبنوا فكرة الخلافة بالكفاءة لتشمل العرب والموالي، كما أنهم بمهاراتهم سيطروا علي الاقتصاد ونشروا ثقافتهم وأخذت العربية منهم بعض الألفاظ مما أثار العرب للتحيز للغتهم العربية ثم قامت الدولة العباسية 133ه علي أكتافهم بقيادة أبو مسلم الخرساني ثم في 625ه كونوا دولة المماليك وفي 1517 م دولة العثمانيين. وقد رفض العرب مصاهرة الموالي ومنعوا توظيف وتوريث أبناء الجواري من آباء عرب لكنهم أمام ذلك ثقفوا أنفسهم وتولوا المناصب المدنية المتحكمة في الحكم وكان منهم الكتبة والعلماء والفقهاء والقضاة ثم تغلغلوا في الجيش مع العباسيين وأصبح لهم نفوذ (البرامكة الفرسي) في عهد هارون الرشيد وتلاهم الأتراك مع المعتصم ووصلوا إلي قتل الخلفاء ثم أصبحوا يعينون الخليفة ثم تولي الحكم المماليك ثم العثمانيون. الطريف أن الموالي بالزمن سيطروا علي حكم الدولة الإسلامية ضعف فترة العرب ففي مصر علي مدي 1300 سنة من الفتح الإسلامي حكم العرب 460 سنة، (الخافاء 21-41ه)، الأمويون (41- 133ه) 92 سنة، العباسيون (133- 225ه) 95 سنة، ثم 30 سنة بين الطولونية والإخشيدية، ثم حكم الموالي وضعفهم 840 سنة، الدولة الطولونية (868- 904م) 36 سنة، الإخشيدية (935- 969) 31 سنة، الأيوبية (1171- 1249 م) 78 سنة، المماليك (1250- 1517م) 267 سنة، العثمانيين (1517 - 1798) 281 سنة، أسرة محمد علي (1805 - 1952م) 147 سنة. (5) لم أجد في البرلس ولا قرية العنابر (يقال إن اسمها من عنابر الجند والسلاح) مقبرة ولا ضريح ولا مقام لوردان ولا غيره من الصحابة **** واستغرب الأهالي علي طول الطريق الدولي منذ دخلت بلطيم؛ سؤالي عن مقام أو مسجد باسم الصحابة الثلاثة المؤكد استشهادهم في معركة البرلس 53ه وردان وعائذ بن ثعلبة قائد الفرسان وأبو رقية بن عمر بن قيس اللخمي، عندما نزل الرومان البرلس لإخراج المسلمين الذين طلبوا النجدة من الإسكندرية وواليها علقمة بن يزيد المرادي بطل معركة ذات السواري 34ه، فاستنفر الناس بقيادة وردان فاقتتلوا قتالاً شديداً وهزموا الرومان. **** في معجم البلدان لياقوت الحموي (580ه) نقلاً عن أبو بكر الهروي المشهور بالسواح لانه زاركل الاماكن المهمة في زمانه - مات 610ه وقد التقاه في حلب سوريا أن بالبرلس أثني عشر رجلا من الصحابة لا يعرف أسماؤهم ومدافنهم في قرية العنابر وهو أمر قد يكون صحيحاً لكن 620 سنة فارق في منطقة تعايش عوامل التعرية من رياح وزوابع ونوات ورطوبة البحر، أمر يغير الكثير ويطمس أو يدفن الكثير تحت الرمال الناعمة وذاكرة الناس. **** وتخلصوا مني كعادة المصريين ودلوني علي مقابر بلطيم وقد زاحمتها البيوت ممتدة وسط النخيل أسفل هضبة البرلس وقد قويت أجنابها بالدبش وأعلاها مساجد منها سيدي مدكور وسيدي يعقوب وسيدي فتح لكنها حديثة ولا تعود إلي 1400 سنة وعبر اتصالات تليفونية بتفتيش آثار بلطيم لحقني الأثري أيمن أبو الخير من أبناء المنطقة ويعد رسالة علمية عن آثارها ومدقق تاريخ وكان عملياً فاصطحبني لقرية البنائين علي الشاطئ ببيوتها من دور واحد لنتجه لشاطئها علي بعد 250م لنري جبروت الكثبان الرملية الناعمة وقد ارتفعت 30م من منسوب البحر (10 أدوار) لأجد في أقصي قمتها كتلة معمارية ناتئة بارتفاع 45 سم قمة ضريح سيدي عميرة (957ه من العلماء) لقبة مغطاة بطبقة من المُلاط الأبيض وقال إن بعض الأفراد قديماً حطوا القمة ودخولها ثم قام مفتشو الآثار بالنظر داخلها فوجدوها بعمق 6م ومساحة مربعة يتصدر الجدار الجنوبي الشرقي تجويف محراب ومقابلها في الشمال الغربي فتحة باب الضريح. وقد انزاحت عنها الرمال بفعل الرياح ولم نجد لها تسجيلاً علي خرائط حتي 1932 كما أن تاريخ إنشاء ضريح سيدي يوسف السطوحي- البرلس- المقابل له علي الطريق ولا يفرق بينهما إلا الطريق الساحلي من سبعة وسبعين عاماً لم يذكر ضريح سيدي عميرة فكان مدفوناً تحت الرمال ويرجح أنها قبة ضريح وفي الأغلب لم تكن مسجداً لعدم وجود بقايا مئذنة أو قد تكون تهدمت. ليثبت لي عملياً تأثير الطبيعة في المنطقة والمتوقع منها بعد 1400 سنة فقد يكون هناك مقابر أو أضرحة للصحابة أو تكون قد هدمتها الرياح والأمواج أو مازالت تحت الرمال ولا تظهر إلا بتنقيب أثري كبير ومكلف لكنه ممكن أن يغير وقائع التاريخ أما ما يقال عن قرية العنابر البعيدة عن موقعنا 2 كم ومشهورة بصناعة الخيام فليس بها أي معالم إلا تل أثري لا يُعرَف تاريخه (روماني- إسلامي) كما يوجد علي بعد 100 م من الضريح بئر مردوم مما يدل علي حياة وعمران. **** زحف الرمال يجبر الأهالي علي ترك قراهم تاركين المباني لتدفن تحتها. ويقومون بنقل المساجد إلي مناطقهم الجديدة مستخدمين أحجارها في بناء بيوتهم (كما حدث عندما تهدم مسجد سيدي يوسف السطوحي) وهناك مسجد سيدي محمد الخشوعي الذي تم اكتشافه تحت الرمال ومسجد سيدي محمد المرزوقي ومئذنته المتهدمة تهدم ثلثها وهي من العصر المملوكي. وللرمال مزايا تخزين أمطار الشتاء لتخرج في آبار جوفية تزرع عليه البطيخ وتحمي المدينة من نحر البحر ولأن تيارات البحر المتوسط من الشمال إلي الجنوب فالشاطئ يتراجع جنوباً وقد يكون تحت الرمال آثار قرية نستروية القديمة. **** البرلس (200كم من القاهرة) شمال الدلتا بين الإسكندرية غربا ودمياط شرقاً كانت ثغراً له أهميته العسكرية وموضع الرباط للمجاهدين للدفاع عن سواحل الدولة وبلاد الصالحين كثيرة النخل والثمار والطير البحري وأسماك البوري- وبحيرتها تجمع ماء النيل وماء البحر وكانت علي طريق التجارة والحج من الإسكندرية إلي الفسطاط والقاهرة فكانت مجمع العلماء والفقهاء والدعاة، يأتيها طلاب العلم من تونس والمغرب والشام والقاهرة وبلد المعارك الكبيرة، والحصون المنيعة، والزوايا الكريمة، والآثار العتيقة وأهلها خليط من أحفاد الصحابة والمجاهدين والعلماء وهي النخل والطير البحري وأسماك بالبوري، ومقصد الغزاة عبر البحر، فحصَّنها صلاح الدين الأيوبي بحصن البرج فعرفت برج البرلس وكذا محمد علي وجعل قلعتها ضمن ترسانة الإسكندرية 1264ه. وكان مقصد الأوربيين وكان بها سمك يصدر مقدداً (مملحاً ومجففاً) الي رودس وكانديا (كريت) واسمها في وثائق البندقية بشأن التجارة وعلي الخرائط البحرية في العصور الوسطي وكانت مقراً لقنصلية البندقية.. كانت مكاناً للمرابطين من المجاهدين المدافعين عن سواحل الدولة. موقعة البرلّس بين السلطان الملك الكامل والفرنج 617ه وقتل منهم عشرة آلاف فرجعوا إلي دمياط. الحملة الفرنسية 1798م ولم ترهب مدافع الفرنسيين أهل البحيرة فانقضوا علي جنود نابليون ففقد عدد كبير منهم. طابية عربي وقد قام الخديو إسماعيل بترميم الحصن 1882م، واستخدمه عرابي موضعاً للمدفعية فعُرف باسمه العدوان الثلاثي 1956 دارت معركة برج البرلس بين بارجة فرنسية ومدمرة بريطانية مدعومة بطائرات حربية و3 زوارق بحرية مصرية وتم إصابة القطعتين وانسحابهما. في حرب الاستنزاف سنة 1969م ضرب الإسرائيليون البرلسَ مرتين بطائرات "الفانتوم" ودفن شهداؤها في مدافن بلطيم وأُطلق علي الشارع المجاور لهم "شارع الشهداء" **** فنار البرلس الأثري من أقدم الفنارات والوحيد من مجموعة الخديو عباس 1869م بارتفاع 60م ويقع في حدود قرية الشيخ مبارك بمركز البرلس. **** أغرب ما واجهته في البرلس هو مقام سيدي غانم بن عياض، قالوا حفيد الصحابي أبو موسي الأشعري وقد مات 200 هجرية، وقد يكون أحد حكام البرلس أو قائداً عسكرياً، لكنه ليس ما يقولون إنه فاتح البرلس فمعظم الروايات تحصر فاتح البرلس في الصحابيين المقداد بن الأسود وعمير بن وهب الجمحي، وبالقطع مع فارق قرنين لكن مع التقدير والتكريم جعلوه صحابياً وفاتحاً، الأغرب أن أحد الدارسين أكد لي أنه مات 200 هجرية، وعندما سألته كيف يكون صحابياً (بهت).