المسرح الشعري كان دوما هو المرآة المعبرة عن قضايا المجتمع وتاريخه وآفاق مستقبله.. وهو المناسب للدراما الشعبية وكانت الأساطير اليونانية والدراما الإغريقية العريقة من أقوي عناصر المسرح الفاعلة في المسرح الشعري وظهر مدي تأثر العالم بها والتماسه منها حتي جاء أحمد شوقي وعلي أحمد باكثير من الرعيل الأول للكتاب والاتجاه إلي تأكيد الهوية العربية بالشعر المسرحي. بعد تعرض المسرح لأزمته الكبري منذ تسعينيات القرن الماضي بسيطرة الفرق المسرحية الخاصة وتقديمها مسرحية صيفية استهلاكية تهدف للربح السريع ليس إلا غاب معها تماما كل ما يمت للثقافة والفن الراقي بصلة فمقوماتها تابلوهات راقصة وعري وتلميحات جنسية خادشة للحياء وصادمة تراجعت معها كل صور وأشكال المسرح الدرامية العامية والشعرية واللغة العربية. يقول الناقد الدكتور مصطفي عبدالغني (لقد اتفق النقاد علي أن الشعر المسرحي هو شعر وهو الشعر الذي ورثناه عن الأقدمين ويحتفظ الشعر المسرحي بملامح الشعر الذي يطلق عليه الشعر الغنائي مثل استقلال البيت والقافية وعدم خلط الأنواع أما الشعري فهو النوع الأدبي الذي تلتقي فيه ملامح الشعر الغنائي بالفن الدرامي وتمتزج به، أما شعر المسرح فهو نوع أدبي نثري وصف بالشعر بسبب رهافة المشاعر التي يتخذها الكاتب مادة لعمله الدرامي).. في حين ردد الدكتور محمد عناني رأي ت. س. إليوت في تفسيره للدراما الشعرية الراقية »عند شكسبير أنه إذا كان للدراما أن تكون شعرية حقا فإن العوامل التي تجعل الشعر شعرا رائعا هي العوامل نفسها التي تجعله دراميا عميقا ويشير إليوت إلي مبدأ مهم: هو وحدة الحدس الفني والوسيلة التي ينتقل عن طريقها الحدس فالشعر في المسرح ليس مجرد لغة أو وسيلة يطوعها الشاعر وإنما ينبع الشعر أساسا من التصور الدرامي«. ويرجع لويس عوض غلبة الشعر المسرحي علي المسرح الشعري إلي الحركة الرومانسية حين ارتفعت نبرة الشعر وخفتت نبرة المسرح حتي تحول المسرح الشعري آخر الأمر في قمة الحركة الرومانسية الأوروبية إلي شعر صرف صراح ليس فيه من المسرح إلا صورته الخارجية وشكلياته الظاهرية كالتعبير بالحوار بدلا من التعبير بالسرد بل أصبح مجرد قصائد غنائية يتبادل أداءها أشخاص مختلفون«. ويري خليل الموسي »أن المسرحية الشعرية التقليدية أخفقت في أن تكون مسرحية أصلا ويزيد في أسباب إخفاقها إذا تلمسنا أسباب إخفاق المسرحية الشعرية التقليدية في أن تكون مسرحية وجدنا أن أهمها أن الشعراء كانوا غنائيين قبل أن يكونوا مسرحيين وأن الشكل الشعري القديم غنائي وهو متأصل في الغنائية الشعرية العربية ولذلك لم يساعد علي رسم الشخصيات والحوار وبناء الحبكة فهو ذو إيقاع أفقي أحادي يتلاءم والإحساسات المباشرة أكثر مما يتلاءم والنحو«. ويذهب الدكتور مصطفي عبدالغني إلي شرح الجدل الكبير حول وجود الدراما المسرحية كما عرفها الغرب في تاريخ المنطقة قائلا: إن الدراما بشكلها المعروف عرفناها في تراثنا العربي.. وأما أنها غير قائمة ومن ثم فإن ما نتعرف عليه في العصر الحديث يبرر ويفسر الكثير من أوجه النقص والتعبير وهو مايعود بنا إلي التمهل أكثر عند إعادة تعريف مفهوم المسرح الشعري والمفاهيم الأولي لنشأة هذه الدراما وانقسام المفكرين والمجتهدين علي أن المسرح عندنا لم يجد الأرضية الملائمة لنموه وهو ما يؤكده الدكتور أحمد شمس الدين من أنه (تكامل فن الشعر الغنائي في أوائل العصر الجاهلي وظهرت القصص في أخرياته من حاجة المجتمع إليها.. ولم تنبعث السيرة الفنية أو الملحمة في ذلك العصر لأن الحاجة إليهما لم تكن قد وجدت ويردد كثير من كتابنا هذا الرأي فهم ينظرون إلي المسرح بتقنياته الغربية ويؤكدون شروط وجود المسرح بعناصره الأربعة: »النص الخشبة الممثل المتفرج« وهو بهذه غير معروف في المجتمع العربي قبل مسرحية البخيل لمارون نقاش وقد لخص الأسباب التي حالت دون وجوده إلي حياة الترحال التي تعيشها شعوب المنطقة في حين يتطلب المسرح متفرجا مستقرا ولم يعرف العرب الاستقرار في مدن بالجاهلية وشخصية العربي ذائبة في القبلية والمسرح يشترط الاستقرار أولا والشخصية المتميزة ثانيا وهو السبب الاجتماعي وثانيا تحريم الإسلام تصوير الوجوه البشرية علي حد زعم أصحاب هذه النظرية وهي نظرية فيها أخذ ورد وإن كانت قابلة للنقاش فالمجتمع العربي يدين معظمه بالإسلام والسينما والمسرح والتليفزيون كلها وسائل تعتمد علي التصوير ولا نجد أصواتا تحرمها أو تعارضها والسبب الثالث كان في عدم مشاركة المرأة في التمثيل حيث وقفت التقاليد دون ذلك وقد قام الرجل بالأدوار النسائية حتي القرن الخامس عشر واستمر مع ذلك المسرح مع عدم ملاءمة المجتمع العربي للصراعات الأربعة. وينكر »أدونيس« وجود المسرح في المجتمع العربي القديم والمعاصر معا ويقدم عدة اختلافات وهوي تفصل بين هذا المجتمع والمسرح الحقيقي وأهمها لديه أن عالم المسرح هو عالم الأشكال وقد نشأ العربي ضمن ثقافة دينية البنية لا أشكال فيها وأن ثقافة الإنسان العربي هي ثقافة الإيمان لا التساؤل والمسرح قلق كيان وقلق مصير.. والمسرح مدني والعربي من وجهة نظره لم يؤسس مدنية أما المدنية التي أنشأها فقد كانت تنويعا علي الخيمة وثأرا منها في الوقت ذاته.. واللغة العربية هي لغة بيان وفصاحة أو لغة وحي وإنشاء وتمجيد واللغة المسرحية هي لغة التوتر والتناقض والقلق والصراع إنها لغة الحركة. بداية درامية لايوجد حتي الآن رصد دقيق لبدايات المسرح الشعري سواء بالنصوص أو التوثيق ولغياب المفهوم العلمي للمصطلح.. أما رصيد بداية حركة الدراما الشعرية في المنطقة العربية وخاصة مصر الذي ارتبط بنوعين هما التشخيص المرتجل الذي يقوم علي النص الشفهي المكتوب الذي يردده الممثلون المحترفون وظهر بمصر في القرن الثامن عشر أثناء الفرق المتجولة التي تقدم عروضها في مدن مصر وتقيم مسرحها بما يشبه خيمة السيرك في المناسبات والثاني مسرح خيال الظل وهو صورة من الحكي لأحداث وأفعال ظهر أثناء حكم الفاطميين وأصبح هو الفن الشعبي الذي يمارس في المناسبات الدينية والاجتماعية وكانت الشخصيات تصنع من الكرتون وظلت شعبيته قائمة إلا عندما اخترع الأوروبيون الرسوم المتحركة.. وتبع هذه الفترة محاولات درامية ناجحة في بيروت والقاهرة تطور فيها الفن من خلال أسماء معروفة مثل مارون النقاش الذي أرخ لبداية المسرح العربي بأول عمل له باسم (البخيل) وقام بعرضه في بيته وتبعه بمسرحية ثانية هي أبو المحسن المغفل أو عصر هارون الرشيد) وأول عمل عرض في مسرح بناه بجوار بيته عام 1853 بعنوان (الحسود السليط) وبعد سنوات وصل مارون للقاهرة وساهم في إحداث ثراء هذه الفترة مسرحيات خليل القباني التي وصلت لثلاثين عملا حملت مفهوما بدائيا لماهية المسرح الشعري. كما أثرت أيضا في هذه الفترة الدراما التي قدمتها الحملة الفرنسية وإن بقيت المسرحيات تحمل الشكل الغربي واستمدت مسرحيات مارون بمصر تعبيرها وموضوعاتها من التاريخ القديم والمعاصر مع التراث الديني والأدبي ومعظمها كان أقرب للشعر منها إلي المسرحية الشعرية وظهرت بها عيوب شتي منها عدم وجود تمايز بين الشخصيات لطغيان صوت الشاعر علي أصوات الشخصيات فكانت تبدو متشابهة.. كما اهتم الشاعر بالشعر أكثر من اهتمامه بالحوار والحبكة والصراع الداخلي وهيمن الشعر والقصيدة الغنائية علي الحوار مما أعاق نجاح هذه المسرحيات ووصولها إلي قلب المتفرج وعقله. مع حركات التحرر من الاستعمار التي شملت الأقطار العربية بعد ثورة 1952 التي قام بها جمال عبد الناصر انقسم المسرح العربي لقسمين رئيسيين الأول اجتماعي واتجه إلي الواقعية الاشتراكية وكانت مباشرة في تناولها وتحليلها للواقع والثاني سياسي ونشأ عنه نوع جديد من المسرح السياسي مثل تيار الواقعية نعمان عاشور والفريد فرج ومحمود دياب وتمثل السياسي في سعد الله ونوس وممدوح عدوان ورياض عصمت. بين المد والجذر ويذكر الدكتور مصطفي عبدالغني في كتابه (المسرح الشعري العربي الأزمة والمستقبل) النصوص القوية التي أسست لمسرح عربي مؤصل كذلك طوع المخرجون والممثلون ماتعلموه في المعاهد الأجنبية أو المعاهد العربية التي تسير علي المناهج الأجنبية ولاتزال معاهدنا المسرحية العربية تفعل ذلك لتقديم فن عربي اكتسب الخبرة والعلم ليتحول إلي فن جماهيري يلامس بالإيماءة والفعل والحركة عواطف المتفرج العربي ويعود ذلك لمطالبة الجمهور أن يلبي المسرح حاجته إلي التغيير والتحريض علي التغيير كان السبب في تحويل العمل المسرحي من متعة فنية إلي قضية وطنية واجتماعية.. وتوازي مع حالة الصعود الفكري حالة من صعود المسرح الشعري الذي أصل له أحمد شوقي وسار به إلي التجديد والتطوير مع عدد من الكتاب أهمهم علي أحمد باكثير وصلاح عبدالصبور وعبدالرحمن الشرقاوي. تعتبر تجربة باكثير تجربة رائدة بمواجهته قضية الشعر وتوظيف بحوره في الشكل الدرامي ويحسب له أنه لم يسترح لبحور الكامل كما قال: »لم استرح للكامل والرمل والمتقارب والمتدارك في الدراما وأن أصلح هذه البحور كلها وأكثرها مرونة وطواعية هو المتدارك فالتزمته. وقد حاول تطوير الأداة الشعرية وبحورها وبشكل يسعي للتوتر الدرامي وتنوع الحوار.. ووصلت حالة المد الشعري أقصاها مع صلاح عبدالصبور وبدأ الشرقاوي كتاباته بمسرحية (مأساة جميلة) عام 2691 وتبعها (بالفتي مهران) عام 66 وتمثال الحرية 76وطني عكا 96 والحسين ثائرا وشهيدا والنسر الأحمر وآخرها عرابي زعيم الفلاحين عام 5891 ولقد اجتهد الشرقاوي في كتاباته عبر تناوله الأوزان المختلفة.. وأخذ علي تجربته الشعرية في المسرح تزايدات عدة هي أحد العوامل التي أسهمت في ترهل المسرحية وتطويلها وعدم تركيزها وإن بقيت تجربة الحوار الشعري في مسرحياته جزءا هاما من الشعر الجديد للخمسينيات واستمراره في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات مما أدي إلي تفوق الشعر في العمل المسرحي علي الفرجة التي هي أساس المسرح وفي هذا قال الدكتور الحجاجي: إن الشرقاوي مثل باكثير لم يدخل المسرح من باب خبرته في فن الفرجة وإنما من خلال خبرته قارئا ولايخرج باكثير عن ذلك فهو دارس للمسرح دراسة جيدة ولكن علاقته بالفرجة علاقة محددة.. ومحاولات الشرقاوي لممارسة الحركة الدرامية في المسرح الشعري افتقرت إليه وكانت أقرب إلي الحركة الشعرية إلي حد كبير. وهذا ما جعل شاعر نهايات القرن العشرين صلاح عبدالصبور يبتعد مستفيدا من تجربة الشرقاوي التي كتب فيها (مأساة الحلاج مسافر ليل الأميرة تنتظر ليلي والمجنون بعد أن يموت الملك) ووصفه النقاد حينها بأنه أهم رواد القصيدة الدرامية ووصل إلي درجة من التطور في تعبيره عن القصيدة الحديثة موظفا المونولوج توظيفا دراميا وانتقل بها للنص الدرامي وصولا لواقع درامي متجاوزا مرحلة التأصيل عند شوقي لمرحلة التطور عند أحمد علي باكثير والشرقاوي وعدد آخر من الشعراء ومحاولات الوصول للتعبير الدرامي الذي نجح فيه صلاح عبد الصبور في بعض أعماله وأخطأ في بعضها الآخر كما في مأساة الحلاج وقد لجأ للرمز في أعماله الأميرة تنتظر وبعد أن يموت الملك.. وهو بداية حركة الجذر للحركة المسرحية في الوطن العربي منذ الثمانينات وحتي الآن. طريق المستقبل يقول الناقد د. مصطفي عبدالغني (تتعدد صور الواقع وتتمدد معه طرق الخروج بتحديد الداء قبل البحث عن الدواء والملاحظة الأولي عند رصد حالة المسرح الشعري هالتني حالة الندرة إن لم يكن اختفاء نصوص المسرح الشعري بشكل خاص والتفريق بينه وبين الشعر المسرحي وكثير منا لا يفرق بينهما ولقد أشار النقاد منذ فترة مبكرة إلي ضرورة التمييز فالمسرح الشعري هو مسرح أولا وشعر ثانيا والشعر المسرحي شعر أولا ومسرح ثانيا ولم يعرف الأدب العالمي الشعر المسرحي إلا بعد أن جفت ينابيع المسرح الشعري« ولقد حذر الدكتور علي الراعي عندما كان يرأس هيئة المسرح في ستينيات القرن الماضي بقوله: »إن معاناة المسرح الحقيقية من التليفزيون لأنها تزاحم المسرح وفرقه الجادة خصوصا حين اتخذ التليفزيون في البداية موقفا خاطئا ومتشككا في حالة المسرح فأخذت فرق التليفزيون تزايد علي فرق الوزارة وتخطف فنانيها وتبالغ في دفع الأجور إلي غير ذلك من الوسائل والإغراءات التي نالت من المسرح منذ فترة مبكرة وهو ما أثر بشكل حاد في التليفزيون وهو ما أسهم في انعزال المسرح الجاد«.. ويري لويس عوض أن غلبة الشعر المسرحي علي المسرح الشعري في حياتنا إلي الحركة الرومانسية حين ارتفعت نبرة الشعر وخفتت نبرة المسرح حتي تحول المسرح الشعري آخر الأمر في قمة الحركة الرومانسية الأوروبية إلي شعر صرف صراحة ليس فيه من المسرح إلا صورته الخارجية وشكلياته الظاهرية كالتعبير بالحوار بدلا من التعبير بالسرد بل أصبح مجرد قصائد غنائية يتبادل أداءها أشخاص مختلفون. ويؤكد الناقد الدكتور مصطفي عبد الغني أنه باستعراض عرض أفكار المثقفين والمهتمين وصل إلي نتيجة هي: وجوب أن نلتزم بأن نتلفز فننا المسرحي أي نجعله يسير علي الطريق المؤدية إلي قبوله مادة تليفزيونية محبوبة من قبل الملايين في العالم وأول هذا الطريق وآخره أن نجد لمسرحنا هوية عربية حقا وأن نكف عن النظر إليه علي أنه أدب مسرحي في المحل الأول بل نعتبره امتدادا في الحاضر لروافد فنية أو حكائية وتمثيلية بدأت من قرون ولم يعش علي الراعي أو لويس عوض ليريا التأثير الأكبر والأخطر في انحسار المسرح وما يعانيه مما يحدث في القرن الحادي والعشرين ونقصد به انتشار المتغيرات الكبري التي نعانيها الآن مع تقدم ثورة الاتصالات والمعلومات وتصاعد الوسائل الافتراضية عالية القيمة في التأثير لدي الأجيال الجديدة في وقت تسود فيه علي العكس من ذلك حالة من الأمية الثقافية تتمثل في الأمية الهجائية التي ترتفع وبقية الأميات التي تتزايد وتتعامد علي التأثير في المسرح العربي خاصة المسرح الشعري. المتأمل لمستقبل المسرح الشعري يجده في حالتين أولاهما التنبه إلي ماسبق من أسباب أدت لانحساره وكيف يمكن تجاوز علامات حدوث هذا الانحسار مستقبلا بفهم تحولات المجتمع العالمي السياسية والاجتماعية والثقافية التي تمر بها المنطقة إضافة لدور النقد الأدبي والفني والمخرج والممثل والمؤلف ودور المسرح التجريبي مع الاهتمام بفنون الصورة مما يجعل مستقبل النثر في المسرح يحتاج إلي علاقة جديدة أوضحها الدكتور محمد عناني قائلا: »القول بأن الفن يقدم صورة منتظمة لعالم هو بطبيعته غير منتظم قول قديم قامت عليه معظم النظريات التي صاحبت نشوء النقد وتطوره وساد قول أن الشاعر يختار من الواقع عناصر بعينها ويعيد تشكيلها حتي تتخذ صورة تعين القارئ علي الرؤية الشعرية لكل شاعر ويقصد به كل كاتب أدب وكل من يمارس الفن.. وهو ما يصل بنا إلي ضرورة نزع الألفة بتقديم الواقع في صورة أو في صور غير مألوفة حتي تتكسر أنساق الرؤية وأنماطها حتي مابعد الحداثيين فإن الواقع نفسه أصبح غير متسق ولامنسق ومن التزييف تقديمه في صور تتحلي بأي لون من ألوان النظام وإزاء دلالة هاتين المدرستين لمستقبل الشعر الحر لابد من الحديث عن دلالة كل منهما للمسرح الشعري علي حدة وهي دلالة تتنبه إلي العلاقة بين النظام والفوضي وإلي طبيعة التجريب والفوضي لإعادة إحضار الثورة المثالية في أمامية المسرح بالإشارة إلي سيادة العامية هنا أو هناك. يعاني المسرح العربي حاليا أزمة في العرض والمناخ الثقافي والاقتصادي المحيط فإن المسرح الشعري يواجه عوامل أكثر صعوبة منها غياب الهوية في التاريخ في السير الشعبية في حين يجد الشعر المسرحي ضالته في التاريخ ويذكر الدكتور مصطفي عبدالغني الفارق بين العودة إلي التاريخ.. أو التراث يجب أن تكون مرتبطة بالهوية والبحث عنها.. وأيضا غياب الحالات العقيدية أو الشخصية في مقابل التركيز علي الحاضر إنه في المقام الأول تركيز علي السياسي في مقابل الميثولوجي وهو ما يحدث التناقض الدرامي بين القيم ويكون من شأن خطاب المقاومة المجردة أن ينمو بنا من التاريخ الأسطورة أو التاريخ الذي نحيله إلي أسطورة غامضة.. وقد استخدم الكاتب المعاصر التراث لمصلحة السياسة فأصبحت القيمة السياسية أكثر أهمية من التراثية.. ولم يتمكن رغم ذلك من الوصول بالخطاب السياسي إلي أقصاه فقد ترهل وغلبت علي نصوصه الغنائية أكثر من الدراما نتيجة للضغط العاطفي النفسي في الكتابة وأثناءها دون الوعي بمسيرة الحدث وبنيته الدرامية.. ومع وجود عدد من النصوص الشعرية هنا أو هناك ونتحفظ علي بعضها أحيانا من حيث البناء الدرامي أو الصراع والحوار ويؤكد السياق الأخير أن النص لا يجاوز المخطوطة أو المخطوطة المطبوعة إلي خشبة المسرح علي الرغم من كل ظواهر التكنولوجيا التي عرفها المسرح اليوم.. ومن المؤكد أن النص المسرحي الشعري لايجد له إقبالا كما لايجد له جمهورا واعيا ونفتقر إلي حد كبير إلي كتاب للمسرح الشعري في قامة عبد الصبور أو الشرقاوي.