ونحن نبدأ عهدا جديدا برئيس جديد لمصر أتذكر تمثال نهضة مصر الذي شوهه أتباع الجماعة الإرهابية بجعله موقعا موازيا لرابعة العدوية ومنطلقا لترويع الآمنين. هذا التمثال البديع والرمز الرائع لعظمة مصر صنعه المثال والفنان العظيم محمود مختار (1891 - 1934) الذي يعد امتدادا شامخا لحضارة قدماء المصريين التي قدمت للبشرية منجزها التاريخي من خلال التماثيل المهيبة. يذكر الأستاذ بدر الدين أبو غازي (وزير الثقافة الأسبق) في كتابه عن خاله محمود مختار أنه في 20 مايو عام 1928 أزيح الستار عن تمثال نهضة مصر في احتفال توّجه الملك وألقي فيه رئيس الوزراء خطاب الدولة، وارتفعت في ساحة الاحتفال مقاطع من قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي تقول بعض أبياتها ما ينم عن مقارنة إيجابية بين النحت والتماثيل التي شيدها قدماء المصريين وبين تمثال نهضة مصر العظيم الذي نحته المثال العبقري محمود مختار.. تقول بعض أبيات القصيدة: فمن يبلغ الكرنك الأقصري.. وينبئ طيبة أطلالها ويسمع ثم بوادي الملوك .. ملوك الديار وأقيالها لقد بعث الله عهد الفنون.. وأخرجت الأرض مثّالها قال مختار: «تمثال نهضة مصر ليس ملكا لأحد، ولم يقم بصنعه فرد واحد بل هو ملك لمصر.. ومصر كلها صنعته وسترفعه علي قاعدته». منح تمثال نهضة مصر لصاحبه المثال العظيم محمود مختار مجدا وضعه في مصاف المثالين العالميين أمثال رودان الفرنسي الفذ كما منحه صفة المتمم لمسيرة أجدادنا العظماء قدماء المصريين الذين سار فنيا علي نهجهم وقام بتطوير المدرسة المصرية القديمة في فن النحت لتمتد من أجداده إليه، وكانت مكاتباته تنتهي بعبارة «صاحب تمثال نهضة مصر». ويوجد متحف خاص يحتوي أعماله العبقرية ويحمل اسمه ورفاته، كما توجد بعض أعماله بمتحف الفن الحديث الواقع بجوار أوبرا القاهرة. ومن عبث الأقدار أن يصاب وهو في ريعان الشباب بخراج داخل أنسجة ذراعه الفذة التي ينحت بها أعماله الرائعة وتجري له عدة عمليات جراحية في فرنسا ولكن سموم الخراج تسري في جسده وتوهنه وتأتي علي قدراته الفنية فيصيبه الاكتئاب والإحباط، ويتحايل علي الضيق بصحبة الأصدقاء الذين كانوا يتناوبون المجيء لمنزله المشمس في حي هليوبوليس ومن بينهم الرسام العبقري محمود سعيد. وحين اشتد عليه المرض انتقل إلي المستشفي حيث فاضت روحه في يوم 27 مارس 1934 عن عمر لم يتجاوز 43 سنة وقد حمل أصدقاؤه نعشه ومروا أمام تمثال نهضة مصر لتشهد روحه أهم أعماله وأكثرها حبا في نفسه قبل أن يواري الثري في جنازة مهيبة، ليظل تمثال نهضة مصر شامخا أبد الدهر ويظل محمود مختار خالدا به وبكل أعماله البديعة.