لا أتردد كثيرا علي جامعة القاهرة التي تخرجت فيها، والسبب قد يرجع إلي أن الكلية التي درست بها لم يعد لها وجود مادي، فكلية الإعلام في التسعينات كانت تحتل الدور الأخير من مبني كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ووقتها كان يشيد لنا مقر جديد، ولكن مبني كلية دار العلوم في السيدة زينب بدأ في الانهيار، فأعطي المسئولون في الجامعة هذا المبني لها، وبعد التخرج شرعوا في بناء مبني آخر لكلية الإعلام، واليوم أصبح لنا كلية مستقلة تحتل مقرا متميزا يطل علي المكتبة المركزية والتي تقع في مواجهة كلية دار العلوم، ولو أدرك طلبة الجامعة مايحتوي عليه مبني هذه المكتبة من كنوز معرفية وثقافية وعلمية، لكانوا تسارعوا في حجز مقاعدهم فيها بدلا من إعطائها ظهورهم وهم يقفون علي سلالمها في مظاهراتهم التي تبدأ منها، وقد أحسست بمدي خسارة هؤلاء الطلاب الذين أضاعوا علي أنفسهم نزهة علمية يقومون بها في أروقة هذا المكان، فبمجرد أن دخلت لأول مرة مبني هذه المكتبة التي تضم متحف الجامعة، وذلك تلبية لدعوة محمد فريد حسين كبير أخصائي علاج وصيانة وترميم الآثار والمشرف علي إدارة متحف الجامعة - الذي وجه الدعوة للمجموعة التي كانت تحضر دورة المتاحف وتنمية المجتمع في بيت السناري - فقد انبهرت بالنظام والنظافة والجمال وحسن الاستقبال لكل العاملين في المكتبة وعلي رأسهم الزميل محمد فريد الذي قام بجولة معي داخل المتحف، اصطحبني في جولة أخري لكل أرجاء المكتبة وهي حكاية بكل المقاييس وتحتاج إلي موضوع آخر، لكن دعوني أبدأ في سرد انطباعاتي عن هذا المتحف، أولا الشعور بالخصوصية لأنني كنت الزائر الوحيد للمتحف في ذلك الوقت، وبعدي جاء المترددون عليه، فقد قال محمد فريد إن الفضل في إنشاء المتحف يعود إلي الدكتور محمود فوزي المناوي، أستاذ النساء والولادة بطب القصر العيني ومستشار رئيس الجامعة للثقافة الذي قام بالإشراف والإعداد والتنظيم للمتحف في القاعة التي تم استقطاعها من الدور الأول للمكتبة، وأنفق من ماله الخاص عليه، فقد اشتري مجموعة الشهادات القديمة لطلبة تخرجوا في الجامعة وصورة للزعيم مصطفي كامل والكتاب الذي به الخطابات المتبادلة بينه وبين الصحفية الفرنسية جولييت آدم التي فتحت صفحات مجلاتها لعرض قضية مصر مع الاحتلال الانجليزي، كما أهدي صورة للأميرة فاطمة إسماعيل التي تبرعت بالأرض والمجوهرات لبناء الجامعة وصورة أخري للدكتور محمد علوي طبيب الأميرة الذي أقنعها بالتبرع وفي نفس الوقت كان أحد أعضاء مجلس إدارة الجامعة. ويذكر أن المتحف كان قد افتتح بمبني الديوان الرئيسي للجامعة في عام 1989، وكان الغرض منه إبراز الدور التاريخي والسياسي والثقافي للجامعة، وجاء افتتاحه للمرة الثانية في المكتبة المركزية كجزء من الاحتفال بمئوية جامعة القاهرة. ومتحف الجامعة ينقسم إلي عدد من الأقسام التي تعمل بشكل متناغم.. فكما يقول محمد فريد هناك تراث وكنوز تمتلكها الجامعة، تتمثل في الوثائق الخاصة بتاريخ إنشاء جامعة القاهرة، بدءا من اعتبارها جامعة أهلية إلي جامعة فؤاد الأول وانتهاء باسمها الحالي، فنجد المحاضر الخاصة بمجلس إدارة الجامعة ووثائق إنشاء وتأسيس الجامعة التي تضم أول لائحة لها في 15 ابريل 1908وكذلك البومات وصور وسجلات الزيارات منذ الإنشاء. إلي جانب مجموعة من الشهادات القديمة اشتراها الدكتور محمود المناوي للمتحف وهي تخص الشهادات العليا للمدارس قبل أن تصبح كليات داخل الجامعة ومنها شهادة تخرج في المدرسة الطبية عام 1894 أيام أن كانت مصر سلطنة، وشهادة تخرج في المدرسة العليا للتجارة والمحاسبة عام 1917، إلي جانب شهادة تخرج في كلية طب الفم والأسنان عام 1939، فضلا عن سجل بأسماء طلبة كلية الآداب قسم الفلسفة دفعة الليسانس وتضم اسم ودرجات الكاتب والأديب نجيب محفوظ الحاصل علي جائزة نوبل في الآداب . ويشير محمد فريد إلي مجموعة قيمة من الوثائق الخاصة بالحملة الفرنسية أثناء تواجدها في مصر وتتضمن العديد من الخطابات الموقعة بخط نابليون بونابرت، فضلا عن مجموعة نادرة من المستندات الأصلية والقرارات السرية التي أصدرها بونابرت، ومعروض بجانبها مجموعة من كتاب وصف مصر الذي قام به أعضاء الحملة الفرنسية، وهي واحدة من ثلاث مجموعات من الكتاب مهداه من الأمير يوسف كمال. ومن التحف الفنية التي تتصدر مدخل المتحف مكتب خاص بالملك فاروق مكتوب عليه باللغة الهيروغليفية الخديو محمد توفيق وورثه عنه حفيده فاروق، إلي جانب كرسي للملك فؤاد الأول، وبجوارهم فاترينة يوجد بها 2 ساعة ذهب و2 بروش من الذهب مطعمان بالحجار الكريمة واللؤلؤ، وجدوا في خزائن القاعة التذكارية بالمكتبة المركزية والتي كان يشرف عليها الأمير كمال الدين حسين بن السلطان حسين كامل، يعتقد محمد فريد أنها تعود لأميرات الأسرة المالكة في مصر . ومن أغرب ماهو موجود بالمتحف مجموعة مخطوطات باللغة الحبشية القديمة (الجعزية ) المكتوبة علي الرق المصنوع من جلد الغزال والتي ترجع إلي القرن الرابع عشر الميلادي، وتتناول عدة موضوعات دينية كالصلوات والأدعية والألحان الجنائزية والترانيم وأجزاء من مزامير داود وبعض سير القديسين . وفي المتحف لفت نظري وجود مجموعة من الآثار المصرية القديمة المستخرجة من حفائر الجامعة وكلية الآثار ومنها طائر أبو منجل المقدس (ايبس ) أو الإله جحوتي (تحوت)، إله الحكمة والعلم والمعرفة عند المصريين القدماء والذي اتخذت جامعة القاهرة منه شعارا لها ويوجد في نفس الفاترينة تابوت لطائر محنط منه، هناك تمثال من العصر اليوناني نجد أن تمثال الحرية في امريكا يشبهه إلي حد كبير، وفازا من الخزف الإيراني المموه بالتزجيج ذي اللون الفيروزي تعود إلي العصرالصفوي وهي رائعة الصنع جاءت لدراستها خصيصا باحثة أمريكية في العام الماضي، وأيضا مما أثار إعجابي في المتحف بندقيتي صيد، يرجح أنهما كانا لأحد أمراء الأسرة المالكة من رؤساء الجامعة السابقين، كما يشير محمد فريد وهناك رأي آخر أنهما أهديا من إدارة التربية العسكرية بالجامعة، وهما صناعة سويسرية و يرجع تاريخهما لبداية القرن العشرين. وفي المتحف عدد من الفاترينات تضم مجموعة من المخطوطات والكتب النادرة، ونسخ من القرآن الكريم باللغتين العربية والتركية والتي يرجع تاريخها ما بين القرن التاسع والقرن الرابع عشر الهجري، وكتب نادرة في الأدب حيث نجد 3 نسخ من مقامات الحريري، وفي الشعر نجد ديوان المتنبي وفي اللغة نجد شرح ألفية الإمام بن مالك وفي التاريخ نجد كتاب تاريخ أفريقيا ويرجع لعام 1670. ويشير محمد فريد إلي أن معظم هذه المخطوطات والكتب النادرة من مجموعة بالآلاف مهداه من الأمير إبراهيم حلمي شقيق كل من الأميرة فاطمة إسماعيل والملك فؤاد الأول وابن الخديو إسماعيل، وجزء كبير منها موجود في المكتبة. ومن أقيم المقتنيات الموجودة في المتحف مجموعة من العملات من العصر اليوناني والروماني قد تصل إلي 9 آلاف قطعة (المعلوم عنها أن 6 آلاف منها أهداها مسيو دتاري الإيطالي للأمير أحمد فؤاد والباقي استكمل من الإهداءات والحفائر التي كانت تقوم بها الجامعة للتنقيب عن الآثار) إلي جانب مجموعة من الأزرار المصنوعة من الذهب والفضة لتزين الملابس والأحزمة من العصر اليوناني والروماني وجدت من ضمن مجموعة العملات المهداة، فضلا عن بعض العملات ترجع لعصري الملك فاروق والملك فؤاد من الذهب والفضة والنحاس تبدأ من النصف مليم إلي الريال الفضي الشهير وبعض العملات من الجنيه والنصف جنيه والريال الذهب بالإضافة إلي مجموعة من الميداليات والهدايا التذكارية من جامعات ودول مختلفة، علاوة علي عدد من اللوحات لشوارع مدينة روما ومجموعة من الصور النادرة لمدينة استانبول. وكل ماسبق جزء صغير مما يحتويه متحف جامعة القاهرة المفتوح للزيارة كل أيام الأسبوع ماعدا الجمعة من 9صباحا حتي 5 مساء في أيام الدراسة، أما في غير أوقات الدراسة فهو مفتوح حتي الثانية مساء .. وفي نهاية الجولة الممتعة شكرت محمد فريد المشرف علي إدارة المتحف بعد أن صعد بي إلي المرحلة الثانية من المتحف في الدور الأخير من المكتبة المركزية والتي قاربت علي الانتهاء، وتجهز لإقامة متحف كبير للمخطوطات ونوادر الكتب ومعامل علي مستوي عال لترميمها، كما يتم إقامة أجهزة تصفح لعرض أسطوانة المجموعة الكمالية النادرة للأمير يوسف كمال الذي أهدي هذا العمل لروح جده محمد علي باشا وهي تتناول جغرافية أفريقيا وحوض النيل ومصر في 14 مجلدا باللغة الفرنسية .