سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سميفونية رائعة من الأداء العسكري والدبلوماسي أعادت سيناء لمظلة السيادة المصرية أحمد أبو الغيط: حرب أكتوبر المجيدة غيرت موازين الموقف في المنطقة وحركت المياه الراكدة في اتجاه التسوية السياسية
السادات وبيجن وكارتر خلال توقيع معاهدة السلام مع مرور 32 عاما علي تحرير سيناء وعودة هذه الأرض المصرية الغالية علي قلب كل مصري ومصرية لابد أن ندرك انتصار مصر في حرب أكتوبر المجيدة وامتياز الأداء العسكري والسياسي في هذه الآونة وضعا مصر في أحسن الظروف من أجل التوصل إلي تسوية تستعيد بها مصر سيطرتها وسيادتها الكاملة علي سيناء ومن هذا المنطلق لابد أن نتذكر بكل الخير الرئيس الراحل محمد أنور السادات صاحب قرار الحرب والسلام الذي قاد المعركة عسكريا وسياسيا من أجل استعادة مصر كافة أراضيها المحتلة، وبالرغم من العديد من الاتهامات التي حاول البعض إلصاقها بشخصه وكونه كان يسعي إلي تحقيق السلام المنفرد إلا أن حقائق التاريخ تؤكد أن مصر كانت دائما وأبدا تسعي إلي تحقيق التسوية السلمية الشاملة لمشكلة الشرق الأوسط بالتركيز علي القضية الفلسطينية التي تعد بمثابة جوهر ولب قضايا المنطقة. لم تكن حرب أكتوبر المجيدة التي حققت العسكرية المصرية من خلالها أروع الانتصارات التي أعادت الكرامة المصرية والعربية لأوج مجدها قاصرة فقط علي التحركات والخطط العسكرية بل كانت هناك معارك دبلوماسية خفية أدارتها القيادة المصرية ورجال الدبلوماسية المصرية الأكفاء في ذلك الوقت قبيل هذه الحرب ويشير السفير عبدالرؤوف الريدي سفير مصر الأسبق لدي واشنطن في كتابه ارحلة العمرب إلي أن التحرك الدبلوماسي المصري في مجلس الأمن استغرق ثلاثة أشهر من أبريل إلي يوليو 1973 حيث ذهب الدكتور محمد حسن الزيات إلي نيويورك أربع مرات وقد رافقه في ثلاث منها ففي أبريل عام 1973 وعلي حد قول السفير الريدي قامت إسرائيل بواحدة من أكثر العمليات العدوانية وحشية فأنزلت وحدة كوماندوز علي العاصمة اللبنانية بيروت في دجي الليل التي قادها إيهود باراك وتم اغتيال أربعة من القادة الفلسطينيين وهم في مضاجعهم وسط أسرهم. أثارت هذه العملية ثائرة العالم العربي وقرر الرئيس الراحل السادات أن تكون هي المناسبة التي يطلق فيها الحملة الدبلوماسية التي تبين فيما بعد أنها كانت جزءا هاما من إعداد المسرح الدولي لحرب أكتوبر التحريرية فكلف وزير الخارجية محمد حسن الزيات بأن يقوم بعرض قضية الشرق الأوسط برمتها علي مجلس الأمن وقامت مجموعة العمل التي كان الزيات قد شكلها بالإعداد لذلك وقد قامت مصر بدفع أصدقائها من دول العالم الثالث بتقديم مشروع قرار بشأن مشكلة الشرق الأوسط ونجحت الدبلوماسية المصرية في استقطاب انجلترا للتصويت عليه وصوت لصالحه 13 دولة مع امتناع الصين وتصويت أمريكا ضده أي أنها استخدمت حق الفيتو لتمنع صدور القرار وكان هذا هو ما تريده مصر فقد كان الهدف هو كشف الموقف الأمريكي وإظهار انحيازه الأعمي لصالح إسرائيل. ويقول السفير الريدي في كتابه ارحلة العمرب: وفي الوقت الذي شهد تحرك الزيات علي الساحة الإعلامية كان حافظ إسماعيل يتحرك علي ساحة الاتصالات السرية مع كيسنجر ولقد أسهم التحرك المصري مع الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة في إقناع كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي حينذاك بأن خيار مصر هو بالضرورة خيار العمل الدبلوماسي وليس الحرب فيما كان الرئيس السادات يعقد اللقاءات السرية مع الجانب السوري للإعداد للمعركة. قراءة جيدة للموقف وفي الواقع فإن الرئيس السادات كان قد قرأ مواقف كافة الأطراف بدقة وكان هو الوحيد رغم كل الظروف وكما وصفه السفير الريدي في كتابه الذي يمسك بخيوط اللعبة فقد وقع السوفييت في شراك كيسنجر وخاصة في لقاء القمة بين نيكسون وبرجينيف في مايو 1972 وباتوا يخضعون سياستهم في الشرق الأوسط لسياسة الوفاق مع أمريكا وبالتالي أصبحوا عازفين عن تقديم المساندة الفعالة لمصر. أما كيسنجر فقد أخذ في الوقت نفسه يعمل علي تنفيذ رغبات إسرائيل في إبقاء الوضع علي ماهو عليه وكان الغرور قد استبد بقادة إسرائيل وتصوروا أن وقف إطلاق النار سيستمر إلي الأبد وأن مصر لن تستطيع أن تحارب. وقد ذكر السفير نيقولا فيليوتس أثناء فترة عمل السفير الريدي في واشنطن له بأنه عمل نائبا للسفير الأمريكي في إسرائيل وذهب مع موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي حينذاك عام 73 لزيارة سيناء وتوقفا عند خط بارليف وسأل ديان ماذا لو قامت القوات المصرية علي الضفة الأخري من القنال وعبرت علي حين غرة وهاجمت مواقعكم؟ فرد ديان قائلا: إن الجيش المصري الآن هو كسفينة يعلوها الصدأ وهي راسية في الميناء ولاتستطيع حراكا! ويشير أحمد أبو الغيط وزير الخارجية الأسبق الذي شارك في الحركات الدبلوماسية المصرية وعملية الخداع الاستراتيجي التي نجحت فيها مصر من خلال كتابه اشاهد علي الحرب والسلامب إلي أن عميلة الخداع الاستراتيجي نجحت بالفعل ووقعت الضربة المصرية العسكرية التي غيرت من موازين الموقف في المنطقة وحققت أهدافها العسكرية والسياسية في نهاية المطاف رغم لحظات حساسة وصعبة في بعض الوقت إلا أن أبو الغيط وكما يقول في كتابه: القد نجحنا في نهاية المطاف في تحريك المياه الراكدة والتحرك في اتجاه تسوية سياسية تعتمد علي فاعلية وكفاءة وقدرة القوات المسلحة المصرية وكذلك من خلال الوقفة البترولية العربية الصارمة وأخيرا كان النجاح في دفع الولاياتالمتحدة لأخذ مسئولية تحقيق السلام علي عاتقها. أما السفير عبدالرؤوف الريدي في كتابه رحلة العمر وصف رحلة الرئيس السادات للقدس بأنها كانت زلزالا لأن هذه الزيارة زلزلت المواقف والمشاعر التي كانت سائدة لدي الطرفين المؤيد والمعارض لها داخل مصر فضلا عما أحدثته علي مستوي العالم. وتوالت جولات مصر الدبلوماسية فيما بعد زيارة السادات التاريخية للقدس التي تمثلت في الدعوة لاجتماع القاهرة التحضيري في 14 ديسمبر 1977 والذي عقد في فندق مينا هاوس وما تبعها من اجتماع الرئيس السادات مع مناحم بيجين في الإسماعيلية في 24 ديسمبر من نفس العام ثم اجتماعات اللجنتين العسكرية والسياسية المصرية الإسرائيلية وبمشاركة وزير الخارجية الأمريكية، وفشل الأطراف في تحقيق الانفراجة المطلوبة في الموقف ومن ثم تلقي الرئيس السادات دعوة من الرئيس الأمريكي كارتر لزيارة واشنطن يوم 3 فبراير 1978 للبحث في كيفية تحريك الموقف وتحقيق هدف مبادرة السلام. مواقف أساسية وقد أكد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية الأسبق في كتابه (شاهد علي الحرب والسلام): ولا سيما وأنه شارك في الفريق الدبلوماسي الذي تولي مهمة هذه المراحل تحت قيادة الرئيس الراحل أنور السادات بأن الجانب المصري طوال فترة التفاوض المصري الإسرائيلي علي معاهدة السلام أي في الفترة من 12 أكتوبر 1978 وحتي 26 من مارس 1979 قد تمسك بمواقف أساسية تسعي لحماية حقوق الفلسطينيين ولاتمكن أي طرف من الادعاء بأن مصر وهي تسعي لتخليص أراضيها من الاحتلال الإسرائيلي لسيناء لايمكن أن تتنازل بأي حال من الأحوال عن أي مصالح فلسطينية. وقد ظهر ذلك جليا في رسائل عديدة أرسلها رئيس وزراء مصر ووزير خارجيتها في نفس الوقت الدكتور مصطفي خليل إلي سيروس فانس وزير خارجية الولاياتالمتحدة ترفض فيها مصر كل المفاهيم والإجراءات التي تتحدث بها إسرائيل أو تنفذها في الضفة والقطاع. عودة طابا وعلي كافة الأحوال فقد تم تنفيذ الانسحاب الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء في التوقيتات المنصوص عليها في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ولكن إسرائيل عندما انسحبت من سيناء وتم رفع العمل المصري علي العريش يوم 25 من أبريل 1982 تعمدت وعلي حد وصف السفير عبدالرؤوف الريدي في كتابه (رحلة العمر) ألا يكون انسحابها كاملا وأبقت قواتها في منطقة صغيرة تبلغ حوالي كيلو متر واحد تقع علي قمة خليج العقبة بجوار ميناء إيلات مدعية أن هذه القطعة لاتدخل ضمن الأرض المصرية وأعطت إسرائيل الترخيص لإقامة فندق سياحي في هذه المنطقة وسار العمل بكل همة في إقامة هذا الفندق وقد تعمدت إسرائيل خلق هذه المشكلة حتي لاتكرس مبدأ االانسحاب الكامل من الأراضي المحتلةب وحتي لايكون الانسحاب الكامل من الأراضي المصرية سابقة تحتذي مع الأطراف الأخري خاصة سوريا. إلا أن مصر أصرت علي عودة طابا وكان اللجوء إلي التحكيم الدولي في هذا النطاق وقال الريدي في واقع الأمر إن الإدارة المصرية لأزمة طابا كانت إدارة علي أعلي مستوي وهي تحسب للدبلوماسية المصرية التي قادها وزير الخارجية الدكتور عصمت عبدالمجيد باقتدار ومعه كل من السفير الدكتور نبيل العربي ومجموعة من القانونيين المصريين المميزين وفريق من المؤرخين المصريين ومجموعة ممتازة من شباب الدبلوماسيين القانونيين هؤلاء الذين بذلوا جهودا مضنية حتي عادت طابا للسيادة المصرية.