ظلمه التاريخ وأنصفه المولع بالحقيقة وحيد حامد هو النقراشي باشا رئيس وزراء مصر الأشهر والذي راح ضحية وطنيته، جسارته، حسمه ويقظته تجاه الخطر الفادح الذي يهدد أمن المجتمع ومازال، فأمر بحل جماعة الإخوان التي صارت أشبه بوباء فتاك يتغلغل في كل شرائح الوطن، تارة من خلال الترغيب وتارة الترهيب فكان احتكار العقيدة والهيمنة الاقتصادية هذا ما يبرزه مسلسل الجماعة المؤثر والذي نجح في تحطيم التابوهات وسحق تلك الهالة المقدسة المقترنة بحسن البنا فتحول إلي أسطورة مضللة، غاصت في غياهب الزمن، فكان أن حرك المستنير وحيد حامد المياه الراكدة لتشرق الحقيقة التي غابت عن الجاهل أو المستفيد ويأتي كتاب (النقراشي) للدكتورة هدي شامل أباظة حفيدة هذا الرجل العظيم الحافل بالوثائق والموضوعية ليكون مع (الجماعة) ثنائيا بديعا لاستدعاء صحوة تعزف علي أوتار الحقيقة الغائبة وتهشيم التدليس الذي طالما حجب الرؤية عن العديد من المسلمات وبرأ الرجل من شوائب ملفقة تجرعناها في مناهج التاريخ عن تورطه في واقعة كوبري عباس، وعندما تصدي النقراشي لحسن البنا وجماعته الإرهابية كان يعلم أنه سيقتل ولكن علي مذبح الانتماء الذي صار مندثرا.. فهانت حياة الرجل في سبيل مصر. وإذا كان عدد الإخوان في الأربعينيات كان قد وصل من 500 ألف إلي مليون فتري ما هو عددهم اليوم؟!! فهي بمثابة المحظورة قولا والمتغلغلة فعلا وعددا. وإذا كان الإخوان والضباط الأحرار وجهين لعملة واحدة، وإذا كان حريق القاهرة عام 1952.. استهدف نفس الأمكنة ذاتها التي دمرها الإخوان عام 1948، دور السينما في وسط البلد ومحلات اليهود وإذ اندلعت حركة الضباط الأحرار بعد حريق القاهرة ببضعة شهور ألم تعد الصورة واضحة وإذا انقشعت الرهبة التي طالما حجبت عنا الكثير من الحقائق الواضحة فآن لنا أن نتغير وأن نحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفي لقاء لي مع المبدع وحيد حامد مستني استنارته وشغفه العميق بالتنقيب عن الحقيقة، البحث في جذور ما يحدث بجسارة مدهشة وتمنيت لكل ليبرالي في مصر أن يقتفي أثره، أن يسعي للفعل، للمواجهة، أن يهجر التقوقع علي الذات، أن يشارك في دك جحور الظلام ومحاكم التفتيش المعربدة، لقائي مع وحيد حامد، حماسه، آرائه بعثت في روحي آمالا كادت تموت بفعل القبح، الصمت عن الحقيقة والإظلام المتفشي.