يحمل البريد الإلكتروني لي يوميا العديد من الرسائل من الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية التي عادة لا أهتم بها كثيرا،لكن رسائل بيت السناري التابع لمكتبة الإسكندرية دائما ما تثير فيّ الفضول والشغف لمتابعة ماتحتويه، ومنذ أكثر من شهر بعث لي بريده رسالة، فحواها أن السناري بالتعاون مع الأيكوم (المجلس العالمي للمتاحف) ينظم دورة في شهر مارس تحت عنوان «الدور الرئيسي للمتاحف في المجتمع»، تشمل العديد من المحاضرات وورش العمل وزيارة 4 متاحف منها متحف الحضارة المصرية الذي لم يفتح بعد، وبما أنني من هواة زيارة المتاحف في كل أنحاء مصر، وجدتها فرصة عظيمة يجب اقتناصها خاصة أن هناك متحفين من ال4 متاحف المذكورة لم أزرهما بعد، المهم اشتركت في الدورة وفي اليوم الأول اكتشفت أني أنا المتدربة الوحيدة غير المتخصصة في الآثار أو السياحة أو المتاحف أو حتي طالبة علم مثلهم، لكن بمرور الوقت شرفت بأنني قمت بعمل العديد من التحقيقات المصورة عن المتاحف تناولت جانبا كبيرا مما أثير في الدورة. قامت بتنظيم برنامج الدورة الباحثة لنيل درجة الدكتوراه في الآثار من جامعة القاهرة، نيفين نزار زكريا.. من أجل الوقوف علي الوظائف الأساسية للمتاحف من خلال التعريف بأفضل الممارسات الحالية في المتاحف العالمية، وماتقدمه من خدمات متحفية وأنشطة تعليمية وتثقفية لزائريها سواء من المجتمع المحلي أو المجتمع الدولي، في إطار كونها مؤسسات فعالة ذات وظيفة تعليمية تثقيفية هادفة موجهة لجميع فئات المجتمع المحلي من أطفال وشباب وكبار، هذا فضلا عن الزوار من مختلف أنحاء العالم وكذلك الباحثين والمتخصصين . كما تستعرض الدورة التحديات التي تواجهها المتاحف المصرية في العديد من المجالات المتحفية ومحاولة إيجاد حلول جذرية لها، من خلال تسليط الضوء علي تلك المجالات (التسويق، زيادة الموارد، العرض المتحفي، التربية المتحفية) وربط المجتمع المحلي بأنشطة تثقيفية وبرامج تعليمية تقام داخل مؤسسة المتحف أو خارجه . وفي ورشة العمل الأولي.. انقسم المتدربون في الدورة إلي أربع مجموعات لعمل شعار لأحد المتاحف المصرية، واكتشفت أن مجموعة منهم تعرف بعضها جيدا، فهذه مجموعة باحثين يدرسون في السربون من خلال الجامعة الفرنسية بالقاهرة واختارت متحف محمود مختار، وتلك مجموعة ثانية من جامعة حلوان تدرس الماجستير في جامعة ألمانية، واختارت المتحف الزراعي، والمجموعة الثالثة معظمها من متحف بنك مصر وبالطبع اختاروا متحفهم، أما المجموعة الأخيرة ..فكانت تشكيلية من طالبتين في الآثار ومهندس يصمم متاحف وأمين متحف الجامعة وأنا، واختار المهندس المتحف القبطي ولانني لم أزره، أحسست انني مقصرة، رغم أنني زرت مجمع الأديان في مصر القديمة، وفازت بالجائزة المجموعة الأولي بعد التصويت بينها وبين المجموعة الثانية في عمل أنشطة تعليمية وتثقفية داخل وخارج المتحف، أما نحن فقد اخترنا متحف الجامعة لعمل ندوة عن كتاب ومعرض للمكفوفين، بعد غياب نادر صاحب فكرة المتحف القبطي . أما في المحاضرة الثانية في الدورة ..قال الدكتور أسامة عبد الوارث، ممثل الأيكوم في مصر ومدير متحف الطفل للحضارة والإبداع، أن مصر شهدت وعيا بالمتاحف والعمل المتحفي قبل أوروبا نفسها، ففي عام 1932 كتب الشاعر محمود أبو الوفا قصيدة بمناسبة إعادة افتتاح متحف الفن الإسلامي بالقاهرة تقول بعض أبياتها : قف بالمتاحف مائل الأذن /إن المتاحف ألسن الزمن / هي كنز مفتخر بأمته /ومثابة المفتن والفن / كم بينها عظة مصورة /كم بينها فتن لمفتتن /حفظت أعز نفائس الدنيا /قدرا وأثبتها علي المحن /دنيا ولكن لاوجود لها /إلا لعالي القدر والثمن / أحياؤها للخلد قد خلقوا /لم يخلقوا للقبر والدفن /.. ويضيف الدكتور أسامة نحن لا نبدأ من الصفر والدليل هذه القصيدة فهي من زمن بعيد وإن كان هناك ماهو أبعد من ذلك الزمن ..فتعبير كلمة متحف اللاتينية، صدرته مصر إلي العالم كله،فكلمة ميوز أطلقت علي مجموعة تماثيل ملهمة عرضت في مكتبة الإسكندرية القديمة، وأخذت منها المصطلح كل بلاد العالم لكنه لم يعد ونحن حاليا في محاولة لاسترداد العلوم من الغرب، ويؤكد الدكتور أسامة أن متاحفنا في أشد الحاجة إلي تغيير دورها، فإذا كانت تتكلم عن شيء ما، فيجب أن تتكلم عن الإنسان والمجتمع، أي شخص ما، فمثلا آلة الهارب الفرعونية تتكلم عن صانعها أو روحها أو استلهام، فيجب أن نبرزها في عرضها المتحفي لتتحول من شيء ما إلي شخص ما . موضحا أن المتاحف الناجحة هي التي بلا حواجز حتي لو كانت فاترينات زجاجية، فهي تهدف إلي خلق مجال أو بيئة تساعد علي الحوار ..فالأيكوم يعرف المتحف علي أنه مؤسسة لا تسعي للربح ولكنه مؤسسة دائمة من أجل خدمة المجتمع وتنميته .ويشرح سيد أبو الفضل أمين متحف الحضارة المصرية بالفسطاط، دور الحقيبة المتحفية في نشر الوعي الثقافي لدي الأطفال ..والذي أهديت له حقيبة من متحف ليفربول بإنجلترا بعد دورة متحفية له هناك، عبارة عن صندوق من البلاستيك يمكن التنقل به من مكان لآخر، وتحتوي الحقيبة علي مجموعة من الأعمال الأثرية أو الفنية وأحيانا تكون قطعا أصلية، وهذه الحقيبة المتحفية الهدف منها أن المدارس التي ليس لديها القدرة علي الذهاب إلي المتاحف، فإن المتاحف تذهب اليها، ويمكن استعارتها لمدة فصل دراسي كامل، كما يتم تداولها في دور المسنين والمستشفيات والأيتام وغيرها، والهدف من ذلك جذب الجمهور لزيارة المتحف الأصلي نتيجة تأثير مقتنيات الحقيبة عليهم. وكانت أول زيارة ميدانية لنا لمتحف سكك حديد مصر الذي أعيد تطويره ولكنه لم يفتح للجمهور بعد، وبمجرد دخولنا باب المتحف انتشر الجميع وتفاعلوا مع المعروضات والوسائل الإيضاحية للقطع والنماذج المعروضة بشكل إيجابي وتم إثارة العديد من التساؤلات بخصوص بعض المقتنيات وطرق عرضها وقد اصطحبنا في جولاتنا كل من حكمت فرحات مدير المتحف وناهد الخطيب وماجدة محمد أمينتي المتحف، وجميعهن أعطين نموذجا إيجابيا لأمناء المتاحف، هذا فضلا عن حرصهن علي سماع تعليقاتنا وآرائنا لتدارك أي قصور في بيئة العرض، وقامت نيفين نزار زكريا المشرفة علي برنامج الدورة بوضع تقييم للزيارة وحددت أوجه القصور في عدة نقاط، والمفروض أن تقدم نسخة منه لإدارة المتحف لاتخاذ اللازم قبل افتتاحه للجمهور ..لكن أطرف ماحصل أن كل واحد منا خرج بمعلومة أفادته شخصيا فمثلا مريم داود خريجة الإرشاد السياحي عرفت أن جدها الأكبر كان أول مدير عموم لسكك حديد مصر وهو إنجليزي الجنسية وقد أسلم وسمي نفسه عبد الله وأن له صورة محفوظة في المخازن كانت معلقة علي جدران المتحف، بينما الدكتور محمد حسني أول من حصل علي شهادة السربون من الجامعة الفرنسية بالقاهرة عثر بالصدفة علي توقيع لجده في دفتر الزيارة ..وقبل أن تنتهي زيارتنا للمتحف اجتمعت بنا نيفين في حجرة مديرة المتحف حكمت فرحات لأخذ رأينا في أن تكون زيارتنا الميدانية الثانية لمتحف الطفل للحضارة والإبداع بمصر الجديدة بدلا من المحاضرات في ذلك اليوم لأن المتحف يحتفي بمئوية الطيران في مصر والذي تحتفل به السفارة البريطانية حيث إن هذا المكان كان موقعا لتصنيع أول طائرة مصرية مائية تقوم برحلة طويلة إلي السودان وكان قائدها فرنسيس ماكلين وحضر الاحتفالية حفيده بينما حضر حفيد جاس سميث أحد مهندسي الطائرة، وبعد انتهاء الاحتفالية قمنا بجولة اصطحبنا فيها المهندس الإنجليزي مايكل مالينسون مصمم المتحف، تلا ذلك شرح ممتع لفاطمة مصطفي نائب مدير المتحف وقد ذكرت نبذة تاريخية عنه ووظيفته والأربعة طوابق التي يتكون منها المتحف ومبني السينما والحديقة التي تضم نماذج مجسمة توضح البيئات المصرية المختلفة (البدوية والريفية والصحراوية ) ثم قام معتز المكاوي باصطحابنا في جولة مكوكية لمشاهدة أجزاء المتحف، ففي الطابق الأول من المتحف اكتشفنا كنوز أجدادنا الخفية من خلال مغامرة في علم الآثار أما الطابق الثاني فيعرف الزائر كيف أن الحضارة المصرية بدأت بمواسم النيل الثلاثة (الفيضان والبذر والحصاد) بينما الطابق الثالث يحكي مستقبلنا من خلال الطاقة والمياه وأخيرا وجدنا في الطابق الرابع مغامرة في علوم النجوم والفضاء والطيران تنطلق فيها إلي عالم الخيال بعيدا عن كوكب الأرض. قبل أن تنتهي جولتنا الممتعة في المتحف كان شحن جميع كاميراتنا وموبيلاتنا قد فرغ من كثرة التصوير والتسجيل، فقد كانت المعروضات تحثنا وتشجعنا علي الإبداع والابتكار في التقاط كل شاردة وواردة.. وقد انتهت جولتنا مع غروب الشمس وقد حل الظلام عند الرحيل وان كانت دورتنا لا تزال مستمرة