في هدوء تام رحلت إلي رحاب ربها راضية مرضية تودعها دموع أبنائها المذيعين والمخرجين الذين تعلموا في مدرستها أصول العمل الإعلامي والتلفزيوني في نحو نصف قرن ، ويناديها ربها فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ، تألقت سهير الإتربي علي شاشة التلفزيون مع بداية بثه في أول ستينيات القرن الماضي مذيعة جميلة نابهة ذات حضور طاغ علي الشاشة فلئن كانت ليلي رستم أسطورة الشاشة فإن سهير الإتربي هي ملكتها المتوجة وقد تقلدت المناصب واحدا تلو الآخر حتي رئاسة التلفزيون فملأت الفراغ وصححت المسار وحجمت الفساد وشهد التلفزيون أسعد وأزهي أيامه ولياليه وهي ترفع من مضمون برامجه في توجه وطني خالص .. رحلت سهير الإتربي وهي صاحبة فضل علي جيلي كله والجيل قبلي . جمعتني بها الأحداث أول مرة ضيفا علي برنامجها الشهير " دعوة للفكر " في العام 1976وكنت طالبا بالفرقة الثانية بقسم الإعلام بجامعة الأزهر وهو جديد افتتح قبل عام فقط وسألتني . ألاتكفي كلية للإعلام بالقاهرة ؟ فماذا تضيفون أنتم أبناء الأزهر ؟ قلت لها في جرأة لم تتوقعها : حضرتك الآن تتكلمين علي الشاشة بالعامية وهي ركيكة وكان أولي لك أن تتكلمي بالفصحي ، كما أن أخطاء المذيعين في اللغة فاحشة ومستهجنة ، وبرامجهم الدينية ضعيفة عدا نور علي نور ، لذا نحن قادمون لتصحيح كل هذا وتقديم برامج واعية مستنيرة بفهم أزهري مستنير، مرت تسعة أعوام علي هذا اللقاء وفي ظهر يوم رن جرس التلفون بمكتبي، آلو.. ممكن أكلم الأستاذة نوال البيلي.. مش موجودة يافندم ..طيب تطلبني علي الرقم ده......! فقلت دا رقم وزراء والله شكله جميل وسهل... ضحكت وقالت : أيوه تليفون وزرا ...مين اللمض حضرته... أنا سهير الإتربي .قلت ياااااه يا أستاذة أنا تهامي منتصر اللي... واللي .. أيوه إنت فين؟ تعال بسرعة حالا لابس بدلة شيك وفي مساء نفس اليوم اعتمدتني لجنة شكلتها خصيصا من د. جمال أبو العزايم وكاريمان حمزة وعلي الزرقاني رئيس الرقابة ومحمد عويس مدير البرامج الدينية والمخرج أحمد طه والأستاذة سهير ومن ليلتها أصبحت مذيعا بالتلفزيون إلي جانب عملي بآخر ساعة.. وأصبحت قريبا منها فأهدتني أهم مخرج عندها كانت تراه مبدعا صاحب لمسات فنية غير مسبوقة علي الشاشة فبدأت مع إبراهيم العراقي رحلتنا ولعلني وفيت ولم أخب ظنها! رأيتها تتحمس للمبدعين لايهمها قرابة ولا صداقة ولا توصية بل ولا شهادة ونبيل عبد النعيم تلميذها مخرج كلام من دهب لايحمل شهادة عليا وبإصرار منها اعتمدته مخرجا ..وكثير من مواقفها الكبيرة التي يعجز عشرة من الرجال عن حملها حملتها سهير الإتربي ورأيتها تقول لفلان : إنت حرامي ولو مارجعتش هاارجعك، رحلت الأستاذة فتكسر كرسي الأستاذية لايجلس عليه غيرها ..أبكيك وأدعو لك ماحييت .