الطفل »أحمد داش« ومجموعة الأطفال الموهوبىن أبطال فىلم »لا مؤاخذة« للمخرج »عمرو سلامة« في أحضان التاريخ.. وفي مدينة طيبة القديمة.. »الأقصر«.. التي تضم ثلث آثار العالم.. انطلقت دعوة الفنانين والنقاد والمثقفين المجتمعين في مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية في دورته الثانية يعلنون كامل تضامنهم.. وانضمامهم لقوي الشعب المصري التي تحارب ذلك الإرهاب الأسود بكل صوره، ويثقون في قدرة المصريين علي دحره، مثلما انتصروا علي كل التحديات التي واجهتهم عبر تاريخهم. كما جاء في البيان أنها ليست المرة الأولي التي تواجه فيها مصر خطر الإرهاب الأعمي والإجرامي الذي يهدر قيمة الحياة البشرية ويدمر صروح الحضارة والمدنية بلا مبالاة أومراعاة لأي قيمة إنسانية أو وطنية أو دينية. واجهت مصر ذلك الإرهاب الأسود في عقدي الثمانينات والتسعينات وانتصرت عليه رغم الثمن الباهظ من دماء الضحايا الأبرياء. وهي اليوم أكثر تصميما علي دحر وتحدي ذلك الإرهاب باحتشاد وتضامن كل قواها الشعبية والعسكرية والأمنية التي خرجت بالملايين في ثورتي 25 يناير و03 يونيو لتعلن رفضها للاستبداد والإرهاب علي حد سواء. »الخال« عبدالرحمن الأبنودي رئيسا شرفيا للمهرجان هذا هو نص البيان الذي وقع عليه المشاركون في الدورة الثانية لمهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية.. وقد صاغ البيان أديبنا الكبير.. »بهاء طاهر«. وكان حادث انفجار سيارة أمام مديرية أمن القاهرة والمتحف الإسلامي قد أثار أحزان وأشجان الجميع وفي نفس الوقت زادهم قوة وإيمانا لمحاربة هذا الإرهاب ومقاومته.. وفي سلاح الفن ودعمه أقوي رادع للقضاء علي العقول المغلقة علي أفكار عقيمة مسلوبة الإرادة. إن في ضرورة إقامة المهرجانات بمختلف أنواعها ودعمها أقوي رد.. علي مايتردد من افتراء علي هذا البلد الذي سيحفظه الله ويحفظ شعبه من الذين يحاولون القضاءعليه وسلبه أمنه وسلامه. ومن حسن الحظ أن هناك محافظين يدركون أهمية الفن والمهرجانات السينمائية ودورها الهام.. وهو ما ينطبق علي محافظ الأقصر اللواء »طارق سعد الدين« الذي قدم كل الدعم للمهرجان.. وكان حريصا علي التواجد بين ضيوف المهرجان.. ودعوتهم علي نزهة نيلية للإفطار.. واصطحاب الضيوف الأجانب في جولة سياحية وسط آثارنا الشامخة. في هذه الدورة التي رأسها ابن الجنوب الخال »عبدالرحمن الأبنودي« »رئيسا شرفيا« والذي وجه رسالة مصورة رحب فيها بضيوف المهرجان الذين هم ضيوف مصر.. وأكد فيها أهمية وقيمة الفن.. وانعكاس ذلك علي تنشيط السياحة. وقد كرم المهرجان في هذه الدورة الفنان المصري القدير »نور الشريف« وقد استقبله جمهور الأقصر بحفاوة شديدة وعرضت مجموعة من أجمل أفلامه.. وكان حريصا علي التواجد والمشاركة مع الجماهير. كما تم تكريم المخرج الروسي »فلاديمير مينشوف« الذي أعرب عن سعادته بتواجده في المهرجان.. وشعوره بالأمن في مصر.. رغم كل ما يتردد في الخارج عن سوء الأحوال.. وقد رأس »مينشوف« لجنة التحكيم الدولية التي ضمت في عضويتها الفنان القدير المصري (سعيد شيمي) مدير التصوير وكلا من المنتجة الإستونية »كادي لوك«.. والمنتج البلجيكي »جاك لوران«.. والفرنسية »ليز فايول« والفنانة اليونانية »كاترينا دبداسكالو«. وقد ضمت لجنة التحكيم جائزة »عمود الچد الذهبي« للفيلم الصربي »مهلك« للمخرج »ميلوش بوزيتش« والفضية للفيلم اليوناني »العدو بالداخل« إخراج يورجوس تسيمبيرو بولوس. وكانت المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة أحدعشر فيلما من عشر دول من بينها مصر التي شاركت بفيلم »لا مؤاخذة« للمخرج »عمرو سلامة«.
وعلي هامش المهرجان أقيمت عدة ندوات منها السينما والتغيير السياسي والاجتماعي في مصر حضرها الأديب بهاء طاهر والناقد السينمائي علي أبو شادي والمخرج مجدي محمد علي.. والمخرجة هالة لطفي.. وقد أدار الندوة المخرج د. محمد كامل القليوبي. كذلك ندوتان عن السينما المستقلة.. والسينما والإنتاج المشترك. معظم أفلام المهرجان كانت تتناول هموم الإنسان البسيط.. أحلامه وآماله قبل معاناته.. مابين قسوة الحياة والألم النفسي الناتج عن عنف المجتمعات وقسوتها.. وهموم الحياة باتت هي القاسم المشترك الأعظم للأفلام رغم اختلاف جنسياتها.. وباتت الأوطان عنصرا طاردا لأبنائها الذين يبحثون عن الهجرة لدول أكثر ثراء.. بعدما انعدمت أبواب العمل في وجوه أبنائها.. وينسي الجميع أن حلم الهجرة ليس دائما ورديا. وقد يكون مقبولا أو مفهوما أن يعاني الكبار أو الشباب من سوء أحوال أوطانهم.. لكن عندما يصل الأمر للصغار الأطفال.. فهذا ما يعصر القلب ويشعرنا بالسوء الحقيقي. وفي الفيلم المصري »لا مؤاخذة« للمخرج الشاب »عمرو سلامة« ورغم أنه لم يحصد أي جوائز.. إلا أن الجائزة الحقيقية كانت الإعجاب الشديد واستقباله الحار من قبل الجماهير. فيلم »لا مؤاخذة« بطولة مجموعة من الأطفال الصغار علي رأسهم »أحمد داش« و»كندة علوش«.. وهاني عادل عن سيناريو ل عمرو سلامة وإنتاج محمدحفظي الذي أصبح أحد أعمدة إنتاج أفلام السينما المستقلة.. ومدي ما يقدمه دعم كبير لإنتاجات متميزة من الأفلام. تكريم نور الشريف في المهرجان »لا مؤاخذة« هو صرخة ضد التمييز ضد أي أقلية سواء طبقية فئوية - دينية.. إن أبناء الوطن الواحد لا يجب أن يخضعوا لأي اعتبارات تبعد عنهم السواسية في الحقوق والواجبات. الطفل الصغير »هاني« يعيش حياة سعيدة مع أبويه.. هو في إحدي المدارس الخاصة المرموقة.. هاني طفل متميز.. متفوق في مدرسته.. ينعم بحب والده مدير البنك ووالدته العازفة بالأوبرا.. »هاني« مسيحي يذهب بانتظام مع والده للكنيسة.. يشارك في أنشطتها.. لكن يصاب الأب بأزمة قلبية حادة يتوفي علي إثرها.. وتجد الأم نفسها مضطرة إلي أن تخرجه من المدارس الخاصة ليلتحق بمدرسة حكومية. في هذه المدرسة يجد هاني نفسه يخفي ديانته المسيحية.. حتي لا يتعرض لأي نوع من الاضطهاد.. حتي أنه يتفوق في الإنشاد الديني ويحصل علي الجائزة الأولي »سجادة صلاة« و»مصحف«.. وعلي إثر مشاجرة بينه وبين أحد التلاميذ تذهب والدته للمدرسة.. ويكتشف الجميع أنه »مسيحي«. الأم التي كانت مبتعدة عن الكنيسة تعود إليها من خلال ابنها.. وهي وإن كانت تسعي للهجرة إلا أن الصغير إحساسه بوطنه وبلده عال لذا وهو في هذا العمر يرفض الهجرة تماما. إنه الصغير الذي كبر قبل الأوان.. وتعلم أن يدافع عن نفسه ويتفوق علي الجميع كي يحقق ذاته.. فليس في قاموس لغته وسلوكياته معني للاستسلام.. لأننا نحن الذين لابد أن نفرض الواقع علي الآخرين. إن هذا الفيلم يستحق كل من شارك فيه التحية والتقدير.. لقد كان صادقا كل الصدق فيما عرضه مما يحدث في المدارس الحكومية.. وينعكس بالتالي علي سلوك الصغار.. إنهم لايحتاجون للتعليم فقط بل التربية وزيادة الوعي.. حتي لايصبحوا ذوي عاهات نفسية عند الكبر. »لا مؤاخذة«.. يوضح كيف تكون البدايات في التفرقة الطائفية.. وكيف يتكون التطرف.. ويتعلم الناس »الجبن« في مواجهة المشكلات. إن مصر عاشت دائما.. وستعيش إلي الأبد لا تعرف التفرقة بين أبنائها مسلمين ومسيحيين ويهودا.. فالوطن للجميع يعبدون ربهم كل حسب دينه.
في كل مرة ستتاح لي مشاهدة فيلم »فتاة المصنع« للمخرج القدير »محمد خان« لن أفوتها.. فهو فيلم يحمل متعة لا حدود لها .. وكم كان جميلا عند عرضه في »الأقصر« أن يدعو المحافظ من خلال أمينة المرأة في المحافظة أن تدعو سيدات المحافظة لمشاهدة هذا الفيلم الذي سبق وعرضناه تفصيليا في رسالة مهرجان دبي.. وقد حصل علي جائزة »الفيبرس« وجائزة أحسن ممثلة »لياسمين رئيس«.
وإذا كان »محمد خان« قدم فيلما شديد المتعة عن بنات الطبقة الفقيرة العاملات في مصانع النسيج فإن »نادين« ابنته قدمت فيلما رائعا عن حياة المهمشين في مجتمع من العشوائيات حيث لا ماء.. ولا خدمات ورغم ذلك فالحياة تسير بكل ما فيها من خير وشر.. وحيث تصبح كل الممنوعات متاحة.. وكأن العشوائيات ليست فقط في الخدمات بل في الأخلاقيات. الفقر الشديد قد يدفع الإنسان لفعل أي شيء ليحصل علي قوت يومه ليتمكن من الحياة.. فما بالك بمن يبحث عن حياة أفضل من خلال الهجرة من موطنه والذهاب إلي بلاد الأحلام.. هذا هو حال »يانكو« بطل الفيلم الصربي »مهلك« للمخرج »ميلوش بوزيتش« الذي يعود إلي قريته الصغيرة المنعزلة بعد سنوات طويلة أمضاها »يانكو« في العاصمة.. لم يحقق فيها الكثير.. وفي عودته لقريته يعمل بشدة علي بيع قبر والده لكي يتمكن من الهجرة إلي »سويسرا.. حيث يحلم بحياة أفضل. إن في يأس الأحياء من العيش حياة كريمة جعلهم يجورون علي الأموات يتقاسمون معهم المساحات كما يحدث في مقابرنا.. أو يبيعونها ويستثمرون أثمانها.. حتي بات الأموات »رزق« الأحياء.