حتى الصغار يفضلون الألعاب الإلكترونية لم يعد خافيا علي أحد تلك الأزمات والتوترات التي يعيشها كل من يحمل الجنسية المصرية، فبلادنا تشهد حالة من عدم الاستقرار سواء الاقتصادي أو الاجتماعي بفعل السياسة، فلا عجب أن يخرج علينا البعض ليصرخ بأعلي صوته "شبعنا سياسة" وتراهم يهربون إلي ممارسة هوايات نسوها أو تناسوها بفعل العواصف المتتالية ولكن الأعجب أن تجد من يهرب أو يحتمي بألعاب الإنترنت تلك الألعاب التي انتشرت بصورة واسعة النطاق بفعل التكنولوجيا المتطورة واستطاعت أن تجذب آلاف المعجبين الذين باتوا أقرب إلي إدمانها وقضاء أغلب أوقاتهم أمام شاشات الكمبيوتر ليلعبوا المزرعة السعيدة أو الساب واي سيرفس والكارثة أن تضيع أوقات العمل الرسمية في تلك الهواية. فبحسب إحصائية أصدرها موقع جوجل أكد أن أكبر مستخدمي ألعاب الإنترنت هم شعوب العالم العربي بعدد 21 مليون مستخدم وأن المصريين يتصدرون هذا العدد بواقع 4 ملايين مستخدم وأن أعلي لعبة حققت نسبة اشتراك من مستخدمي الفيس بوك هي لعبة المزرعة السعيدة المحببة إلي قلوب السيدات والشباب خاصة ما بعد المرحلة الجامعية. ولمن لم يدركه حظه لممارسة تلك اللعبة فهي عبارة عن مزرعة كبيرة مكسوة بأشجار خضراء تحيط بك من الجانبين تقوم بشرائها كواقع افتراضي لتصبح مستقبلك وحياتك القادمة وعليك أن تقوم بتعميرها وشراء حيوانات تساعدك في ذلك من جيرانك المحيطين بك وتبرم معهم الصفقات التجارية لتبدأ الحياة الوردية الخالية من كل المشكلات، المطلاة بألوان كارتونية جذابة تجعلك تتمني أن يتحقق هذا الحلم علي أرض الواقع، فهل تربعت تلك اللعبة علي قائمة اهتماماتنا نظرا للمصائب والتوترات المحيطة بنا فجعلت أكثرنا يهرب إلي تلك الألعاب عله يجد ضالته المنشودة في الألعاب الكارتونية التي تزيل كافة العقبات وتسخر الصعاب؟ أم هو إدمان إلكتروني أصاب أكثرنا نظرا للتطور الإلكتروني اللا محدود الذي أحال العالم إلي قرية صغيرة فجعلنا ننسي ألعاب الفيديو التي سيطرت علي أجيال بأكملها لتحل محله؟ تتعدد ألعاب الإنترنت وتختلف طرق لعبها فهناك المزرعة السعيدة أو كما يطلق عليها الكثيرون مزرعة الأحلام والأمان بالإضافة إلي لعبة الساب واي سيرفس وهي تعتمد علي السرعة في الأداء والتركيز العالي ناهيك عن الألعاب التقليدية التي يعشقها الأطفال وربات البيوت كلعب زوما بنسخها الحديثة والقديمة وألعاب الشطرنج الذكية ولك أن تعلم أن دولة كالصين يعاني أكثر من 11 مليون مراهق لديها من مرض الإدمان الإلكتروني مما استوجب إنشاء أول مستشفي لعلاج هذا المرض الحديث كذلك الولاياتالمتحدة التي بات الإنترنت فيها يهدد العلاقات الأسرية فزادت حالات الطلاق نظرا لانشغال الزوج بتلك الألعاب فانصرف عن عمله وزوجته فهدم استقراره النفسي والأسري وانتقلت المشكلة برمتها إلي المحروسة خاصة بين أوساط الشباب العاطل الذي لم يجد عملا يحتضن قدراته فلم يجد سوي ألعاب الإنترنت ليجد فيها متنفسا لمشكلاته ولم يكونوا وحدهم فالموظفون الميري هم أكثر الناس عشقا للألعاب فأكثرهم يقضي أوقات العمل في ذلك. يقول سامح فوزيطالب في كلية الآداب: أقضي أكثر من سبع ساعات في لعب الإنترنت خاصة المزرعة السعيدة التي تجعلنا مسئولين عن إنشاء مجتمع يعتمد علي العمل الدءوب المجزي وتبادل الخبرات وهذا نادرا مانجده علي أرض الواقع، فالبطالة المتفشية بجميع القطاعات جعلتنا نفقد هذا الأمل. أما مجدي خيري محاسب في أحد البنوك: فيري أن الألعاب الكارتونية استطاعت أن تجذب الكبير قبل الصغير خاصة أنها تعتمد علي تقنيات حديثة لا تتوافر في ألعاب الفيديو التي باتت موضة قديمة والغريب أن كبار السن باتوا عاشقين لها فيقضون معظم أوقاتهم أمامها حتي لايصابوا بالملل فالتكنولوجيا لم تستثن أحدا وفرضت نفسها علي كافة البيوت وعادة ما يلعبون الألعاب التقليدية التي لا تتطلب مجهودا ذهنيا كبيرا. سمية طهربة منزل تقول: أعشق جميع الألعاب دون استثناء وأحرص علي تحميل كل ما ينزل حديثا في الأسواق فتلك الألعاب تهون علي ضغوط الحياة ومشكلات الأسرة التي لا تنتهي. ولكن ماذا يقول أساتذة علم الاجتماع في تفسير تلك الظاهرة التي تفشت وأسرت الكبير والصغير وأسبابها الظاهرية والخفية. يقول الدكتور أحمد يحيي أستاذ الاجتماع بجامعة قناة السويس:مما لاشك فيه أن المصريين عانوا طيلة الأعوام الماضية من العديد من المشكلات والتحديات التي خلفتها الأنظمة الحاكمة بدءا من المخلوع ونهاية بالمعزول وكانت تلك السنوات لها سييء الأثر علي الشعب بصفة عامة فتفشت البطالة بين الشباب وزادت نسب الفقر ووصلت لأعلي مستوياتها فجعلتهم يهربون إلي الواقع الافتراضي وتصبح الخيالات تتحكم فيهم بصورة كبيرة علي عكس الدول الأوربية والأمريكية التي يتحكم فيها الأدب والعلم فمثلا لعبة المزرعة السعيدة تجد الشباب والسيدات هم أكثر الفئات إقبالا عليها نظرا لافتقاد معظمهم للشعور بالاستقرار والأمان مع المشكلات المتتالية من غياب الزوج الذي يقضي أغلب أوقاته للبحث عن لقمة العيش. أما الشباب فهم يخافون من الغد وعدم إيجاد عمل يلائم مؤهلاتهم الدراسية فيجدون فيها تحقيقا لأحلامهم فيزرعون ويبنون ويشترون من جيرانهم وهذا ما قد لايحققونه في واقعهم. وتتفق معه الدكتورة فادية أبو شهبة أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية حيث قالت: أصبحت تلك الألعاب تهدد العلاقات الأسرية والشأن العام فكل فرد في الأسرة أصبح منعزلا عن باقي الأفراد فلم تعد الاسرة تهتم بمناقشة مشكلاتها وكل ما طرأ حديثا في أسرتهم أما الموظفون فانصرفوا عن عملهم ليمارسوا تلك الهوايات مما يهدد الإنتاج العام . وتضيف شهبة: وأصبح إدمان الإنترنت مرضا عصريا يعصف بالكثير من المصريين وأصبح له علاج نفسي بالإضافة إلي المستشفيات التي انتشرت في الدول الأوروبية التي تعاني هي الأخري من تلك المشكلة.