خرجت إحصائية تؤكد أن أكبر مستخدمى ألعاب الإنترنت هم شعوب العالم العربى بعدد يصل إلى 21 مليون مستخدم وأن المصريين يتصدرون هذا العدد بواقع 4 ملايين مستخدم وأن أعلى لعبة حققت نسبة اشتراك من مستخدمى الفيس بوك هى لعبة المزرعة السعيدة.. وهنا تذكرت عندما بعثت لى ابنتى بدعوة لأكون جارتها فى هذه المزرعة، واعتقدت أنها مجرد لعبة عادية على الفيس بوك ووجدت بعدها دعوات عديدة من أصدقاء لى فى سنى وأكبر يدمنون تلك اللعبة التى هى عبارة عن مزرعة تشتريها «فى الواقع الافتراضى» وتشترى حيوانات وتزرعين وتبيعين وتعيشين حياة جميلة من ألوان كارتونية جذابة وتكسبين أموالا وتشترين وتبيعين وهكذا «عز فى عز»! تبادر إلى ذهنى تساؤل: هل يمكن أن تكون تلك اللعبة التى تتربع على عرش اهتمامات المصريين على الفيس بوك تناقضا فى سلوكهم بين ما يعيشونه وما يرغبون فيه، أم هو نوع من الهروب من الضغوط التى نعيشها هذه الأيام، ومحاولة الوصول للتوازن النفسى حاولت أن أفهم سبب هذا الاهتمام بهذه اللعبة بالذات من الناس أنفسهم ومعرفة رأى علم الاجتماع.
سلمى محمد ( 16 سنة) تجلس بالساعات لتلعب لعبة المزرعة وترى أنها من أسعد الأوقات التى تقضيها فى البيت وتقول: المذاكرة طوال الوقت تجعلنى أشعر بالرغبة فى الهروب لمكان بعيد، فلا يوجد أى نشاط آخر أقوم به ولكن بعد لعبى على الفيسبوك أصبحت أشعر بالسعادة، على الأقل أجنى سريعا ما أزرعه بدلا من المذاكرة التى ليس لها آخر وممكن «مالاقيش اشتغل بعد ما اتخرج»، وألذ شىء أن أصحابى يشاركننى اللعبة كل بمزرعته. أحمد فضلى محاسب فى أحد البنوك (63 سنة) أسس مزرعته واشترى حيواناته «والعيشة تمام».. هذا ليس كلامى وإنما كلامه هو، ويضيف أحمد: عرفت المزرعة من ابنة أختى طالبة فى المرحلة الإعدادية، فقلت لها إنت كبرت على الكلام دا.. فردت على ما حضرتك بتتفرج على الكارتون يا خالو لو جربت هتتبسط زى الكارتون، وبالفعل عندما دخلت اللعبة الوقت جرى بسرعة، فتنشغل بتأسيس حياة جميلة مستقرة سهلة بدلا من الواقع، فأنا عندى 36 سنة وخاطب من سنتين لزميلة لى مش عارفين نتجوز كله بالقسط الجهاز والشقة والعربية ما بيبقاش لنا فلوس عشان نعيش بيها لآخر الشهر، فخلينا فى مزرعتنا والعز والحياة السهلة بضغطة صباع.
وبلهجة تشاؤمية يقول لؤى الوليلى طالب بكلية التجارة: أنا أقضى أمام الكمبيوتر ما لا يقل عن 6 أو 7 ساعات يومياً والألعاب على النت جزء مما نقوم به على الفيسبوك من عرض آرائنا ومعرفة آخر الأخبار كنوع من التسلية، وبصراحة أحيانا أتمنى لو كنت شخصية كارتونية بعيدا عن حياتنا الصعبة التى نعيشها.
ليلى الشربينى ربة منزل خريجة كلية الفنون التطبيقية (40 سنة) ممن يعشقون تلك اللعبة وترى أنها نوع من أنواع الترفيه والخيال الممتع وتقول: لولا هذه الألعاب والتمثيليات التركية ما كنت تحملت ضغوط الحياة فى البيت والعمل، ففكرة وجود حياة تصنعها وتكون ناجحة «وعلى مزاجك» فكرة تدفعك للأمل والتفاؤل.
أما الدكتورة هادية محمد طبيبة (54 سنة ) فهى لا تعانى من ظروف اقتصادية أو ضغوط مادية ولكنها تجلس يوميا لتلعب على الفيسبوك لعبة المزرعة الحديثة وترى أن الخيال الممتع فى مثل تلك الألعاب يجذب كل الناس كنوع من الترفيه والمتعة التى نفقدها فى الواقع، فهى أمتع من المسلسلات التى لا تظهر فيها سوى العشوائيات وكأن مصر ليست فيها سوى الزبالة والقبح وللأسف جعلت عيوننا تتعود على هذه المناظر.
أحمد أمين محام ووالد لطفلين فى المرحلة الابتدائية، يوميا يلعب على الفيسبوك الألعاب، وخاصة لعبة المزرعة، يقول أحمد: بعد رجوعى من العمل أجلس مع أولادى قليلا قبل نومهم وأسمعهم وأتعرف على ما يقومون به خلال اليوم، ثم أجلس على الإنترنت، خاصة الفيسبوك وكثيرا ما ألعب gamesوذات مرة وجدتهم يلعبون على الفيسبوك لعبة المزرعة ومشدودين لها ويغيظ أحدهم الآخر بأنه استطاع كسب مال أكثر عندما أشترى أرضا أخرى وشاركتهم ووجدت نفسى أتابع شراء الأراضى والحيوانات وأكسب واشترى وأصبحت لعبتى المفضلة وفى رأيى أن انجذاب الكبار والصغار للعبة بسبب أنك تشعر بتحقق إنجاز وتعيش بعيدا عن دوشة الواقع بصعوباته وإزعاجه ومن الطبيعى أن يكون الشعب المصرى والشعوب العربية المضغوطة أن تلجأ لحياة بسيطة ناجحة فى أوقات الفراغ فى الواقع الافتراضى.
سارة محرم طالبة بكلية الألسن تلعب كل أنواع الألعاب على الإنترنت وتقول عن تلك الهواية: فى اللعبة تفعل كل ما تتمناه دون أى صعوبة وتحصل على كل ما تريد وأحب اللعب التى يكون فيها make over للبنات وهى أن تختارى لون شعر وماكياج ولون عيون وتغيرى من شكلها كما تريدين وأحب لعبة المزرعة السعيدة فهى من اسمها زرع وخضرة وبيت جميل وسعيد، فمن لا يحب تلك الحياة؟!.
الدكتور مدحت صالح جراح عمره (43 عاما) أيضا من عاشقى تلك اللعبة، بالرغم من ازدحام وقلة وقته فهو على حد قوله يلعبها حتى فى وقت الراحة فى عيادته الخاصة ويقول: نحتاج فى كلية عملية صعبة مثل كلية الطب لنوع من الترويح بين الحين والآخر، كنت أجلس مع أصدقائى على قهوة أو أشاهد مسرحية ظريفة الآن وبعد التوجه الكبير نحو الإنترنت الذى دخل حتى فى عملنا أصبح أسهل شىء وأنت جالس فى محل عملك أو حتى فى التاكسى أن تضغط ضغطة تأخذك بعيدا فى عالم افتراضى جميل يريح أعصابك وعلى فكرة زوجتى أيضا طبيبة وهى التى دلتنى على هذه اللعبة التى تلعبها عندما يجننها ابنى الصغير» لتريح بالها قليلا، وميزة لعبة المزرعة أنك تشعر بإنجاز خاصة فى الناحية الاقتصادية، والواضح من هذه الإحصائية أن جينات المصرى منذ القدم مرتبطة بالزراعة والنيل وهو ما انعكس على توجه الأجيال الجديدة التى من الممكن ألا تكون تعرف شيئا عن الزراعة.
∎ ومؤشر لعلم الاجتماع
لابد لهذه الأرقام من أن تكون الإحصائية لها أيضا مؤشرات مجتمعية لحالة ما تحللها لنا الدكتورة ثريا عبدالجواد رئيس قسم الاجتماع بآداب المنوفية ولكنها تؤكد أولا أن الإحصائية لتكون سليمة يجب أن توضح حجم العينة وتشير للمراحل العمرية والمستويات الاقتصادية، كذلك قد تكون أعداد المصريين أكبر عددا فى الإحصائية نتيجة لزيادة أعداد المصريين..وبعيدا عن كل هذا فإن رأى الدكتورة ثريا أنه من الطبيعى أن يبحث الإنسان عن الحياة المتكاملة ليحقق رغباته ويشبع آماله ويشعر بالرضا عن حياته وتقول: وجد العديد من الناس ما يبحثون عنه فى المواقع المختلفة فى العالم الافتراضى، فمثلا الشعب السعودى من أكثر الشعوب انغلاقا، ولهذا هو من أكثر الشعوب التى تتردد على المواقع الإباحية مما يعانيه من كبت جنسى وهو ما جعل تلك الدول المنغلقة فى المنطقة العربية تغلق هذه المواقع على عكس البلاد الأوروبية التى تتطلع للثقافة والأدب وهذه دراسات وإحصائيات مؤكدة، وبالنسبة للواقع المصرى فالاتجاه للحياة المطمئنة التى تفى باحتياجاته هى الحياة المنشودة هروبا من الإحباطات التى لا تحقق هذه الحياة والمزرعة السعيدة التى يشعر فيها مالكها بالاستقرار والأمان وجمال الطبيعة والخير وتشعر الإنسان بالرضا عن نفسه والزهو وأن له قيمة، فالمصريون يهربون إليها لأن هذا مؤشر لما يحتاجونه والذى يتحقق للأسف فى الواقع الافتراضى فقط، لذا يهرب إليها المصريون فالاتجاه للإباحية أو الألعاب فى الواقع الافتراضى أو أى اتجاه مبالغ فيه هو اتجاه لمحاولة سد النقص، وهناك مؤشر آخر خطير هو طول أوقات الفراغ وقد يكون هذا الفراغ أثناء العمل الذى من المفترض أنه وقت الإنتاج، فمنذ فترة طويلة كنا متعودين على منظر مكاتب موظفى الحكومة الخالية لأن الموظفين بعد الإمضاء ينزلون ويجلسون على المقاهى ثم يعودون، الآن الموظف جالس وأمامه شاشة الكمبيوتر وعلى شبكة الإنترنت وقد يتكلم على النت مع زميل له فى دور آخر فى العمل، فحالة الفراغ التى يملأها الموظف تكون دون حتى أن يتحرك من مكانه.
∎ ظواهر مستجدة
وتضيف الدكتورة ثريا عبدالجواد: العلاقات المستجدة التى أنشأها الواقع الافتراضى والتى تفتقد للمستوى الواقعى للروابط القوية ويكون لها انعكاس سلبى على العلاقات الأسرية، فيكون الطفل جالساً مع والديه ولكنه منعزل عنهما مشغول بألعاب أو شاب على الإنترنت على موبايله، فهناك لعبة ابنى أنا شخصيا سعيد جدا بها يقضى وقتا طويلا معها عبارة عن تلوين أشكال وبيعها فى سوق افتراضى ويتم إعطاء كل رسمة ثمناً كلما زاد بسبب جمالها شعر بالزهو والرضا وهو ما يعكس انحسار دور الأنشطة التى تتناسب مع عقول أولادنا وتشعرهم بالرضا وتقدير الذات فى هذه الأيام فى المدارس وتراجع تأثيرها وانجذاب الأولاد لأنشطة فى الواقع الافتراضى التى تعوضهم عن الواقع.