وسط مناخ إيجابي تدعمه الرغبة والإصرار والعزيمة علي تحقيق السلام في الشرق الأوسط تعقد في واشنطن مساء اليوم »الأربعاء« 1 سبتمبر قمة إطلاق المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بهدف التوصل إلي تسوية سلمية عادلة. وقد حرص الرئيس أوباما الذي دعا إلي عشاء عمل بالبيت الأبيض علي دعوة الرئيس حسني مبارك تقديرا لجهوده في دفع السلام ودعم الاستقرار في المنطقة.. وأوضحت واشنطن في إطار دعوتها لمشاركة الرئيس مبارك إلي أهمية ماتبذله مصر لحل النزاع العربي الإسرائيلي.. وأشارت إلي أهمية التحرك المصري كأساس لنجاح أي جهد يبذل من أجل إقامة دولة فلسطينية إلي جانب دولة إسرائيل. ومن المقرر أن تعقد قمة ثنائية فيما بين الرئيس مبارك والرئيس أوباما قبل العشاء للتشاور حول قضايا الاهتمام المشترك وستتناول أيضا العلاقات المصرية الأمريكية الوثيقة.. ومن المعروف أن الإدارة الأمريكية تحرص دائما علي الإشارة إلي أهمية هذه العلاقات التي تقوم علي أساس التفاهم والتشاور بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين. ويشارك في حفل العشاء كل من الملك عبد الله عاهل الأردن والرئيس محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية وبنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل إلي جانب توني بلير ممثل اللجنة الرباعية للسلام. وغدا تبدأ المفاوضات المباشرة بوزارة الخارجية الأمريكية حيث يجتمع كل من الرئيس محمود عباس وبنيامين نتنياهو مع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون.. وعلي الرغم من السرية التامة التي تحيط بالمفاوضات فمن المتوقع كما ذكرت مصادر الخارجية الأمريكية أن يتم تحديد خطة وبرنامج العمل الذي قد يستأنف مباشرة وإن كان هذا من الأمور المستبعدة حيث يصادف يوم الجمعة بداية لبعض الأعياد اليهودية ويلي ذلك عطلة نهاية الأسبوع يومي السبت والأحد إلي جانب أن يوم الاثنين 6 سبتمبر إجازة رسمية في الولاياتالمتحدة للاحتفال بعيد العمال. وبالتالي فإن استئناف التفاوض قد يتم بالمنطقة علي أن تعاود وزيرة الخارجية الأمريكية مشاركة الطرفين مرة أخري في نيويورك عند انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة مع بداية الأسبوع الثالث من سبتمبر. تفاؤل وتشاؤم وقد قوبل إعلان إطلاق المفاوضات ببعض التفاؤل من قبل المراقبين ولم يجد آخرون مبررا لذلك خاصة أن إسرائيل التي أيدت عقد مفاوضات دون شروط سرعان ما وضعت شروطها بعد مرور ساعات قليلة من الدعوة الأمريكية لعقد المفاوضات حيث بادر رئيس الوزراء الإسرائيلي بالإعلان أن التوصل إلي وضع نهاية للنزاع يجب أن يكون علي أساس قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بإسرائيل كدولة يهودية.. وقد كان هذا الإعلان بمثابة إغلاق لملف التفاوض قبل أن يفتح.. ولكن نتنياهو في محاولة للتخفيف من هذه الشروط المسبقة قال: »إننا أي الجانب الإسرائيلي سندهشهم« أي أنه يعد مفاجأة يطلقها مع انطلاق المفاوضات المباشرة فأي مفاجأة تكون؟ هل تنوي إسرائيل تقديم ما تطلق عليه واشنطن »تنازلات« وهي في واقع الأمر »متطلبات دولية«.. أم أن المفاجأة ستكون من العيار الثقيل لتنسف المفاوضات؟.. الحديث عن هذه المحادثات يدور بحذر ودقة حيث لايريد الجانب الأمريكي أن ينزلق إلي شارع مغلق.. فهناك حرص واضح علي أن تكون أي عملية ضغط علي إسرائيل بعيدة تماما عن وسائل الإعلام.. وحتي المحادثات السرية الجارية بين الجانبين الأمريكي والإسرائيلي لإيجاد صيغة ترضي الجانب الفلسطيني بشأن بناء المستوطنات حيث ينتهي الحظر الذي فرضته إسرائيل علي بنائها في 26 سبتمبر الجاري. ومن المعروف أن الرئيس محمود عباس قد حذر من خطر استئناف بناء المستوطنات علي مسار التفاوض في خطاب بعث به إلي أعضاء اللجنة الرباعية ومنها الولاياتالمتحدة مما أدي إلي قيام الخارجية بالتأكيد علي أن كافة قضايا الحل النهائي ومنها المستوطنات ستكون ضمن الملفات المطروحة علي مائدة التفاوض. وكان الرئيس أوباما الذي تبني منذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة قضية تسوية النزاع العربي الإسرائيلي قد رأي أن نافذة الأمل في التوصل إلي تسوية ستغلق خلال عام حين تنطلق حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية في سبتمبر 2012 وبالتالي بادر بإطلاق المفاوضات المباشرة مع وضع إطار زمني لمدة عام للتوصل إلي الحل الذي يلبي حصول الجانب الفلسطيني علي حقوقه لإقامة دولته وتوفير الأمن لإسرائيل. ويجدر بالإشارة هنا إلي أن مصر قد أكدت أكثر من مرة في إطار تشاورها مع واشنطن ضرورة وضع إطار زمني للمحادثات.. وعلي الرغم من تأكيد الإدارة الأمريكية أن تسوية نزاع الشرق الأوسط إلي جانب أنه يخدم السلام والاستقرار فإنه يعتبر خدمة للمصالح الأمريكية فقد رأي عدد من المراقبين أن الرئيس أوباما قد توجه حاليا للتعامل مع هذه القضية في محاولة لدعم شعبيته داخل الولاياتالمتحدة بل لقد انعكس ذلك بصورة واضحة من خلال أسئلة بعض ممثلي وسائل الإعلام التي استنكرت أن يشغل الرئيس وقته بقضية خارجية بدلا من التعامل مع مشكلة البطالة التي تهدد استقرار المجتمع الأمريكي. وإقدام الرئيس أوباما علي الدفع بالولاياتالمتحدة للقيام بدور نشط وفاعل في مفاوضات السلام يعتبر مغامرة غير مضمونة النتائج حيث إن فشلها سينسب إلي إدارته كما أن نجاحها سيعد مكسبا أمريكيا قد يحصل أوباما بموجبها علي جائزة نوبل للسلام للمرة الثانية. وستكون جائزة مستحقة لن تثير تساؤلات كما حدث في العام الماضي عندما حصل علي الجائزة لنواياه السلمية. هناك أمل وعلي الرغم من الجهود المكثفة التي بذلتها الإدارة الأمريكية مؤخرا لضمان نجاح المفاوضات المباشرة فإن التجارب السابقة مع إسرائيل جعلت التشاؤم هو الصفة المميزة لتعليقات المراقبين.. ولكن مارتن أنديك الذي يرأس برنامج الشرق الأوسط بمعهد بروكنجز والذي عمل كسفير للولايات المتحدة في إسرائيل ومساعد لوزير الخارجية الأمريكية يري أن هناك أملا في أن تكلل هذه المفاوضات بالنجاح. وقد ذكر في مقال نشر بجريدة النيويورك تايمز أن الأمل في نجاح هذه المفاوضات يرجع لعدة عوامل هي: تراجع أعمال العنف في المنطقة بفضل ما تبذله السلطة الفلسطينية من جانب وما تبذله إسرائيل من جانب آخر. هناك أيضا تراجع في بناء المستوطنات وعلي الرغم من أن مد تجميد المستوطنات أمر قد لايحدث فإن رئيس وزراء إسرائيل قد يعرض قصر البناء علي المستوطنات التي من المفترض أن تظل تحت حكم إسرائيل مع السماح للشرطة الفلسطينية بمراقبة الأمن في الضفة الغربية. هناك مساندة من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لفكرة قيام دولتين وإنهاء النزاع الذي أرهق المنطقة. قضايا الحل النهائي سبق مناقشتها والتعامل معها علي مدي 17 عاما منذ توقيع اتفاق أوسلو.. وفي حالة قيام دولة فلسطينية فإن الاتفاق معروف وعمليات التبادل اللازمة معروفة كذلك. ويري إنديك أنه لاداعي لمد المفاوضات أكثر من عام حتي لاتتاح الفرصة للمعارضين لعملية السلام بتشديد معارضتهم ويؤكد إنديك أن نجاح المفاوضات المباشرة يتوقف علي عزيمة وشجاعة كل من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلي جانب قيادة سياسية رشيدة من جانب الرئيس أوباما لإقناع الطرفين بالاتفاق والتأكيد علي أن واشنطن ستكون بمثابة شبكة انقاذ لمنع فشل المفاوضات.