عندما اقرأ سيرة حياة وفلسفة الفيلسوف الألماني شوبنهاور، ترتسم في ذهني العديد من علامات الاستفهام الحائرة والمحيرة، حول هذا الفيلسوف الذي احتل مكانة مرموقة في تاريخ الفلسفة، ومع ذلك فهو مثار الدهشة لكل من يقرأ فلسفته أو يتعمقها أو يدرس العلاقة بينه وبين أمه.. فقد كان يكره أمه كراهية شديدة وكانت هي الأخري تبادله نفس المشاعر.. وهو مايدعو إلي الدهشة والاستغراب لأن الأم بطبيعتها تحب ابنها، والإبن في أسوأ الأحوال يحترم أمه.. ولكنه كان يمقت أمه مقتا شديدا، وربما يرجع ذلك إلي اعتقاده بأن أمه كانت السبب في قتل أبيه لتهورها وطيشها، وكان والده قد مات وهو في الخامسة من عمره، وكانت أمه كاتبة قصصية واسمها (جوهنا) وإذا أردنا أن نتحدث عن فلسفة (شوبنهار) فيمكن أن نلخصها في جملة واحدة وهي (الحياة إرادة) ومع أن فلسفته ينظر إليها مؤرخو الفلسفة بأنها فلسفة متشائمة، إلا أنه كان يري أن هذه الفلسفة لو فهمها الناس لفتحت طريقا إلي حياة أفضل. وكانت الرسائل التي ترسلها الأم إلي ابنها الفيلسوف تنم عن كراهية شديدة له، بل كانت تغار من مكانته التي وصل إليها كفيلسوف شهير في ألمانيا وخارج ألمانيا. وكانت الأم تقول عن ابنها الفيلسوف الكبير أنه يخيفها ويحيرها، وأنها عندما تراه فكأنما رأت وحشا من الوحوش! ولكراهيته لأمه كره العالم كما كان يردد ذلك، وكان يقول: »لقد شعرت منذ فجر حياتي أني مع العالم علي غير وفاق!« وعندما نال درجة الدكتوراه وكان عنوانها »علي جذور العقل الأربعة«.. بدلا من أن تفتخر الأم بابنها وحصوله علي درجة الدكتوراه، كانت تسخر من هذه الرسالة عندما طبعت في كتاب، وقالت إن هذا الكتاب أشبه بكتاب في العقاقير! وكان رد الفيلسوف علي أمه بأن كتابه سوف يصبح كتابا هاما في تاريخ الفلسفة، وسوف يتداوله الناس ويعرفون قيمته، بينما كتب أن أمه سيكون مصيرها أكوام الزبالة! وكان شديد الاعتداد بنفسه، حتي كان يقول: »إن العالم هو ما أفكر فيه، والشمس إنما توجد كما أراها.. والأرض توجد كما أحسها.. والإنسان نفسه حلم من الأحلام«. هذه مجرد إشارة أصبع لهذا الفيلسوف.. صاحب الفلسفة التي تضمنها كتابه (العالم إرادة وفكر).