في حديث خالد محمد خالد عن أبي هريرة الصحابي الجليل، يصفه بأنه ذاكرة عصر الوحي، وبعد أن يحدثنا عن إسلامه يقول: نعود إلي حديثنا لنري (أباهريرة) يدرك بفطرته حاجة المجتمع الجديد الذي يبنيه الإسلام إلي من يحفظون تراثه وتعاليمه.. كان هناك يومئذ من الصحابة كتّاب يكتبون ولكنهم قليلون، ثم إن بعضهم لا يملك من الفراغ ما يمكِّنه من تسجيل كل ما ينطق به النبي صلي الله عليه وسلم من حديث، لم يكن أبوهريرة كاتبا، ولكنه كان حافظا، وكان يملك هذا الفراغ أو هذا التفرغ المنشود، فليس له أرض يزرعها ولا تجارة يتبعها.. لقد استوعب في ذاكرته الكثير من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام.. فأخذ يحدِّث الناس عن هذه الأحاديث بعد رحيل الرسول الكريم إلي أكرم جوار. قال عنه الإمام الشافعي: أبوهريرة أحفظ من روي الحديث في دهره. وقال البخاري رضي الله عنه: روي عن أبي هريرة نحو من ثمانمائة أو أكثر من الصحابة والتابعين وأهل العلم. وهكذا كان أبوهريرة مدرسة كبيرة كُتب لها البقاء والخلود. وكان أبوهريرة رضي الله عنه من العابدين الأوّابين، يتناوب مع زوجته وابنته قيام الليل كله، فيقوم هو ثلثه، وتقوم زوجته ثلثه وتقوم ابنته ثلثه وهكذا لا تمر من الليل ساعة إلا وفي بيت (أبي هريرة) عبادة وذكر وصلاة. وفي سبيل أن يتفرغ لصحبة الرسول (عليه الصلاة والسلام) عاني من الجوع ما لم يعانِ مثله أحد. ويقول المؤلف: وعاش (أبوهريرة) عابدا ومجاهدا لا يتخلف عن غزوة، ولا عن طاعة، وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولاّه إمارة البحرين. وعن ثمانٍ وسبعين سنة مات في العام التاسع والخمسين للهجرة ودُفن في البقيع.. لقد كان اسمه في الجاهلية (عبد شمس) ولما أسلم سمّاه الرسول عليه الصلاة والسلام عبد الرحمن.. ولقد كان عطوفا علي الحيوان، وكان له هرة يطعمها ويحملها وينظفها ويؤويها، كانت تلازمه كظله وهكذا دُعي أبوهريرة، وهكذا رأينا كيف كان يعيش أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم.. إنهم يلتمسون نوره، ويسلكون طريقه.. وكل همهم إرضاء الله وإرضاء رسوله فوصلوا إلي ما وصلوا إليه من حفاوة الناس وتقديرهم.