تزداد إعلانات التبرعات بشكل كبير في شهر رمضان، حتي أن البعض وصفها بأنها أسلوب أشبه بالتسول، والنتيجة مليارات من الجنيهات لا نعرف إلي أين تصل، فربما إلي جيوب شركات الإعلانات، وربما إلي مصادر غير معلومة بعيدا عن رقابة الدولة، وبعيدا عن التفاصيل، فلماذا لا يتم تقنين هذا الأمر، بقانون يمنع مثل هذه الإعلانات التي تدعو إلي تبرعات عشوائية، وأن تكون هناك جهة يحددها القانون، مهمتها جمع التبرعات، وإعادة طرحها واستثمارها بقروض حسنة بدون فوائد، وأن يكون هدفها ومهمتها الأساسية القضاء علي البطالة وتشجيع الشباب علي العمل والإنتاج في مجال الصناعات الصغيرة والمشروعات التجارية والخدمية، وعلينا أن نتخيل ماذا لو استثمر هذا المشروع، أموال التبرعات توزع كقروض، تعود بعد فترة زمنية مع إضافة التبرعات الجديدة كل عام، فتزداد قيمتها وتزداد معها القروض والمستفيدون منها، فما أحوجنا الآن إلي تكاتف وتكامل اجتماعي منظم، للخروج من المأزق الاقتصادي الذي نعاني منه، والمساهمة في القضاء علي البطالة، وتشغيل الشباب بأسلوب لا يكلف الحكومة شيئا، لقد تبني أحمد حسين مع فتحي رضوان في ثلاثينيات القرن الماضي، »مشروع القرش»، وكان الاقتصاد المصري في ذلك الوقت، يعاني من عثرات وأزمات حقيقية، وكان الغرض والهدف الأساسي من هذا المشروع هو العمل علي دعم عجلة الاقتصاد المصري عبر مبادرة أهلية جماعية يشارك فيها كل أفراد الشعب مشاركة محدودة جداً تساوي قرشا واحدا، نجح المشروع في جذب الآلاف في كافة أنحاء مصر، وحظي بدعم الكثير من الأحزاب، كما حظي بدعم الحكومة، حتي أن فرق الموسيقي العسكرية كانت تشارك في بعض حملات المشروع، وتقيم لها الحفلات الغنائية، كما شارك الشاعر الكبير أحمد شوقي في دعم المشروع بأشعاره، حيث قال: »اجمع القرش إلي القرش يكن/ لك من جمعهما مال لُبَدْ»، وقبل ذلك فعلها طلعت حرب عندما أراد إنشاء بنك مصري برأسمال مصري وإدارة وكوادر مصرية ولغة تعامل عربية، ومن خلال هذه التبرعات، يمكننا أن نسير علي نهج هؤلاء، ولتحقيق ذلك علينا من خلال هذا المشروع أن نستلهم إرادة وإدراك القوة الكامنة في هذا الشعب العظيم، والإمكانات الهائلة التي أعتقد أنها لم تستغل بعد، والتي إن تم استغلالها الاستغلال الأمثل لصارت مصر قوة اقتصادية وصناعية وزراعية ليس لها مثيل في العالم، فيا كل مصري غيور علي مستقبل بلدك، لا تتبرع لأي جهة لمجرد أنها قامت بإعلان أجادت فيه بالتمثيل وجعلتك تذرف الأموال قبل الدموع. تحت عنوان »تقنين التبرعات» نشرت هذه الكلمات رمضان الماضي، وأعيد هذا العام نشرها لعل وعسي.