أضحكني أحد الأصدقاء وهو يعلق علي ظاهرة انتشار أصحاب السترات الصفراء في شوارع القاهرة وعلي كباريها سواء في الليل أو النهار، يقول الصديق: للوهلة الأولي يرتبط في ذهنك أن هؤلاء فرع جديد في القاهرة للسادة أصحاب السترات الصفراء في باريس، وما أن تقترب منهم حتي تكتشف عبارات الاستجداء ونظرات الاستعطاف بأن تعطيهم مما أعطاك الله، تلتقط أنفاسك وتحمد الله أنها سترات صفراء مختلفة ولا هدف لها سوي نصيب مما في محفظتك وأنهم ليسوا من أصحاب السترات الصفراء اللي بالي بالك وعاوزين يخربوها ويقعدوا علي تلها. صديقنا الذي هدأت سريرته عندما تأكد أن أصحاب السترات الصفراء المصريين ليس وراءهم دافع آخر غير التسول قدّم لهم بعض ما حوته جيوبه. تصرفه لم يعجب أحد أقاربه وهو يقص عليه حكاية أصحاب السترات الصفراء، أخذ يلومه في أنه لا يرهق نفسه في البحث عن المستحقين الفعليين لصدقاته أو زكاة ماله، وقال له: ستظل ظاهرة التسول في مصر تتفاقم ولن تنتهي أبداً بسبب أمثالك الذين يعطون لكل من يمد لهم يده. أجاب صاحبنا أوليس للسائل حق في الصدقة وحق معلوم أيضا في الزكاة، مادام سأل فليكن حسابه عند ربه وهو سبحانه يعلم إن كان مستحقاً أم لا ويجازيه عما يفعل، أما المتصدقون والمزكون فلا يردون السائل أبداً مادام أراق ماء وجهه وأذل نفسه للسؤال. واستطرد الصديق قائلا: هل مطلوب مني إجراء التحريات عن كل من أفكر في منحه »حسنة» بسيطة أو صدقة، ومن أين لي القدرة علي ذلك؟ أجاب: بالطبع ليس مطلوباً منك ما فوق طاقتك، ولكن أتصّور ان الحل في ان لو كل زاوية صغيرة يحيط بها عدة منازل ويتردد أصحابها علي الزاوية خمس مرات في اليوم أليس ذلك كافياً بأن نتوصل إلي المحتاجين فعلا وكثيرون منهم لا يسألون الناس إلحافا، هؤلاء من سيعرفعهم ومن سيتعرف علي احتياجاتهم إلا إذا تكاتف الجميع من السكان المحيطين بالمسجد الكبير أو الزاوية الصغيرة؟! رحلة التعارف أولي خطواتها المسجد، وأسباب العوز والحاجة سيدركها كل من يقترب من جيرانه أكثر وأكثر، وهو الاقتراب الذي يبدأ من المسجد أو الزاوية الصغيرة. أما لماذا تأبي المرأة المصرية أن تساعد ربة منزل في تنظيف بيتها وفي مقابل مادي محترم في نفس الوقت الذي تفضل فيه التسول علي أبواب المساجد والزوايا وربما في الشوارع والطرقات فهذا أمر لا أدري له تفسيراً.