السفير، أي سفير، هو ممثل رئيس أو قائد الدولة في دولة أخري، وواجبه الأول والأساسي هو العمل علي إقامة علاقات طيبة ومتينة بين بلاده والبلد الذي يمثلها فيه، وبالتالي الحفاظ علي درجة مناسبة من العلاقات الحسنة بين قيادة بلاده وقيادة البلد الذي يعمل فيه. لكن رغم ذلك فهناك سفراء لا يقومون بدورهم الذي حدد لهم، بل علي العكس تماما يقومون بتخريب علاقات بلادهم بالبلد الذي يمثلونها فيه، ويفسدون علاقات قادة بلدهم بالبلد الذي يعملون فيه. وإذا كان من الممكن لنا أن نستنتج بعض الحالات في هذا الصدد لمثل هؤلاء السفراء الذين يخربون علاقات بلادهم وقادتها بالبلاد التي يعملون فيها ويفسدون أيضا علاقات قادتهم بقادة هذه البلاد، فإن الصديق الدكتور سامي عمارة في كتابه الجديد (القاهرة - موسكو.. وثائق وأسرار) يقدم نموذجا صارخا لهذا النوع من السفراء الذين لا يلتزمون بالدور المطلوب منهم دبلوماسيا، وإنما قاموا بنقيض هذا الدور.. وهذا النموذج يتمثل في سفير الاتحاد السوفيتي بالقاهرة إبان ثورة يوليو وما بعدها ببضع سنوات، وأيضاً السفير المصري في موسكو خلال هذه الفترة.. فقد لعب كل منهما دورا في تباعد الدولتين وإثارة الشكوك بين قادتهما. أما السفير الأول فهو دانييل سولود الذي كان سفيرا للاتحاد السوفيتي في مصر عندما قامت ثورة يوليو.. ويحمل دكتور سامي هذا السفير مسئولية اعتبار موسكو والقيادة السوفيتية ما شهدته مصر في الثالث والعشرين من يوليو عام 1952 انقلابا عسكريا وليس ثورة شعبية مناهضة للاستعمار وتستهدف إرساء دعائم عدالة اجتماعية في مصر.. ويشارك بريماكوف رئيس الوزراء الروسي الأسبق مؤلف الكتاب ذلك، حيث يقول في كتابه (الشرق الأوسط.. علي المسرح وفيما وراء الكواليس): كان موقف موسكو من الضباط الأحرار حينما وصلوا إلي السلطة في مصر يتسم بالكثير من الريبة.. وسفارة الاتحاد السوفيتي كانت تبلغ القيادة السوفيتية في موسكو بتقديرات سلبية غير مرتبطة بالواقع المصري)، وينقل المؤلف من وثائق الخارجية الروسية العديد من رسائل السفير الروسي التي تؤكد ذلك. أما السفير الثاني فهو الفريق عزيز المصري سفير مصر في موسكو وقتها والذي ينقل الكتاب عن وثائق الخارجية الروسية أيضا تشكيكه في رغبة قيادة مصر وقتها وبالأخص جمال عبد الناصر في إقامة علاقات طيبة مع الاتحاد السوفيتي، وهو ما جعل علاقات البلدين لنحو ثلاث سنوات عصية علي التحسن حتي تم تغيير السفيرين، فانفتح الباب أمام هذا التحسن، بل الوصول إلي علاقات قوية بين البلدين.