حتي نهاية الأسبوع الماضي كنا نعيش عالماً علي حافة الخطر، ومع تصريحات ترامب بشأن الجولان بدا العالم أشد خطراً ومغامرة، لكأننا وكما يقول الأمريكيون »Now we started to hear the Shark music»، »الآن بدأنا نسمع موسيقي القرش». ولعله وصف للمواقف والتصرفات المتضاربة المتخبطة كما في أفلام الرعب والفك المفترس، عندما نتفاعل بوعي أو بغيره وبدافع الخوف، فلا مجال للعقلانية والاستجابة بشكل موضوعي. وهذا ما اعتاد أن يفعله ذلك الرئيس المأفون ومنذ وطأت أقدامه البيت الأبيض وحتي قبلها. كنا وحتي الأسبوع الماضي أمام متغيرات ثمانية ضاغطة وخطيرة، أولها: ما واجهناه من مجزرة إرهابية في نيوزيلاندا جراء خطاب الكراهية الذي لا يتبناه اليمين المتطرف »Far کight» وحده بل مؤسسات عديدة وحتي حكومات وأحزاب وأفراد تهدد سلوكياتها المتطرفة استقرار المجتمعات والدول وتضرب مفاهيم التعايش السلمي وتقبل الآخر التي ارتضاها العالم ركيزة للاستقرار الدولي، وثانيها: تهديد كوريا الشمالية بالانسحاب من محادثات نزع السلاح النووي مع الولاياتالمتحدة ما لم تقدم واشنطن تنازلات كبيرة. »يأتي التهديد بتعليق المحادثات بعد ظهور أدلة علي أن كوريا الشمالية قد أعادت بناء منصة إطلاق صواريخ فضائية ووسط تكهنات بأنها قد تستعد لإطلاق صاروخ طويل المدي كما كتبت الواشنطون بوست». ثالثها: إعادة تفشي فيروس إيبولا في الكونغو، والذي أودي بحياة 600 شخص علي الأقل، بعد تزايد الهجمات المسلحة ضد مراكز علاج الإيبولا في مقاطعة شمال كيفو في الأسابيع الأخيرة، ما يهدد القارة الأفريقية إذا ما تصاعدت تداعياته لتهدد العالم بوباء قاتل يستنزف طاقات الجميع. رابعها: الحرب الخاطفة التي شنتها إسرائيل علي قطاع غزة جراء اطلاق صاروخين من الأرض المحتلة علي تل أبيب، الأمر الذي ضرب محاولات التهدئة التي كانت تقوم بها مصر من أجل عدم اشتعال المنطقة. خامسها: توتر العلاقات بين إدارة ترامب وحكومة أفغانستان، حيث تبادل المسئولون الاتهامات العلنية بسوء النية التي كشفت عن انشقاق بشأن المفاوضات الأمريكية مع طالبان، ما يهدد آسيا الوسطي وجاراتها في الصين، وإيران وكلا من طاجكستان وأوزباكستان وتركمنستان وكذا باكستان وعلاقاتها الملتهبة مع الهند. سادسها: الاضطراب الحادث في الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية »البريكسيت» لخروج بريطانيا من الاتحاد، الأمر الذي يهدد التجارة الدولية والاستقرار الأوروبي. سابعها: الموقف المشتعل في كاراكاس جراء التحرش الأمريكي بفنزويلا والتسخين الحادث علي الحدود مع جاراتها في أمريكا اللاتينية والتهديد الروسي بنفاد الصبر أمام الممارسات الأمريكية. وثامنها: الأوتوقراطية وصعود الاستبداد الذي يشكل تهديداً وجودياً للعالم الديمقراطي، كما جاء في مقال الأحد الماضي في الواشنطون بوست ل»روبرت كاجان» زميل معهد بروكنجز الأمريكي، الذي يري تنامي هذه الظاهرة تواكب وظهور ترامب علي الساحة العالمية بما يشكل تهديداً أيديولوجيا واستراتيجيا للعالم واستقرار بلدانه ومنذ العام 1942. كانت هذه مخاطر الأسبوع الفائت التي لانزال نعيش تداعياتها ومخاوفها، أضاف إليها ترامب مصيبة جديدة بشطحاته التي لا تتغيا إلا مصالحه الشخصية الضيقة. فحتي يضمن وقوف نتنياهو و»الإيباك الصهيوني» معه لإعادة انتخابه فترة ثانية، قرر إعطاءهما هدية غلفها في تغريدة مشئومة كوقع موسيقي الفك المفترس يقول فيها: »بعد 52 سنة، حان الوقت للولايات المتحدة للاعتراف الكامل بسيادة إسرائيل علي مرتفعات الجولان» ضارباً بالقانون الدولي عرض الحائط، ومنصباً نفسه مالكاً قيماً علي العالم في قرصنة وبلطجة مرفوضتين. وهذا ما أكده »مايكل ويلنر» 21 مارس الجاري في دورية واشنطون العاصمة بعنوان: »لقد اكتشفنا جميعًا بواسطة تغريداته علي تويتر مفاجأة ترامب عن مرتفعات الجولان» وأضاف: إنها مفاجأة لأنه »لم تبدأ أي عملية رسمية أو لجان تنفيذية في الولاياتالمتحدة لمراجعة قرار ترامب قبل إعلانه، حيث صرح وترك الدبلوماسيين المسئولين عن تنفيذ السياسة في الظلام». لقد جاءت تغريدته صادمة للجميع. إذ صرح »إيلان جولدنبرج» مسئول سابق في إدارة أوباما في البنتاجون ووزارة الخارجية »إنه إضفاء الشرعية علي الاستيلاء علي الأراضي عن طريق الضم». وقالت آن جيران، لوفداي موريس وكارول موريلو في الواشنطون بوست رغم أن »البيان ليس له تأثير عملي فوري» فإنه يضع إدارة ترامب في معسكر إسرائيل بالاعتراف بسيادتها علي المنطقة التي استولت عليها من سوريا في حرب 1967». وقال دنيس روس، مفاوض السلام المخضرم في الشرق الأوسط »لقد أراد أن يساعد نتنياهو للفوز بالانتخابات الإسرائيلية، علي حساب خطة السلام الخاصة بالإدارة»، كما قالت لورا روزن »سيجعل الأمر أكثر صعوبة علي القادة العرب حتي لا يبدوا وكأنهم يذعنون للاستسلام علي حساب أراض عربية». ما أكده مقال فيفيان سلامة وبيتر نيكولاس في وول ستريت جورنال 14 مارس. وهكذا فقد بدأنا نسمع موسيقي الفك المفترس. وللحديث بقية.