وكيل زراعة بني سويف يتفقد مطحن بوهلر لمتابعة أعمال توريد القمح    محافظ الغربية يتابع الأعمال الجارية بمشروع محطة إنتاج البيض    وزير الإسكان: استرداد مساحة 17990 مترًا بالسويس الجديدة..وقرار بإزالة مخالفات بناء ببني سويف    ننشر حركة تداول السفن والحاويات في ميناء دمياط    مباحثات قطرية تركية تتناول أوضاع غزة على وقع التطورات في رفح    مصادر: إخلاء معبر رفح الفلسطيني من الشاحنات    باحث فلسطيني: صواريخ حماس على كرم أبو سالم عجّلت بعملية رفح الفلسطينية    كالتشيو ميركاتو: لاعب روما مهدد بالإيقاف بسبب التقاط الكاميرات تلفظه بعبارات غير لائقة أمام يوفنتوس    سكاي: بايرن يدرس التعاقد مع تين هاج    غرق طفل في مياه النيل بأسوان    بدءا من الأربعاء.. 6 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بروض الفرج    ختام فعاليات المؤتمر الرابع لجراحة العظام بطب قنا    الدفاع الروسية: إسقاط مقاتلة سو-27 وتدمير 5 زوارق مسيرة تابعة للقوات الأوكرانية    حبس المتهمة بقتل زوجها بسبب إقامة والده معها في الإسكندرية    وزير الشباب يشهد "المعسكر المجمع" لأبناء المحافظات الحدودية بمطروح    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    «الصحة»: إجراء 4095 عملية رمد متنوعة ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    5 ملفات تصدرت زيارة وفد العاملين بالنيابات والمحاكم إلى أنقرة    زيادة قوائم المُحكمين.. تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    «التنمية المحلية»: مبادرة «صوتك مسموع» تلقت 798 ألف شكوى منذ انطلاقها    برلماني يطالب بزيادة مخصصات المشروعات و الإنشاءات في موازنة وزارة الصحة    استياء في الزمالك بعد المشاركة الأولى للصفقة الجديدة    طارق العشرى يُخطط لمفاجأة الأهلي في مواجهة الثلاثاء    جامعة أسيوط تنظيم أول مسابقة للتحكيم الصوري باللغة الإنجليزية على مستوى جامعات الصعيد (AUMT) 2024    "دور المرأة في بناء الوعي".. موعد ومحاور المؤتمر الدول الأول للواعظات    النادي الاجتماعي بالغردقة يستقبل 9 آلاف زائر خلال شم النسيم والاستعانة ب 25 منقذًا    على مائدة إفطار.. البابا تواضروس يلتقي أحبار الكنيسة في دير السريان (صور)    إيرادات علي ربيع تتراجع في دور العرض.. تعرف على إيرادات فيلم ع الماشي    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    في ذكرى ميلادها.. محطات فنية بحياة ماجدة الصباحي (فيديو)    لماذا يتناول المصريون السمك المملح والبصل في شم النسيم؟.. أسباب أحدها عقائدي    مفاجأة.. فيلم نادر للفنان عمر الشريف في مهرجان الغردقة لسينما الشباب    وسيم السيسي: قصة انشقاق البحر الأحمر المنسوبة لسيدنا موسى غير صحيحة    «يأتي حاملًا البهجة والأمل».. انتصار السيسي تهنئ الشعب المصري ب«شم النسيم»    الرئيس الصيني: نعتبر أوروبا شريكًا وتمثل أولوية في سياستنا الخارجية    تضر بصحتك- أطعمة ومشروبات لا يجب تناولها مع الفسيخ    بالليمون والعيش المحمص.. طريقة عمل فتة الرنجة مع الشيف سارة سمير    7 نصائح مهمة عند تناول الفسيخ والرنجة.. وتحذير من المشروبات الغازية    الشرطة الأمريكية تقتل مريضًا نفسيًا بالرصاص    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    رئيس مدينة مطاي يتفقد سير العمل بمعدية الشيخ حسن    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    فنان العرب في أزمة.. قصة إصابة محمد عبده بمرض السرطان وتلقيه العلاج بفرنسا    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    مقتل 6 أشخاص في هجوم بطائرة مسيرة أوكرانية على منطقة بيلجورود الروسية    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    موعد عيد الأضحى لعام 2024: تحديدات الفلك والأهمية الدينية    إصابة أب ونجله في مشاجرة بالشرقية    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    رئيس لجنة الدينية بمجلس النواب: طلب المدد من ال البيت أمر شرعي    الأوقاف تحدد رابط للإبلاغ عن مخالفات صناديق التبرعات في المساجد    مفاضلة بين زيزو وعاشور وعبد المنعم.. من ينضم في القائمة النهائية للأولمبياد من الثلاثي؟    الدخول ب5 جنيه.. استعدادات حديقة الأسماك لاستقبال المواطنين في يوم شم النسيم    بالصور.. الأمطار تتساقط على كفر الشيخ في ليلة شم النسيم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    دقة 50 ميجابيكسل.. فيفو تطلق هاتفها الذكي iQOO Z9 Turbo الجديد    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



راسبوتين.. الرهبة والمجون

هناك حيث الصقيع الوحشي.. الثلج يبتلع الطرقات والبيوت المتراصة.. الشمس بيضاء.. شهباء تحاكي وهجة ماس مشعة.. الغابات الشاسعة متشحة ببياض الثلوج.. في سيبيريا قرية منسية بوكروفسكوي.. شهدت ميلاد الأسطورة جريجوار راسبوتين في 22يناير.. أما مقتله فمر عليه نيف و100عام.. هاهو العراف.. الفلاح أو (موچيك) البدائي.. الهمجي.. الأمي القادم من رحم الصقيع القارس والظلمة وهيمنة الغريزة علي مظاهر الحياة.. يتربع علي عرش الإمبراطورية الروسية التي كانت ويعجل بسقوطها.. لقد استغل الدين، السحر والتنويم المغناطيسي وقدراته الخارقة الروحية والجسدية في سفرته الجهنمية، لكن الخطأ الشائع هو القول إنه القس راسبوتين، فهو لم ينجح قط في الانتماء للكنيسة لكنه بالتزوير والزيف وارتداء الملابس والتقاط الصور تم الالتباس.. أما نحن في شرقنا السعيد فعرفنا أبناء وأحفاد راسبوتين من يستغلون الدين ويتدثرون بعباءته ويصدرون الفتاوي المغتصبة لوعي الشعوب.. الضمائر والأوطان.
راسبوتين حكاية قديمة.. جديدة حدثت بالأمس القصي وتحدث اليوم وقد تقع غدا إن لم يتم اقتلاع جذور حالة التدثر بالدين.. فوجب تجفيف المنابع وأهمها وأخطرها الكلمات والأفكار الحاضة علي الكراهية والفتنة الرچيمة، تداهمنا في كل عيد، أما الفارق بين راسبوتين وأحفاده أن الرجل لم يحض يوما علي إهدار دم أحد، أو تكفير أحد بل عندما حاول بعض رجال الدين آنذاك إلحاق الأذي بتولستوي وبذكراه توسط راسبوتين لدي القيصر نيكولاس الثاني لوقف تلك المهزلة.. راسبوتين المولع بالعربدة، الفسق والفجور تمتع بنظرة عين مغناطيسية لها بريق المعدن، صلبة، ثابتة، تخترق الروح والجسد في آن، تمتلك غياهب النفس وأغوارها ولقد ذكر خطورة دور النساء في وصوله إلي السلطة المطلقة من أول الفلاحة، الغجرية، الغانية وصولا إلي النبيلة ثم إلي ألكسندرا زوجة القيصر وهو يقول: »إن النساء أهم وأخطر من الرجال.. فيجب البدء بهن! هكذا أعمل.. إن النساء يقعن تحت وطأة رجولتي التي لا تقاوم.. وبقدراتي في مجال الفحولة الخارقة أخضع النساء.. واللاتي بالتالي يؤثرن علي الرجال»‬.. ونجد عبر التاريخ وحتي يومنا هذا النساء وراء صعود تلك النماذج، فالمرأة بتكوينها المائل إلي المازوكية تتأثر بالشخصية المحملة بالتناقضات.. الطاغية.. المترنح بين القسوة والخشونة وبين الحنان الدافق والاحتواء.. وأيقن الواعظ، الماجن المسمي براسبوتين أن أسرار المتعة لدي الأنثي هي هي لا تتغير فلا فرق بين الغجرية والأميرة، وعقيدته التي استوحاها من مذهب الكليستي هي: »‬الشر ضروري لكي ينتصر الخير، إن الرب لا يحب سوي عباده الذين يتطهرون بعد السقوط في الخطيئة والمعصية.. هذه النظرية المتسامحة تناسب تكوين راسبوتين العفي، الشهواني، النهم.. وهاهو من خلال هذا اليقين الغريب ينعم بأنوار السماء وثمار الأرض اليانعة، ولقد قرر أن الملذات الأرضية حبيبة إلي الله، فهي أحب إلي الرب من الفضيلة الجافة، اليابسة فكيف تكون التوبة إن لم يكن هناك سقوط؟ ولقد اتهموه بالسيكوباتية الجنسية، ولكن لا يهم، فنحن بشر.. هكذا يجيب هذا الذي يصلي بورع وخشوع في الصباح، أما الليل فهو زمان ومكان لأنهار الفودكا والنبيذ وموسيقي ورقص الغجر والنهل بشغف فادح من الملذات، فهذا هو زمن الإفراط في كل شيء ومادام القيصر متسامحا والقيصرة راضية وممتنة فهو الوحيد القادر علي علاج وشفاء القيصر الصغير المريض، فليذهب إذن الجميع إلي الجحيم.
وبينما يتزايد مجون ونفوذ راسبوتين السياسي والاجتماعي.. لقد وصل إلي الذروة هو يعين الوزراء ويقيلهم، هو مستشار القيصر، هو الملهم والمهيمن والأموال تتدفق عليه والهبات والعطايا تهطل هطول الأمطار.
الاستياء والغضب والهواء المحمل بالثورة من قبل العائلة الحاكمة والبوليس السري للقيصر ضد هذا الكائن الخرافي، تلك الشخصية التراجيكو ميديا، هذا الشهواني المارق الذي لطخ سمعة زوجة القيصر بل روسيا بأسرها، هذا الذي أتقن لعبة المقدس والدنس، المهلك والمنقذ، الداعر والواعظ، المحمل بالنبوءات التي تتحقق، القادر علي المعجزات، المسكون بالشياطين والملائكة، المسلوب بفعل الشهوة الجامحة، وهنا أذكر دستويفسكي »‬الإخوة كارامازوف»: »‬حين يتوله بعض الرجال بامرأة جميلة أو جزء من جسدها فإنهم يصبحون مستعدين للتضحية بأبنائهم في سبيلها، وأن يبيعوا آباءهم وأمهاتم وروسيا ووطنهم من أجلها».
وفي قصيدة »‬راسبوتين العربي» يقول نزار قباني: »‬صراخك دونما طائل.. ورفضك دونما طائل أنا القاضي بأمر الله والناهي بأمر الله
فامتثلي لأحكامي.. فحبي دائما عادل
أنا العصري والحجري
أنا المدني والهمجي والروحي والجنسي
والوثني والصوفي والمتناقض الأبدي
والمقتول والقاتل.. أنا المكتوب بالكوفي فوق عباءة العشاق والعلني والسري.. المرئي والخفي.. المجذوب والمسلوب والحشاش والمتعهر الفاضل.
أنا الممتد مثل القوس بين الثلج والتفاح بين النار والياقوت بين البحر والخلجان والموجود والمفقود والمولود كالأسماك عند سواحل الكلمات.
أنا المتسكع الغجري.. أنا القديس تأتيني نساء العالم الثالث فأغسلهن بالكافور والحنة وأغمرهن بالبركات وأعطي كل واحدة بنفسجة وموالا وأرزقهن أطفالا وأوصيهن أن يحفظن أشعاري، فشعري يدخل الجنة».
ولقد صدرت عن راسبوتين عشرات الكتب حاولت فك طلاسم تلك المسيرة العصية علي الفهم ومن أهمها راسبوتين، لهنري تروايا، »‬راسبوتين الحقيقة الأخيرة» لإدوارد رادزينكي ودوستروبوفيتش، وهو الذي قام بشراء المخطوطات الخاصة بمقتل راسبوتين من صالة المزادات سوثبي عام 1995 حيث بيعت التحقيقات الساردة للقتل المروِّع لهذا الوسيط الروحي، المغامر، السكير، الورع المغتصب، أيضا »‬من راسبوتين إلي بوتين رجال الظل» لفيدروفسكي واسم راسبوتين قد يعني المجون، الانحلال والعربدة ولقد ورث جريجوار تلك السمات والجينات عن والده عاشق الخمر والنساء، وتسير الأمور من سيئ إلي أسوأ بالنسبة للعباد والبلاد ويقرر الأمير الوسيم، الغامض يوسوبوف قتل راسبوتين، وبينما المؤامرة تحاك يستقبل الماجن في منزله كل يوم »‬400 زائر حتي وصلت الطوابير إلي نهاية الشارع، فهناك من يريد خدمة ومن يطمع في مساعدة مالية، وهناك نساء يأتين طمعا في مساعدة في مجال الفحولة وعنفوان الذكورة الشاهقة وهو في كل الأحوال لايرد سائلا أو محتاجا فهو لا يحرج أحدا.. ولكن العرّاف الجهنمي بدأ يتنفس رائحة الموت، فالنبيذ في فمه له رائحة الرماد وشفاه الغانيات هي شفاه لمصاصات الدماء.. ويقول راسبوتين نبوءته المدهشة.. إنني أشعر أني سأموت قبل 1 يناير.. لو قُتلت بيد إخوتي الفلاحين فلا تخش شيئا أيها القيصر، أما إذا قُتلت بيد النبلاء فسوف تظل أيديهم ملطخة بدمائي وسيغادرون روسيا وسيقتل أبناؤك بأيدي الشعب الروسي؟».
وقد كان.. قُتل راسبوتين بيد النبلاء، ويالها من ليلة ليلاء، كان الرجل العجيب عصيا علي القتل فلم يفلح النبيد الممزوج بالسم ولا الحلوي المسمومة في قتله بل طلب المزيد ولم يفلح الرصاص، وأخيرا ضُرب بالفأس حتي أعضاؤه الحساسة، فلقد كان أقرب إلي الوحش الكاسر، وما يُعرف عنه أنه كان يتعاطي السم بكمية ضئيلة ليصنع مناعة خارقة! وهكذا قُتل راسبوتين ذات ليلة في قبو الأمير، وقُتلت ذات ليلة أخري عائلة الرومانوف في قبو آخر بمكان آخر بأمر من لينين، وصارت الإمبراطورية العظمي مأساة في حضن هاوية الدم.. الدموع والحديد والنار والبؤس والأمجاد الغابرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.