ولأني جزء من الحكاية، وواحدة من وجوهها.. بدا غيابي غامضا وغريبا.. لم أشارك في الوداع.. لم أحضر العزاء.. وحين أقيمت (أول أمس) ليلة تكريم المخرجة عطيات الأبنودي، فاجأتني أزمة قلبية للمرة الأولي، في إصرار علي الغياب.. في ليلة التكريم اختارت أسماء يحيي الطاهر عبد الله (ابنة يحيي، وابنة عطيات بالاختيار، وابنة الحكاية).. اختارت ثلاثة أفلام للعرض (أغنية توحة الحزينة)، (الساندويتش) و(الغرفة رقم 8) الوثيقة السينمائية الوحيدة للشاعر أمل دنقل.. وكنت شاهدة علي تصويرها علي مدي يومين في الغرفة رقم 8 بمعهد السرطان، قبيل وفاة أمل دنقل بشهور.. لم يكن فيلما، بقدر ما كان رسالة ومسئولية ووعي عطيات الأبنودي بدورها كمخرجة تسجيلية.. الفيلم جزء من حلم عطيات الأبنودي (بوصف مصر) سينمائيا.. وبداية حلم آخر ومسئولية لتوثيق ذاكرة جيل من المبدعين وصيانة تراثهم الإبداعي، خاصة وأن رحيل القاص يحيي الطاهر عبد الله، في حادث سيارة بالواحات (قبل وفاة أمل دنقل بعامين) فاجأ الجميع.. ولنكتشف غياب أي صورة أو وثيقة فيلمية تدل عليه.. لا فيلم، ولا تسجيل صوتيا، ولا حتي صورة.. فقط صورة صغيرة وقديمة أبيض وأسود، هي التي تداولتها الصحف.. هكذا أطل يحيي الطاهر في قصيدة أمل دنقل الأخيرة (الجنوبي) صورة حفظها الأصدقاء محفورة بالوجدان، تستعصي علي النسيان.. وأطلت ابنته أسماء وجها وعلامة وحكاية باقية (ليت أسماء تعرف أن أباها صعد.. لم يمت.. هل يموت الذي كان يحيا).. قررت عطيات الأبنودي ألا يحدث هذا لأمل دنقل، أن تحفظ صوته وصورته، وتوثق ذاكرة شاعر في وثيقة سينمائية وحيدة، وأن تتحمل بمفردها إنتاج الفيلم.. جاءت هي والمصور محسن نصر بكاميراتهما وأجهزة الصوت، إلي معهد السرطان، وقامت بتصوير ساعة ونصف الساعة مع الشاعر، حوار طويل حول سيرته وحياته وشعره، استخلصت منه 25دقيقة هي مدة فيلم (الغرفة 8)، وأهدته إلي يحيي الطاهر عبد الله..