ماذا يحدث في البصرة ؟

حين غزت الولايات المتحدة العراق سنة 2003، وأسقطت صدام حسين، خرج العراق من حسابات القوة في المنطقة، وصارت إيران هي أكبر قوة علي جانبي الخليج، وشيئاً فشيئاً مدت نفوذها داخل العراق نفسه الذي كان يعاديها بالأمس. ومرت في النهر مياه كثيرة علي مدار خمسة عشر عاماً، ظهرت فيها داعش، وهزمت داعش، وبعد أن هدأ غبار المعركة قليلاً نظر العراقيون لأحوالهم، فوجدوا أن الحالة وصلت لدرجة من السوء لا يمكن السكوت عليها، فانفجروا، وكانت البداية من البصرة.
هذا الانفجار له دلالاته، وأولي هذه الدلالات : رفض العراقيين، الشيعة والسنة، للسيطرة الإيرانية علي القرار العراقي. حيث يشعر العراقيون أن النظام الحالي لا يعبر عن إرادتهم الوطنية، بل هو مجرد نظام تابع لإيران، حتي الشيعة منهم الذين يتفقون مع إيران في التشيع يرون ذلك، وهذا يفسر لنا إحراق القنصلية الإيرانية في البصرة، وإشعال النار في العلم الإيراني.
الدلالة الثانية : هي عدم إمكان السكوت علي سوء الخدمات؛ فالكهرباء تأتي من إيران، وتنقطع ما شاء الله لها أن تنقطع، وحين تبرع أمير الكويت بمولدات كهربائية عملاقة لمواجهة المشكلة قام موظف الجمارك العبقري برفض إدخالها لأن الكويت لم تدفع الجمارك. أما المياه فيكفي أن نعرف أن البصرة تعاني من العطش، لأن المياه المتاحة مالحة وملوثة.
الدلالة الثالثة : أنه لا يمكن السكوت علي البطالة الهائلة التي يعاني منها العراقيون، فقد كانت فرص العمل متاحة في عهد صدام حسين أما الآن فلم تعد لها وجود. إن النظام للأسف لم يدرك أن الحرب مع الدواعش ليس معناها وقف التنمية وعدم توفير فرص العمل.
الدلالة الرابعة : تتعلق بالفساد، فشباب الشيعة يشعرون أنهم خدعوا، فقد قيل لهم إن الانضمام إلي ميليشيات الحشد الشعبي سيكون له مقابل عظيم، فانضموا، لكنهم فوجئوا بأن كبار المسئولين استولوا علي الأموال لأنفسهم، وسربوها للخارج، ولم يعطوهم شيئاً.
الدلالة الخامسة : الضيق بالأحزاب الدينية، الشيعية والسنية، لأنها تتاجر بالدين، ولا تقدم شيئاً للوطن، ولذلك تم التحرك بعيداً عنهم.
لكن تبقي هناك أسئلة مهمة : هل ستستغل داعش الموقف لتحقق بعض المكاسب ؟ هل سيستغل الأكراد الموقف لتحقيق بعض المكاسب ؟ هل هناك احتمال لانقلاب عسكري يعيد الأمور لنصابها ؟ وما هو حجم التدخل الخارجي فيما يحدث ؟ أسئلة تحتاج لتفكير عميق قبل الإجابة.