فجأة نفقد أشخاصا ممن حولنا.. شغلتنا أمور حياتنا عن التواصل معهم.. ولكن في لحظة فقدانهم تشعر بشيء غريب داخلك.. ولا تعلم سببا لهذا الشعور..هل كان بسبب المفاجأة من رحيلهم.. علي الرغم من أنك تعلم أننا كلنا علي موعد مع الفراق.. مع الموت الذي يخطف منا أصحابنا وأهالينا .. فهو حق.. كل شيء يولد لابد أن يموت. وعندها تشعر بالندم أنك قصرت في التواصل مع هؤلاء الاشخاص وتتمني عودتهم لتصحح الخطأ.. لكن الوقت قد فات ولم يعد يسمح لك برؤيتهم أو حتي السؤال عليهم بالتليفون.. الذي لم يكن يكلفك شيئا في حياتهم. وتجد نفسك في حزن شديد لا تعرف مبررا له.. فقد يكونون من الاصدقاء الذين فرضت عليك الايام الا تجتمع بهم إلا في مناسبات نادرة.. وباعدت بينك وبينهم الايام.. وعندها تتذكر ما كان بينك وبينهم من ذكريات جميلة ومواقف بها من الشيء الحسن ما يجعلك تحزن علي فراقهم المفاجئ. هو الموت الذي لا يستأذن ويدق أبوابنا جميعا كل يوم يأخذ ما يأخذ ويترك لنا الأحزان والذكريات.. أعمارنا تمر ونتقدم في السن في رحلة حياة .. نودع في أولها آباءنا وأساتذتنا ويأتي الدور علي زملائنا وأصدقائنا.. وأحيانا يخطف الموت من هم أصغر منا سنا.. ليقول لك توقف راجع نفسك.. صحح اخطاءك. ويا سبحان الله هي النفس البشرية.. لا تهتز ولا ترتبك إلا في لحظة وقوع الحدث وسرعان ما تعود ريمة لعادتها القديمة وننغمس في دوامة الحياة مرة اخري ونقصر مع أشخاص آخرين وبعدها نندم وهكذا نخرج من حالة لأخري دون أن نتعلم أن هذه الحياة لا حديث فيها سوي الموت والميلاد.. فهو حال كل الكائنات الموجودة علي الارض حتي الجماد ينتهي عمره بكسره وإلقائه في سلة المهملات.. ويأتي عليه يوم لا تنفع معه الصيانة ولا الاصلاح ولا حتي إعادة التدوير.. فله عمر مثل عمر الإنسان.. كلنا زائلون عابرون في هذه الدنيا منا من يتعلم ومنا من يعيش ويموت ولا يتعلم. لكن حالة الحزن التي تسيطر علي الانسان تختلف باختلاف مراحل عمره فالطفل لا يعرف الحزن لأنه غير مقدر لقيمة الاشياء أو الاشخاص.. بمعني أدق يحزن علي فقدانه لاشيائه المادية لكن سرعان ما ينسي لان لديه غيرها.. كلما تقدم الانسان في العمر تجد حالة الحزن أقوي لديه في شدتها وفي مدتها علي الرغم من نضجه ووعيه الذي يزيد بمرور الايام وإدراكه لسنن الحياة والكون إلا أنه كلما تقدم في العمر يحزن علي فقدانه الاحباب والاصحاب. ويصبح مهيأ حتي للحزن علي احوال أناس لا يعرفهم بمجرد الحديث عن مصائبهم أو أمراضهم وكيف رحلوا.. فكلما كبر الانسان أصبحت مشاعره أكثر رقة ورهافة وأصبح تعاطفه مع الاخرين أقوي بكثير من مرحلة شبابه التي كان يلهو فيها ويتمتع بكل شيء حوله فلم يأت اليوم بعد الذي يحرم فيه من طعام معين أو أي لذة جسدية أصبحت تمثل خطورة علي حياته بتقدمه في السن.. فهو دائما ما يجد العوض في أشياء أخري.. فالعمر أمامه والغد ملكه يستطيع أن يعوض كل شيء مهما كان. لكن بعد رحلة عمر الانسان ومن كثرة ما يلاقيه من مواجع وأحزان وفقدانه لأناس لن يعوضوا.. تجده يعرف قيمة من أحبه قبل رحيله.. ولم يقدر هذا الحب أو العطف ومن قدم له معروفا في حياته وأصبح في دنيا جديدة لا يستطيع أن يقدم فيها أي شيء .. فالكل يريد أن يأخذ منه أو علي الاقل أصبح هاتفه لا يرن إلا اذا كان لأحد طلب عنده .. وليس لمجرد السؤال عليه. فتخلو الحياة من حولك برحيل رفقاء الطريق الذين أصبحوا يتساقطون الواحد تلو الاخر.. وقبلهم من كانوا يساندونك ويعطفون عليك وتصل رحلة حياتك ربما للمحطة الاخيرة أو قبل الاخيرة. في انتظار موعدك.. ولكنك تكون وحدك فهذا هو أرذل العمر .. سبحان الله !! هذه هي الحياة بل قسوة الحياة.. نولد..نموت.. ونرحل.. كلنا عابرون ويبقي الحزن في قلوب من ينتظر موعده.