حقا أن استغلال الفرص المعيشية في أوقات الأزمات هو تحد للذات، ومشروع تحول في الفكر والسلوك معا ورغبة حقيقية للتغيير والبحث عن مصادر جديدة في الكسب الحلال في ظل وجود كثيرين يفضلون الوظيفة عن العمل الحر وينتظرون كثيرا لتحقيق غايتهم وإثبات صحة قرارهم وهم في جهاد نفسي يوميا بحثا عن ذلك مع محدودية الفرص المتاحة وتعثرها، وتزايد شروطها ومهاراتها ومع ذلك ينتظرون ويدفعون ثمنا من وقتهم وصحتهم وجهدهم ولكن بدون جدوي أحيانا أو بدون رضا عن المسمي الوظيفي وطيبعة العمل وموقعه وأجره وامتيازاته .. وفي النهاية يكون القبول بأقل مما هو مطلوب لأنها وظيفة وراتب مضمون آخر الشهر.. بينما الواقع اليوم هو في فرصة العمل الحر أكثر من الوظيفة.. خاصة أن التوجه الجديد للدولة هو دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ماديا وتنظيميا، وتسهيل إجراءات الحصول عليها، وتحفيز الشباب علي حجز مواقعهم، وإثبات وجودهم وتحريك طاقاتهم، وهو ما ثبت جدواه في تجارب الأسر المنتجة وشباب الأعمال والتجارة الإلكترونية والتجزئة والمطاعم والنقل.. ومهن الصيانة والتشغيل حيث بات من الضروري أن يعيد الشباب نظرتهم عن العمل الحر والخوف من الفشل أو العيب، إلي التحليق بأفكارهم وتجاربهم ورغباتهم، وصناعة ذاتهم من الصغر، وكسبهم الحلال بالصبر، ولذا أود القول إن بلدنا فيه خير كثير لمن يريد أن يعمل بصبر ولا يلتفت للمحبطين حوله أو المتخوفين بالقرب منه، أو المثيرين لثقافة العيب وهم من يمارسونه فعلا في تجاوزات مرفوضة من النظام والأخلاق.. حيث لا مجال اليوم سوي الاعتماد علي النفس والكف عن الانتقاد والخروج إلي الفرص التي تنتظرنا واختيار ما يناسبنا.. ولتعلموا أن الناجحين لم يولدوا قياصرة وإنما كتبوا نجاحهم بعرق جبينهم.. وهناك قصص كثيرة شاهدة علي ذلك.. فالدولة.. بل كل دولة ليس بمقدورها توظيف جميع أبنائها.. وحتي القطاع الخاص له أولويات وحسابات واختيارات، ولا يمكنه أيضا أن يتحمل فوق طاقته وهو اليوم يعلن عن تسريح الآلاف من المواطنين من وظائفهم لتقنين مصروفاته.. ولهذا لم يعد العمل الحر خيارا.. ولهذا سعت الدولة إلي أن تفتح مجالات جديدة للعمل الحر الذي يحمل مغريات للتجربة والنجاح ونأمل أن تتميز كل التجارب بالمنافسة الشريفة والبيئة الجاذبة للشباب، لنكتب معهم قصصا جديدة للإبداع.. وبالطبع كلنا متفائلون بذلك.